العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | ماهر بن حمد المعيقلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - أهل السنة والجماعة |
فلا إله إلا الله .. ما أعظمَها من كلمةٍ جليلة! فهي أطيَبُ الكلام، وأفضلُ الأعمال، وأعلى شُعب الإيمان، وأثقلُ شيءٍ في الميزان، وهي خيرُ ما يُعدُّ للقاءِ الله - جلَّ جلالُه -، فلذا أوصَى الأنبياءُ بها عند موتهم، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، ومن كان آخرُ كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة. والمُوحِّدون - يا عباد الله - هم أسعَدُ الناسِ بشفاعَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسِنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد .. معاشِر المُؤمنين: فأُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - عز وجل -، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].
أمة الإسلام:
لقد خلقَ الله تعالى آدمَ - عليه السلام - بيدِه، ونفخَ فيه من رُوحِه، وفطَرَه على توحيدِه، ثم أخذَ العهدَ والميثاقَ على ذُريَّته من بعدِه بأن يعبُدوه وحدَه لا شريكَ له، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 172].
وفي "صحيح مسلم": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله - تبارك وتعالى -: وإني خلقتُ عبادي حُنفَاء كلَّهم، وإنهم أتَتْهم الشياطينُ فاجتالَتْهم عن دينِهم، وحرَّمَت عليهم ما أحلَلتُ لهم، وأمرَتهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنزِّل به سُلطانًا».
فمكثَت الأرضُ بعد آدم عشرة قرون لا يُعبَدُ فيها إلا الله - جلَّ جلاله -، إلى أن وقعَ الشركُ في قوم نوحٍ - عليه السلام -، فبعثَه الله تعالى بكلمةِ التوحيدِ، فقال: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59]، وهكذا كلُّ نبيٍ يُبعثُ إلى قومِه يدعُوهم إلى توحيدِ ربِّهم، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25].
فأمرَ الله تعالى عبادَه أن يُوحِّدوه، وجعلَ التوحيدَ أصلَ الدين وأساسَه، فلا تُقبلُ حسنةٌ إلا به، وبدونِه تحبَطُ الأعمال وإن كانت أمثالَ الجبال، (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 88].
فلا إله إلا الله .. من أجلِها أرسلَ الله رُسُلَه، وأنزلَ كُتبَه، وخلقَ الجنةَ والنار، وقسَم الخلقَ إلى مُؤمنين وكُفَّار. ولا إله إلا الله .. هي أفضلُ الحسنات، وأعظمُ مُكفِّرٍ للسيئات، إذا اجتمعَ التوحيدُ واليقينُ والإخلاص.
ففي "سنن ابن ماجه"، و"مستدرك الحاكم" وصحَّحه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُصاحُ برجلٍ من أمَّتي يوم القيامة على رُؤوسِ الخلائِقِ، فيُنشرُ له تسعةٌ وتسعون سِجِلاًّ كلُّ سِجِلٍّ مدَّ البصر، ثم يقول الله - عز وجل -: هل تُنكِرُ من هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا ربِّ، فيقول: أظلمَتك كتَبَتي الحافِظون؟ فيقول: لا، ثم يقول الربُّ - عز وجل -: ألكَ عُذرٌ، ألكَ حسنة؟ فيَهابُ الرجلُ فيقول: لا. فيقول: بلى، إنك لك عندنا حسنات، وإنه لا ظُلمَ عليك اليوم، فتُخرَجُ له بطاقةٌ فيها: أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه». قال: «فيقول: يا ربِّ! ما هذه البِطاقة مع هذه السِّجِلاَّت؟ فيقول: إنك لا تُظلَم، فتُوضعُ السِّجِلاَّتُ في كِفَّة والبطاقةُ في كِفَّة، فطاشَت السِّجِلاَّتُ وثقُلَت البطاقة».
فلا إله إلا الله .. ما أعظمَها من كلمةٍ جليلة! فهي أطيَبُ الكلام، وأفضلُ الأعمال، وأعلى شُعب الإيمان، وأثقلُ شيءٍ في الميزان، وهي خيرُ ما يُعدُّ للقاءِ الله - جلَّ جلالُه -، فلذا أوصَى الأنبياءُ بها عند موتهم، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132]. ومن كان آخرُ كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة.
