الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق |
وفي خِتامِ رمضان وفرَح المُسلمين بإتمام الصيام والقيام، وبعد التوفيقِ لإكمالِ تلاوةِ كلامِ الحَكيم العلاَّم، يُفاجَأُ أهلُ الإسلام بثلاثةِ تفجيراتٍ إجراميَّةٍ دمويَّة، وحوادِثَ إرهابيَّةٍ في بلادِ الحرمَين، جمعَت من القبائِحِ أعظمَها، ومن الجرائِمِ أشنعَهَا، ومن الكبائِرِ أعظمَها، من فئةٍ انحرَفَت عن تعاليمِ الوحيَين، وخرجَت عن جماعةِ المُسلمين، وأحدثَت في بلادِ المُسلمين ما جرَّ الفسادَ الكبيرَ، والشرَّ المُستطيرَ الذي لا يفرحُ به إلا أعداءُ الدين.
الخطبة الأولى:
الحمد لله على نعمِه التي لا تُحصَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأُولى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُصطفى والعبدُ المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه أهلِ الصدقِ والتُّقَى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
إخوة الإسلام:
ما أسرعَ ما تنقضِي الأيام وتمرُّ الشهورُ، والعاقلُ المُوفَّقُ من يتَّخِذُها ميدانًا للتقرُّب إلى المولَى - جل وعلا -، والحِفاظِ على طاعته سرًّا وجَهرًا.
وإن الواجِبَ على المُسلم في هذه الحياة: أن يُحقِّقَ الغايةَ من وُجودِه في دهرِه كلِّه، بالاستِقامة على توحيدِ الله - جل وعلا - وتقوَاه، وعلى طاعةِ مولاه؛ فالحياةُ كلُّها غايتُها العُظمى التِزامُ الأوامرِ الإلهيَّة، وتحقيقُ العبوديَّة له - سبحانه -، على حدِّ قولِ الله - جل وعلا -: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]، وقوله - جل وعلا -: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - كان يذكرُ اللهَ على كل أحيانِه.
فيا معاشر المسلمين:
لئن وُفِّق المُسلم على استِثمار وقتِه في رمضان بالمُسارَعة إلى الخيرات، والتقرُّب بسائرِ المُستحبَّات، فعليه أن يحمدَ الله - جل وعلا - على ذلك، وأن يجتهِدَ في عامِه كلِّه بأنواعِ الطاعاتِ حسبَ الاستطاعةِ ووفقَ المُمكِنات، فرسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ» (متفق عليه).
وسُبُل الخيرات، وطُرقُ كسبِ الحسنَات في شريعَة السماحَة واليُسر والرحمةِ والفضلِ كثيرةٌ مُتنوِّعةٌ في الأقوال والأفعال.
إخوة الإسلام:
الشأنُ الأعظمُ أن يستقيمَ العبدُ على فعلِ الواجِبات والبُعد عن السيئات والمنهيَّات والقبائِح، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) [هود: 112].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم -: «قل: آمنتُ بالله، ثم استقِم».
عباد الله:
حافِظوا على حسناتِكم، واحذَروا من تكديرِ ما أنعمَ به الله عليكم؛ فالمُفلِسُ الحقيقيُّ في الاصطلاحِ الشرعيِّ، كما دلَت عليه النصوصُ، هو من يبني حسناتٍ عِظام، ثم يهدِمُ ذلك بإطلاقِ جوارِحِه في ظُلم الخلقِ، والتعدِّي عليهم بالمقالِ والفِعالِ.
معاشر المسلمين:
وفي خِتامِ رمضان وفرَح المُسلمين بإتمام الصيام والقيام، وبعد التوفيقِ لإكمالِ تلاوةِ كلامِ الحَكيم العلاَّم، يُفاجَأُ أهلُ الإسلام بثلاثةِ تفجيراتٍ إجراميَّةٍ دمويَّة، وحوادِثَ إرهابيَّةٍ في بلادِ الحرمَين، جمعَت من القبائِحِ أعظمَها، ومن الجرائِمِ أشنعَهَا، ومن الكبائِرِ أعظمَها، من فئةٍ انحرَفَت عن تعاليمِ الوحيَين، وخرجَت عن جماعةِ المُسلمين، وأحدثَت في بلادِ المُسلمين ما جرَّ الفسادَ الكبيرَ، والشرَّ المُستطيرَ الذي لا يفرحُ به إلا أعداءُ الدين.
ألا يخشَى أولئك من الجبَّار - جل وعلا -؟! ألا يتَّقون العزيزَ الغفَّار؟! أين هم حينما يسألُهم ربُّهم عن سَفك دماءِ المعصُومين؟! ما موقِفُهم من خالقِهم وهم يسعَون فسادًا عريضًا بترويعِ الآمنين العابِدين المُصلِّين، بقتلِ الأبرِياء الصائِمين، لاسيَّما بجوار مسجِدِ رسولِه الأمين، وفي شهرٍ عظيمٍ، والناسُ في قيامٍ خاضِعين لربِّ العالَمين.
