الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
إن من شعائر الإسلام العظيمة وأعماله الجليلة المجيدة: شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنها شعيرةٌ لها شأنٌ عظيم وخَطبٌ جسيم وأثرٌ مبارك؛ فبهذه الشعيرة تنحسر المنكرات، وتكثر الخيرات، وتعم البركات، وتتنزل الخيرات والرحمات، ولها من الآثار في صلاح العباد والمجتمعات ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسماوات،.. وكم لهذه الشعيرة في تطبيق العباد لها، وإقامتهم لها من آثار مباركة وخيرات عميمة وأفضال جسيمة لا يعلمها إلا الله -جل في علاه-!!...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم، وراقبوه في جميع أعمالكم مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه. اتقوا الله -جل وعلا- في سركم وعلانيتكم وفي جميع شؤونكم، فإن الله -عز وجل- شهيدٌ رقيب عليمٌ خبير لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، جعلنا الله أجمعين من عباده المتقين وأوليائه المقربين.
أيها المؤمنون: إن من شعائر الإسلام العظيمة وأعماله الجليلة المجيدة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنها -أيها العباد- شعيرةٌ لها شأنٌ عظيم وخَطبٌ جسيم وأثرٌ مبارك؛ فبهذه الشعيرة تنحسر المنكرات، وتكثر الخيرات، وتعم البركات، وتتنزل الخيرات والرحمات، ولها من الآثار في صلاح العباد والمجتمعات ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسماوات، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران:104].
ويقول الله -عز وجل-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران:110]، وقال -جل وعلا-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة:71]، وقال الله -جل وعلا-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج:41].
أيها المؤمنون: وكم لهذه الشعيرة في تطبيق العباد لها، وإقامتهم لها من آثار مباركة وخيرات عميمة وأفضال جسيمة لا يعلمها إلا الله -جل في علاه-.
أيها المؤمنون: ولا بد في هذه الشعيرة من مراعاة ضوابطها القويمة وآدابها المباركة وقواعدها الرصينة المستمَدة من كتاب الله وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنها إذا أُقيمت وفق هذه القواعد وفي ضوء هذه الضوابط تحقق الصلاح والخير والفلاح، وأما إذا نُحِّي بهذه الشعيرة منحًى يخالف قواعد الشريعة وضوابطها المعلومة؛ فإنها تتحول إلى نوع من الإضرار بالمجتمعات المسلمة؛ إخلالًا بالأمن، وشيوعًا للفوضى، وتجرئةً على الجريمة، وسفكًا للدماء، وانتهابًا للأموال، وتعديًا على الحرمات، إلى غير ذلك من أنواع المفاسد والمضار، والتي قد يرتكبها من لا فهم له ولا علم له بقواعد الشريعة وأصولها فيجني على نفسه وعلى أمته.
روى ابن أبي شيبة في مصنَّفه أن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قيل له: ألا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ قال: «إنه لحسن، ولكن ليس من السنة أن ترفع السيف على إمامك».
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن أبي حنيفة -رحمه الله- أن سائلاً سأله عن رجلٍ أخذ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فانضم إليه نفَر من الناس وخرج على الجماعة؛ سُئل عن عمله هذا أيصح؟ قال: لا. قيل: ولِم وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
فقال -رحمه الله-: «إن ما يقع على يد هؤلاء من الشر والفساد من سفك الدماء وانتهاك الحرمات وانتهاب الأموال أعظم مما أرادوه من الإصلاح».
ولهذا عباد الله: يجب أن يُتنبَّه إلى أصل الشريعة العظيم وقاعدتها المباركة التي لا ينضبط أمر الناس ولا تستقيم مصالحهم إلا بتحقيقها، أعني بذلك لزوم الجماعة وعدم نزع اليد من الطاعة، والحذر الشديد من شق العصا والافتيات على ولي الأمر؛ فإن في ذلك -أيها العباد- من الشرور والمفاسد والمضارّ ما لا يعلمه إلا الله، وإن زعم من يصنع ذلك أنه يحسن أو أنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فما هكذا تورد الإبل، وليس هذا من شأن دين الله، ولا موافقًا لشريعة الإسلام وقواعدها العظيمة التي لا تأتي للناس إلا بكل خير وفلاح ورفعة.
أيها المؤمنون: ولنذكر نعمة الله -جل وعلا- العظيمة علينا في هذه البلاد المباركة بلاد التوحيد والسنة مما أنعم الله علينا به من إقامةٍ للشريعة وإقامةٍ للعدل وتحكيمٍ لكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ورفعٍ لهذه الشعيرة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الدولة -أعزَّها الله ووفقها- جعلت لهذا جهازًا خاصًّا تنتشر فروعه في بلادنا المباركة ومدنها المتعددة؛ إقامةً لهذه الشعيرة، وكم حصل في هذا الجهاز وإقامته من خير عظيم ونفع كبير وصلاح عام ونفع مبارك لا يعلمه إلا الله -تبارك وتعالى جل في علاه-!!
يقول الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- مذكرًا بهذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة التي ننعم بها في هذه البلاد المباركة: «إن من أعظم نعم الله على هذه الدولة وعلى هذه البلاد أن وفَّق حكامها لتحكيم الشريعة من أول ما قامت الدعوة الإسلامية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وعلى يد الإمام محمد بن سعود -رحمة الله عليه-، وإن من نعمة الله العظيمة أن وفق الله هذين الإمامين لتحكيم شريعة الله والدعوة إلى سبيله والعناية بتوجيه الناس لتوحيد الله وبالإخلاص له، ومحاربة الشرك ووسائله وذرائعه وتحكيم شريعة الله بين الناس في مدن هذه المملكة وقراها..
هذا من أعظم نعم الله العظيمة أن جمع الإمامان وأتباعهما وأنصارهما بين الدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله وتعليمهم ما أوجب الله عليهم وتحذيرهم مما حرَّم الله عليهم من الشرك ووسائله وذرائعه، مع الحكم بينهم بما أنزل فيما يتنازعون وفيما يقع بينهم من المسائل التي تشتبه عليهم، وهذه من نعمة الله العظيمة سابقًا ولاحقًا؛ حيث تتابع ملوك هذه الدولة وحُكامها على هذا الأمر العظيم والسبيل القويم في تحكيم شريعة الله والدعوة إلى سبيل الله وإرشاد الناس إلى توحيد الله وطاعته وتحذيرهم من الشرك بالله ومعصيته والحكم بينهم بشرع الله.
ونسأل الله –سبحانه- أن يوفِّق ولاة أمرنا في هذه المملكة لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يكثر أعوانهم على الخير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياهم وإياكم من الهداة المهتدين إنه سبحانه وتعالى سميع قريب» انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-.
وإنا لنسأل الله -عز وجل- أن يوزعنا أجمعين شكر هذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة، وأن يمنَّ علينا في وطننا المبارك وبلادنا العزيز بالأمن والأمان والسلامة والإسلام، وأن يجمعنا أجمعين حكامًا ومحكومين رعاةً ورعية على الحق والهدى، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جل في علاه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله –تعالى-، فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وبُعدٌ عن معصية الله على نورٍ من الله خوفًا من عقابه -جل في علاه-.
أيها المؤمنون: اعلموا رعاكم الله أن الكيِّس من عباد الله من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينًا وحافظًا ومؤيدًا.
اللهم احفظ رجال أمننا والمرابطين على حدود البلاد، اللهم احفظهم بحفظك وتولَّهم بتوفيقك واكلأهم برعايتك وعنايتك يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم سدِّده في أقواله وأعماله وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم، واصرف عنهم شرارهم.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.