والمُوحِّدون - يا عباد الله - هم أسعَدُ الناسِ بشفاعَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قُلتُ: يا رسولَ الله! من أسعَدُ الناسِ بشفاعَتك يوم القيامة؟ قال: «أسعَدُ الناس بشفاعَتي يوم القيامة: من قال: لا إله إلا الله خالِصًا من قِبَل نفسِه» (رواه البخاري في "صحيحه").
قال ابن القيم - رحمه الله -: "وكلَّما كان توحيدُ العبد أعظم كانت مغفرةُ الله له أتمَّ، فمن لقِيَه لا يُشرِكُ به شيئًا غفرَ له ذنوبَه كلَّها".
وفي "صحيح مسلم": قال الله - تبارك وتعالى - في الحديث القُدسي: «ومن لقِيَني بقُرابِ الأرض خطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئًا لقيتُه بمثلِها مغفرةً».
فلذا - يا عباد الله - بنَى النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الكلمة دعوتَه، فكانت حياتُه كلُّها في التوحيدِ، مكيُّها ومدنيُّها، حضَرُها وسفرُها، سِلمُها وحربُها، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163].
وكان - صلى الله عليه وسلم - يُربِّي على هذه الكلمةِ أمَّتَه؛ ففي "سنن الترمذي": قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: كنتُ خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «يا غُلام! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ الله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأَل الله، وإذا استعَنتَ فاستعِن بالله، واعلَم أن الأمةَ لو اجتمعَت على أن ينفعُوك بشيءٍ لم ينفَعوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رُفعَت الأقلامُ، وجفَّت الصُّحُف».
الله أكبر! وصيَّةٌ عظيمة تغرِسُ التوحيدَ في القلوب. فالله - جلَّ جلالُه وتقدَّسَت أسماؤُه - هو الذي له الخلقُ والأمرُ، وعنده خزائِنُ السماوات والأرض، وهو الذي يقضي الحاجات، ويُجيبُ الدعوات، فالخلقُ كلُّهم فُقراءُ إليه، مُضطرُّون إلى فضلِه وكرمِه، ورحمتِه وعطائِه، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].
وفي مرضِه - صلى الله عليه وسلم - الذي ماتَ فيه: ذكرَت بعضُ نسائِه كنيسةً رأينَها بأرضِ الحبشَة وما فيها من تصاوِير، فرفعَ رأسَه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجلُ الصالحُ فماتَ، بنَوا على قبرِه مسجِدًا وصوَّرُوا فيه تلك الصُّور، أولئك شِرارُ الخلقِ عند الله يوم القيامة» (متفق عليه).
أمة الإسلام:
فقد كان - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على حمايةِ التوحيد من أن ينالَه نقصٌ أو خلَلٌ، سواءٌ كان في القصد أو القول أو العمل.
ففي "مسند الإمام أحمد": أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سمِع رجُلاً يقول له: ما شاءَ الله وشِئتَ! فقال - صلى الله عليه وسلم -: «جعَلتَني لله عدلاً؟! بل ما شاء الله وحدَه».
وجاءَه رجُلٌ فقال: إني نذرتُ أن أنحرَ إبِلاً ببُوانَة - يعني: موضِعًا -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل كان فيها وثَنٌ من أوثانِ الجاهليَّة يُعبَد؟». قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيدٌ من أعيادِهم؟». قالوا: لا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أوفِ بنذرِك؛ فإنه لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ الله» (رواه أبو داود في "سننه").
وكذلك - يا عباد الله - المقاصِدُ والنيَّاتُ يجبُ أن تكون خالِصةً لربِّ الأرض والسماوات؛ ففي "صحيح مسلم": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله - تبارك وتعالى -: أنا أغنَى الشُّركاءِ عن الشِّركِ، من عمِلَ عملاً أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشِركَه».