ألا فيا شبابَ الإسلام! قِفُوا وقفةَ تفكُّر وتعقُّل، وخُذُوا العِبرةَ من العواقِبِ الوخيمة التي تجُرُّها أفكارُ من حادَ عن جماعة المُسلمين، واستحلَّ دماءَ العابِدين الصائِمين القائِمين العاكِفين لربِّهم ساجِدين خاضِعين.
يا مَن زلَّ به الفكرُ عن الصواب، واختلَّ به الطريقُ عن المنهَج الحقِّ! تُب إلى ربِّك - جل وعلا - قبل أن تُلاقِيَه، عُد إلى سبيل المُؤمنين كما أمرَك بذلك ربُّك، وأمرَك به رسولُك - صلى الله عليه وسلم -، عُد إلى دائرةِ جماعةِ المُسلمين، فقد حذَّرَتك نصوصُ الشريعة من الشُّذوذ، ونهَتْك عن الفُرقَة ومُجانَبَة الجماعَة.
فأعظمُ وسيلةٍ في تاريخ أمة الإسلام، أعظمُ وسيلةٍ لشياطين الجنِّ والإنسِ لإفساد العقول، وإخراجها عن الهديِ المُستقيم، أعظمُ ذلك: البُعد عن جماعة المُصلِّين، وهديِ العابِدين، وسبيل المُؤمنين، (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 168].
وما أرشدَنا القرآنُ والسنةُ إلا إلى ما يُصلِحُ به أوضاعَنا، وحينما نبتعِدُ عن ذلك يحصُلُ الفسادُ العريضُ.
يا شبابَ الإسلام:
إن أعظمَ سلاحٍ ينهَجُه أعداءُ الإسلام، ينهَجُه أعداءُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لهَتك سِياجِ الدين، ولمُحاربَة مُجتمعات المُسلمين، أعظمُ سلاحٍ هو تغذِيةُ عوامِلِ التفرِقة، وإخراجُ الشبابِ عن جماعَة المُسلمين بحُجَجٍ ظاهِرُها الرحمة، وباطِنُها العذابُ، بحُجَّة نصرة الدين وخدمةِ قضاياه. وذلك لا يكونُ منهم إلا حينما يُبعِدُون الشبابَ عن العلماء الربانيِّين، والفُقهاء المُحقِّقين، والأئمةِ المُصلِحين.
ومن قرأَ التاريخَ استبَانَ له ذلك جليًّا واضِحًا، فلم يقِف في سبيل الأمة المُحمدية لخدمةٍ لدينِها، ولنشر رسالةِ ربِّها، كمثلِ فتنةِ الشُّذوذ عن الجماعَة المُسلِمة التي عليها أهلُ الإسلام قاطِبةً؛ إذ بمثلِ هذه الفتن لا يُخدَمُ دينٌ، ولا يُمكنُ أن يُخدَم، ولا تُقامُ دُنيا صالِحة، بل إن الشُّذوذَ عن جماعَة المُسلمين جرَّ على الإسلام والمُسلمين فسادًا عظيمًا على الأمة المُحمدية، وشرًّا مُستطيرًا لا يستطيعُ لسانُ بليغٍ أن يحصُرَه في موضِعٍ مثل هذا.
يا أهلَ هذه البلاد:
إن بلادَكم مُستهدَفة في خدمتِها للحرمَين، وفيما أنعمَ الله به عليها من نعمٍ مُتعدِّدة. فاتَّحِدوا على الخير، احذَروا الانقِسامات بشتَّى أشكالِها، تحرَّسُوا من أحابيلِ الأعداء وشِراكِ المُتربِّصين الذين يبغُون لكم ولمُجتمعاتِكم ولأجيالِكم الفناءَ والهلاكَ والدمار.
إن وسائلَ الإعلام عليها تصحيحُ مسارِها، وأن تكون مُوجّهةً لاستِقرار المُجتمعات وحفظِ الأجيال، وإن على جميعِ المُسلمين أن يحذَروا من سلاحٍ فتَّاكٍ جِراحُه نازِفة، إنه سلاحُ الإشاعات المُغرِضة، والأكاذِيب المُرجِفة.
على أهل بلاد الحرمَين أن يتلاحَموا مع قادَتهم، وأن ينهَلُوا من عُلمائِهم الربانيِّين المشهُود لهم بالعلمِ والديانةِ والورَع، والحكمةِ والتجربة، على الجميعِ أن يُغلِّبُوا المصالحَ العامَّة على الخاصَّة، وأن يتفانَوا في خدمةِ بلادِهم بصدقٍ وإخلاصٍ، ابتِغاءَ الأجر والمثُوبَة، فهي بلادُ الحرمَين التي تخدمُ الدين وتخدمُ المُسلمين جميعًا. عليهم أن يجتهِدُوا في ذلك مُنطلِقين من توجُّهات دينهم ومقاصِد شريعتهم.
