البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

استغلال الأيام الباقية من شهر الصيام

العربية

المؤلف أحمد بن ناصر الطيار
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. تهنئة المجتهدين وتعزية المفرطين في رمضان .
  2. بكاءٌ على فراق رمضان .
  3. الاعتبار بمرور الأيام .
  4. استغلال بقية رمضان .
  5. تحرّي ليلة القدر .
  6. أحكام زكاة الفطر .
  7. قضاء رمضان وصيام الست من شوال .
  8. أمور تتعلق بالعيد وصلاته .

اقتباس

ونَحن نودِّع رمضانَ، نقول: ما زالت الفرصة مواتيةً للاجتهاد في الأيام القليلة الباقية من الشهر، فالأعمال بالخواتيم، ومن أصلح فيما بقي يرجى أن يُغفر له ما قد مضى.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين وَفَّق من شاء من عباده إلى الخير فليس عنه يعدلون، وحبب إليهم العمل الصالح فليس في غير مرضاته يطمعون، وأثَابهم على أعمالهم ثوابا جزيلا فإياه يحمدون ويشكرون.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:  فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].

أيها الصائمون والصائمات: اختص الله -جل وعلا- من خلقه من يقوم بحقه، ويسارعون إلى نيل رحمته وطلب مرضاته، فاستغلوا شهر رمضان في الإكثار من الطاعات، وتركوا الملذات والشهوات، وركنوا إلى جناب ربهم لنيل الرحمات، بادروا إلى الصيام والقيام بقلوب راغبة مشتاقة محبة، أنفقوا في سبيل الله مما يحبون، أتعبوا أجسادهم في سبيل راحتها يوم لقاء مولاهم وخالقهم؛ فهنيئاً لهم! ثم هنيئاً لهم!.

عباد الله: تذكروا بالأمس حين قدوم شهركم وفرحكم بوصوله، واستبشاركم بخيراته وبركاته، وسعادتكم بأيامه ولياليه، وها هو اليوم يمر علينا وعليكم مرور الكرام، وها نَحن بعد أيام قليلة نُودِّع أحب الشهور وأفضلها، شهر الصيام والقيام، شَهْر القرآن، شهر التَّقْوى والصَّبْر، شهر البركة والإحسان، شهر الإنفاق وتفطير الصوام، شهر المغفرة والعتق من النار. تصرمت أيامه، وانقضت لياليه، ولم يبق منه إلا القليل.

فحقٌّ على كل واحد منا أن يبكيَ على فراقه، فقد كانت مصابيح الأعمال فيه مشهورة، والمساجد منه معمورة، وبعد قليل تُطْفأ المصابيحُ، وتنقطع التراويح، ونرجع إلى العادة، ونفارق شهر العبادة.

وحقٌّ على المذنب المستمر على ذنبه أن يَبكي لأنه خرج من رمضان ولم يقلع عن ذنبه، وحقٌّ على المقصر أن يندم على تقصيره وتفريطه وخروجه منه خالي الوفاض من الحسنات، وحقٌّ على المحسن أن يبكي حرقة على فراقه لما عاش فيه من لحظات السعادة والفرح بمناجاة رب الأرض والسماوات، ولأنه لم يزدد من العمل الصالح.

ورد عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يُنادي في آخر ليلة من رمضان فيقول: "يا ليت شعري! مَن المقبول فنهنئه؟ ومن المحروم فنعزيه؟".

فهنيئاً لمن غفر اللهُ له فيه ذنبَه، وأقَال عثرتَه، وستر عورتَه، ورفع درجتَه! وهنيئاً لمن حقق فيه أملَه، ونال فيه جائزتَه، وعتقت فيه رقبتُه، وفاز بجنة ربه! ويا خيبة من قطعه غافلاً، وأمضى لياليه عاصياً لاهياً، وأضاع أيامه متثاقلاً متشاغلاً!.

أيها الصائمون والصائمات: ونَحن نودِّع رمضانَ، نقول: ما زالت الفرصة مواتيةً للاجتهاد في الأيام القليلة الباقية من الشهر، فالأعمال بالخواتيم، ومن أصلح فيما بقي يرجى أن يُغفر له ما قد مضى.

وينبغي على العاقل أن يتذكر سُرعةَ مُرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإنَّ في مُرورها وسُرعتها عبرةً للمعتبرين، وعِظَةً للمتعظين؛ وصدق الله العظيم: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور:44].

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال: "أحسنهم خلقا". قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس" رواه ابن ماجة.

فاحذروا -يا عباد الله- من المعاصي بعد الطاعات، واعلموا أنها تنقص ثوابها أو تبطلها، فلا تتبدلوا بعد رمضان الإحسانَ بالعصيان، والقرآنَ باللغو والألحان، ولا تغتروا بالصحة ولا بالأموال، والأولاد وسراب الآمال، فإن الموت يأتي بغتة، والموعد بين يدي الكبير المتعال.