قال ابن القيم - رحمه الله -: "الإخلاصُ والتوحيدُ شجرةٌ في القلب، فروعُها الأعمال، وثمرُها طِيبُ الحياة في الدنيا، والنعيمُ المُقيمُ في الآخرة، وكما أن ثمارَ الجنة لا مقطوعةٌ ولا ممنوعةٌ، فثمرةُ الإخلاص والتوحيد في الدنيا كذلك، والشركُ والكذبُ والرياءُ شجرةٌ في القلب، ثمرُها في الدنيا الخوفُ والهمُّ والغمُّ، وضيقُ الصدر، وظُلمةُ القلب، وثمرُها في الآخرة الزقُّوم والعذابُ المُقيم، وقد ذكرَ الله هاتَين الشجرتَين في سُورة إبراهيم". اهـ كلامُه - رحمه الله -.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 24- 27].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد .. معاشر المُؤمنين:
إن النصوصَ الوارِدةَ في فضل كلمةِ التوحيد، وهي تدلُّ على عِظَم شانها وجلالَةِ قَدرِها؛ فمن ذلك:
أنها تعصِمُ دمَ صاحبِها؛ ففي "الصحيحين" من حديث أُسامة - رضي الله عنه وأرضاه -، لما بعثَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مع بعضِ الصحابةِ لقتالِ المُشرِكين، قال أُسامةُ - رضي الله عنه -: فصبَّحْنا القومَ فهزَمناهم، ولحِقتُ أنا ورجلٌ من الأنصار رجُلاً منهم، فلما غشِينَاه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاريُّ، فطعنتُه برُمحِي حتى قتلتُه.
قال: فلما قدِمنا، بلَغَ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: «يا أُسامة! أقتَلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟». قلتُ: يا رسولَ الله! إنما كان مُتعوِّذًا، قال: «أقتَلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟». قال: فما زالَ يُكرِّرُها عليَّ حتى تمنَّيتُ أني لم أكُن أسلَمتُ قبل ذلك اليوم.
وجاءَ في روايةٍ لمُسلم: أن هذا الرجلَ الذي قتلَه أُسامةُ - رضي الله عنه وأرضاه - قد أوجعَ في المُسلمين، وقتلَ عددًا من أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى السيفَ قال: لا إله إلا الله. قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقتَلتَه؟». قال: نعم، قال: «فكيف تصنَعُ بـ لا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!». قال: يا رسولَ الله! استغفِر لي، قال: «وكيف تصنعُ بـ لا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!». قال: فجعلَ لا يزيدُه على أن يقول: «كيف تصنعُ بـ لا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!».
إن الدماءَ - يا عباد الله - لا تُستباحُ بالتأويل، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلتفِت إلى تأويلات أُسامة؛ بل أخذ يُنكِرُ عليه ويُكرِّرُ بشدَّة: «كيف تصنعُ بـ لا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!»، حتى نسِيَ أُسامةُ - رضي الله عنه وأرضاه - ما عمِلَه من أعمالٍ صالحةٍ قبل اليوم، فتمنَّى أن لم يكُن أسلمَ قبل ذلك اليوم.
أخي المُسلم:
إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عظَّمَ دمَ مُحارِبٍ للمُسلمين، والقرائِنُ تدلُّ على أنه قالَها مُتعوِّذًا من السيفِ، فكيف بدمِ مُسلمٍ مُتيقَّنٍ من توحيدِه وإسلامِه؟!
فلا إله إلا الله .. كم عظَّم الإسلامُ أمرَ الدماء، وتوعَّدَ من استهانَ بها وأراقَها بغير حقٍّ بالعذابِ العظيمِ في الدنيا والآخرة، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
فقضيَّةُ حُرمة الدماء - يا عباد الله - محسُومة، والنصوصُ فيها صريحةٌ معلُومة، وتأويلاتُ أهل الضلالِ مردُودةٌ مرفُوضةٌ، ولا يزيغُ عن هذا إلا هالِكٌ. كيف يصنعُ بـ لا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجُودِك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزَةَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، وأنت على كل شيء قدير.
اللهم يا حي يا قيوم، برحمتِك نستغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، ولا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا بتوفيقِك، وأيِّده بتأييدِك، واجزِه خيرَ الجزاء عن الإسلام والمُسلمين يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه خيرٌ للبلاد والعباد. اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين لما تُحبُّه وترضاه. اللهم من أرادَنا وبلادَنا وأمنَنا ورجالَ أمنِنا بسُوءٍ فاجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه، اللهم إنا ندرَأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورِهم. اللهم احفَظ وانصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدودِ بلادِنا، اللهم ثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا قويُّ يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعَل خيرَ أعمالِنا خواتيمَها، وخيرَ أيامِنا يوم نلقَاك، وآخرَ كلامِنا من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.