وعلى الأُسر أن تُراعِي شبابَها، وأن يتفقَّدُوا أحوالَهم، وأن ينظُروا في أوضاعِهم، وأن يلحَظُوهم في توجُّهاتهم، مع الابتِهالِ لله - جل وعلا - أن يحفظَ أولادَهم من كل فتنةٍ ومحنةٍ وفكرٍ ضالٍّ، فالدعاءُ من الوالدَين أعظمُ أسبابِ الصلاحِ.
يا علماءَ الأمة:
ليكُن الاهتمامُ بقضايا الأمة مُراعًى فيه الحكمة والكياسَة والإجادَة لمُراعاة المآلات، ولنحذَر من أي خطابٍ أو فتوًى يُمكنُ أن يفهَمَها الشبابُ على غير موضعِها، أو أن يحمِلُوها على غير محامِلِها الصحيحة، وهذا لا يُمكنُ إلا بمُراعاةِ المقاصِدِ الشرعيَّةِ التي بيَّنَها علماءُ الإسلام، مع إجادةٍ للدرايَةِ الفقهيَّةِ السَّديدَةِ، التي تسيرُ بالشبابِ إلى الحكمةِ والتروِّي والرِّفقِ والتأنِّي.
وفي الأخير .. كلمةُ شُكرٍ لرِجالِ الأمنِ في بلادِنا، وراعِيها الأول، فهم في سَنام الحَزم والحَسم والمُراقبَة لخدمةِ المُسلمين، والحِفاظِ على أمنِهم بعد الله - جل وعلا -، فجزاهُم الله خيرَ الجزاء، وحفِظَهم الله من كل سُوءٍ، وتقبَّل الله موتاهم في الشُّهداء، وشفَى الله كل مريضٍ مُصاب.
أقولُ هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أحمدُ ربي وأشكرُه.
أيها المسلمون:
من فضلِ الله -جل وعلا- على الأمة: ما شرعَه لهم من أفعالِ الطاعاتِ المُستمرَّة التي تُكسِبُهم عظيمَ الحسنات؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من صامَ رمضانَ وأتبعَه ستًّا من شوال فكأنما صامَ الدهرَ كلَّه» (رواه مسلم).
ولا يجوزُ في أظهَر القولَين من قولَي أهل العلم: أن يُقدِّم من عليه قضاءٌ واجِبٌ صومَ مُستحبٍّ، فذلك مُخالِفٌ للقواعد الشرعيَّةِ والنصوصِ الصحيحةِ.
وكُونوا - عباد الله - مُستلهِمين من شهر رمضان ما يحدُوكم إلى عظيمِ الفضائلِ، وجمائِلِ الأخلاق، مُتَّصِفين بالجُودِ بأنواعه دومًا، وبالفضلِ والإحسان والرحمةِ سرًّا وجهرًا؛ فالأمةُ المُحمديَّةُ أمةٌ يجبُ أن تعيشَ في العالَم بالأخلاقِ الفُضلَى، والمحاسِنِ العُظمى، فهذه من أنبَلِ مقاصِدِ دينِنا، وأعظمِ أهدافِ شريعَةِ ربِّنا، من فرضِ الفرائِضِ وإيجابِ الواجِبات.
ثم إن أفضلَ الأعمال: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيِّدنا وحبيبِنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفَظهم بحفظِك، واكلأهم برعايتِك وعنايتِك، اللهم فرِّج همومَهم، ونفِّس كُرُباتهم.
اللهم عليك بأعداءِ الإسلام، اللهم عليك بأعداءِ المُسلمين، اللهم أفشِل مُخطَّطاتهم ومكرِهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أفشِل مُخطَّطاتهم ومكرِهم يا عزيزُ يا حكيم.
اللهم اغفِر للمُؤمنين والمؤمنات، والمُسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضَاه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ بلادَنا من كل سُوءٍ ومكروهٍ وجميعَ بلاد المُسلمين، اللهم احفَظ بلادَنا من كل سُوءٍ ومكروهٍ وجميعَ بلاد المُسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ رِجالَ أمننا، اللهم احفَظ رِجالَ أمننا، اللهم قوِّهم وسدِّدهم وأيِّدهم يا حيُّ يا قيوم.
اللهم احفَظ الحُجَّاجَ والمُعتمِرين، اللهم احفَظ الحُجَّاجَ والمُعتمِرين، اللهم احفَظ الحُجَّاجَ والمُعتمِرين يا ذا الجلال والإكرام، ورُدَّهم إلى بلادِهم سالِمين غانِمين يا حيُّ يا قيوم.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذابَ النار.
اللهم اجعَلنا ممن قبِلتَ صيامَهم وقيامَهم، وغفرتَ ذنوبَهم يا حيُّ يا قيوم.
اللهم هيِّئ للمُسلمين أمرًا رشيدًا، اللهم هيِّئ لجميعِ المُسلمين أمرًا رشيدًا تصلُح به أحوالُهم يا حيُّ يا قيوم.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.