أيها الصائمون والصائمات: احرصوا -بارك الله فيكم- على ما يأتي:

أولاً: تحري ليلة القدر وقيامها؛ فقد قال الله -جل وعلا- عنها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3]، وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في هذه العشر الأخيرة من رمضان أنه يتحراها، لكونها أفضل ليالي العام.

ووصى نبينا -صلى الله عليه وسلم- بتحريها في العشر الأواخر من رمضان فقال: "الْتَمِسُوهَا في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ"، فيا سعادة من نال بركتها وحظي بخيرها وقام بحقها! قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه" متفق عليه.

ويستحب الإكثار من الدعاء فيها، لما ورد عن أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ مَا أَقُولُ فِيهَا؟" قَالَ: "قُولِى: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى".

واحذروا من نشر المرائي التي تتكلف تحديدها، ففي ذلك تثبيط عن الطاعة، وتزهيد في استغلال هذه الليالي المباركة.

ثانياً: ينبغي على كل واحد منا أن يعقد العزم على استدراك ما فاته من تلك الليالي، وأن يجتهد في العبادة، وأن يملأها بأفضل القربات، وأنواع الطاعات؛ ليفوز برحمة الله وجنته، وليكُن همنا في هذه الأيام الباقية من هذا الشهر المبارَك أن نُرِيَ الله منا خيراً، فالمحرومُ مَن حُرِم خيرها وبركتها.

ثالثاً: الحرص على إخراج زكاة الفطر؛ فقد افترضها الله -جل وعلا- في ختام الشهر شكراً له على ما أنعم به على عباده من صيام رمضان وقيامه، وكذا طهرة لهم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، أعني صلاة العيد.

وفي الصحيحين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ"، فبادروا بإخراجها طيبة بها نفوسكم، وهي عبارة عن صاع من طعام، ومقداره ثلاثة كيلو جرامات تقريباً.

وأفضل أوقات إخراجها في يوم العيد من بعد صلاة الفجر وحتى دخول الإمام، ويجوز إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرت فهي صدقة من الصدقات.

رابعاً: على من كان عليه قضاء أيام من رمضان أن يبادر بصيامها، ومن أفطر في رمضان بعذر شرعي فعليه القضاء، وهو في ذمته، ويتأكد في حقه التعجيل به؛ لأنه لا يدري ما يعرض له.

والأولى تقديم القضاء على صيام الست من شوال، ومن أخره فلا حرج عليه؛ لفعل أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ذلك.

خامساً: عليكم بالحرص على صيام الست من شوال، ففي صيامها أجر كبير وفضل عظيم، ذلك أن من صامها بعد رمضان كتب له أجر صيام سنة كاملة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم.

سادساً: آلمنا كثيرا ما حصل من اعتداء آثم من شابين مغرر بهما على والديهم وأخيهم، وتلك والله جريمة شنعاء في هذا الشهر المبارك. كيف يقدم شخص على قتل أقرب الناس إليه، بل الذين ربياه وقاما على رعايته؟ أمه التي حملته وولدته وأرضعته، وأبوه الذي تعب في تربيته ورعايته! والسبب في ذلك الفكر الضال، والوصول إلى تكفير الوالدين، وبالتالي الإقدام على هذه الجريمة؛ زاعمين التقرب إلى الله، فالله المستعان!.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:20].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد: فيأيها الصائمون والصائمات، اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، وراقبوه، وأطيعوه، ولا تعصوه، واعلموا أن الدنيا دار ممر، والآخرة دار مستقر، فمن أراد الجنة فليعمل لها، وليشمر عن ساعد الجد، ومن أراد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

عباد الله: إن مما شرعه الله ختاماً لشهركم أداءَ صلاة عيد الفطر شكراً له على أداء فريضة الصيام، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما قدم المدينة وكان لأهلها يومان يلعبان فيهما، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر" رواه أبو داود.

وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالخروج لصلاة العيد حتى النساء، فيسنّ حضورهن غير متطيبات ولا لابسات لثياب زينة وشهرة، ولا يختلطن بالرجال؛ والحائض تخرج لحضور دعوة المسلمين وتعتزل المصلى، قالت أم عطية -رضي الله عنها-: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تَخرجَ البكرُ من خدرها، وحتى تخرج الحيّضُ فيكنّ خلف النساء فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون ذلك اليوم وطهرته".

والخروج لصلاة العيد إظهار لشعيرة من شعائر الإسلام، فاحرصوا على حضورها؛ فإنها من مكملات أحكام هذا الشهر المبارك.

وأكثروا -بارك الله فيكم- من التكبير ليلة العيد، واستمروا على ذلك إلى دخول الخطيب لصلاة العيد.

واحذروا من الإسراف في الولائم أيام العيد؛ فذلك من كفران النعمة، وهي عارية عندكم، فاحذروا من زوالها.

وأوصي أخواتي الكريمات بالحرص على اللباس الساتر، وليحذرن من الألبسة العارية؛ فذلك مؤذن بزوال نعمة الله عليهن.

أسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا، وأن يغفر لنا زلاتنا وذنوبنا، وأن يكتبنا وإياكم من عتقائه في هذا الشهر من النار.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك، فقال -جل من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].