المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - كتاب الجهاد |
والجهاد على أربع مراتب وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين وأصحاب المعاصي والمنكرات، وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون عند الله في منازلهم كتفاوتهم في مراتب الجهاد ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وأكرمهم عند الله؛ لأنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد في الله حق جهاده منذ بعثه الله إلى أن توفاه ..
الحمد لله رب العالمين، أمر بالجهاد في سبيله في كتابه وعلى لسان رسوله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، واعلموا أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وأن منازل المجاهدين أعلى منازل أهل الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]
وقد أمر الله المؤمنين أن يجاهدوا فيه حق جهاده، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج:77] كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته فكما أن حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر؛ فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله، فيكون كله لله وبالله.
والجهاد على أربع مراتب وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين وأصحاب المعاصي والمنكرات، وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون عند الله في منازلهم كتفاوتهم في مراتب الجهاد ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وأكرمهم عند الله؛ لأنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد في الله حق جهاده منذ بعثه الله إلى أن توفاه، فإنه لما أنزل الله عليه: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر 1: 4] قام ودعا إلى الله ليلاً ونهاراً. سراً وجهاراً، ولما نزل عليه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) صدع بأمر الله لا تأخذه في الله لومة لائم.
ولما أمره الله بقتال الكفار امتثل أمر ربه، فغزاهم بنفسه صلى الله عليه وسلم بضعاً وعشرين غزوة: أولها غزوة بدر، وآخرها غزوة تبوك.
وعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من أنواع الجهاد؛ إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد، والمسلم في هذه الحياة بين ثلاثة أعداء كلها تحتاج إلى جهاد، النفس هو الأصل والأساس وما عداه فرع عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد بنفسه ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم.
فمن لم يجاهد نفسه -لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه- لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، وقد سلط على العبد هذه الأعداء الثلاثة؛ ابتلاء وامتحاناً، وأمر بجهادها، وأعطى مدداً وسلاحاً وعدة لمقابلتها، فجهاد النفس يكون بإلزامها بتعلم الهدى والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه ومنعها من شهواتها المحرمة، وجهاد الشيطان يكون بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه، فإنه يعد الأماني ويمني الغرور، ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقوى، قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) والأمر باتخاذه عدواً يعني استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته لأنه عدو لا يفتر عن محاربة العبد ليلاً ونهاراً.
وأما جهاد العصاة وأصحاب المنكرات فهو على ثلاث مراتب:
الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بالقلب بأن يبغضهم بقلبه ويبتعد عن مخالطتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان" فالإنكار بالقلب يجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله. ومن لم يفعله فليس بمؤمن، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وذلك أضعف، أو أدنى الإيمان"، وقال: "ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
ويجب على المسلم أن يبدأ بنفسه ثم بأهله وأولاده ومن تحت يده فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وقيم البيت راع على من فيه، فاتقوا الله -يا عباد الله-؛ فإن كثيراً من بيوتكم مملوء بالمنكرات والعصاة، وأنتم ساكتون لا تفكرون ولا تغيرون، قد أهملتم مسؤوليتكم. وضيعتم رعيتكم. فاخشوا العقوبة والوقوف بين يدي الله يوم يسألكم عن رعيتكم -أقسم بالله لو أن واحداً من أولادكم تعدى على شيء من أموالكم لم تسكتوا عنه ولم تتركوه يعبث به بل تأخذونه بالحزم والشدة، لكن حينما يتعدى على دينكم فالأمر في نظركم سهل لأن الدنيا أغلى عند بعضكم من الدين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأما جهاد المنافقين: فيكون باللسان وذلك برد شبههم ودحض مفترياتهم التي ينشرونها بين المسلمين؛ لقصد التخذيل والإرجاف والإفساد، لأن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ويعيشون بين أظهر المسلمين، فشرهم خطير وأذاهم للمسلمين كثير. فهم دائماً يحاولون الإفساد وتفريق الكلمة وزرع العداوة بين المسلمين، وقد أمر الله بجهادهم، وذلك بالحجة والبيان وتحذير المسلمين من شرهم، وببيان صفاتهم الخبيثة حتى يعرفهم المسلمون على حقيقتهم فيحذروهم.
وأما جهاد الكفار، فيكون بالقلب واللسان والمال والنفس، فيجب على المسلمين أن يجاهدوا الكفار بأموالهم وأنفسهم؛ لأن الله أمر بالجهاد بالنفس والمال في آيات كثيرة، ومن عجز عن الجهاد بالبدن لم يسقط عنه الجهاد بالمال، ومن عجز عن الجهاد بالمال لم يسقط عنه الجهاد بالبدن، وجهاد الكفار على نوعين.
جهاد دفاع كما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه حينئذ يجب القتال على كل من يطيقه دفاعاً عن الدين والحرمة والأنفس: وهو قتال اضطرار -ويكون الجهاد جهاد طلب بأن يغزو المسلمون الكفار في ديارهم لإعلاء كلمة الله وإرهاب العدو، وهذا قتال اختيار يجب على الكفاية لا على الأعيان، والمقصود من جهاد الكفار أن لا يعبد إلا الله وحده، فلا يدعا غيره ولا يصلي لغيره، ولا يحج إلا إلى بيته ولا تذبح القرابين إلا لله.. وأن يكون الدين كله لله، وكلمة الله هي العليا.
وقد ظهرت بعض الجماعات في وقتنا الحاضر تنكر فرضية الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقتصر على العبادة والأذكار والسير في الأرض أو الخروج كما يسمونه..
وظهرت طائفة أخرى من الكتّاب والمؤلفين ينكرون جهاد الطلب ويزعمون أن الجهاد دفاع فقط، ومعنى هذا أن يسكت المسلمون ويتركوا الكفار على كفرهم حتى يصل منهم اعتداء على المسلمين في بلادهم.. وهذه الفكرة دسيسة من أعداء الإسلام يريدون بها القضاء على هذا الدين، وعدم انتشاره في الأرض، وأن يستفحل الكفر والشر، ويحاصر الإسلام في رقعة ضيقة من الأرض، وإذا نشأ جيل من أبناء المسلمين، ولقن هذه الفكرة الماكرة - تُنسي الجهاد في سبيل الله، وقُضي على الإسلام والمسلمين..
فالواجب على علماء المسلمين أن ينتبهوا لهذا الخطر، ويردّوا على هذه الفكرة ويبيّنوا خطورتها، ويبينوا حكم الجهاد في سبيل الله وأنواعه وأسبابه وفوائده، وذلك بتدريس كتب العقائد وكتب الفقه التي ألفها العلماء والمحققون من سلف هذه الأمة وأئمتها، والابتعاد عن كثير من الكتب التي ألفها كتَّابٌ يجهلون الأحكام الشرعية ويتأثرون بالأفكار المشبوهة.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: فكل من بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجيب له فإنه يجب قتاله، "حتى لا تكون فتة ويكون الدين كله لله". وقال أيضاً: والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنّة أكثر من أن تحصى، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم التطوع كما دل عليه الكتاب والسنة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد"، وقال أيضاً: وأبلغ الجهاد الواجب للكفار والممتنعين عن بعض الشرائع كما نعي الزكاة والخوارج ونحوهم يجب ابتداء ودفعاً، فإذا كان ابتداء فهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لمن قام به، فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجباً على المقصودين كلهم وعلى غير المقصودين لا عانتهم كما قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) [الأنفال:72] انتهى كلامه رحمه الله.
وقد بين أن القتال على نوعين:
فقتال ابتداء وهو غزو الغدو في بلاده أو غير بلاده، وقتال دفاع وفرق بينهما في الحكم. وهؤلاء الكتّاب المحدثون المتأثرون بأفكار الغرب والمستشرقين يجعلون القتال في الإسلام كله قتال دفاع، وهذا دس من المستشرقين وجهل من كتّاب المسلمين يجب التنبه له والتنبيه على خطره لأنه تعطيل للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام وسبيل تبليغه ونشره.
فاتقوا الله -عباد الله-، وجاهدوا في الله حق جهاده، كما أمركم بذلك؛ لتكونوا من الذين قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...