الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | مريزيق بن فليح السواط |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
تذكَّر وأنت تُقبل على والديك، وتأنس بزوجتك وأولادك، يتامى لا يجدون حنان الأب، وآيامى فقدوا ابتسامة الزوج، وآباء حرموا فلذات الكبد. تذكر وأنت تأوي إلى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير، جموعاً من إخوانك شردهم العدو، وأخرجهم من أرضهم، حتى افترشوا الغبراء والتحفوا السماء، فإذا هم بالدمع يشرقون، وبنار العدو يكتوون، وطعم الراحة والاستقرار يفقدون، قد هدم العدو منازلهم، ودمر مساكنهم. تذكر وأنت جالس مع أهلك وأولادك على مائدة الطعام إخوة لك ما ذاقوا طعاما، ولا شربوا شرابًا، تذكر وأنت تدفع لابنك مصروفه الأسبوعي، وأنت تأخذ راتبك الشهري، إخوةً لك حرموا هذه اللذة ليذوقوا المرارة والهوان، والتشريد والقتل والبرد والجوع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ..
أيها المسلمون: إنكم تعيشون هذه الأيام الباردة في بيوتكم مطمئنون، وبما حباكم الله تستدفئون، وبين أهليكم وأبنائكم آمنون، فاعرفوا لهذه النعمة حقها، واشكروا الله عليها، فإن الله يبتلي عباده بالسراء ليختبر شكرهم، ويبتليهم بالضراء ليرى صبرهم.
عباد الله:
تذكروا إخوانكم في أرض الشام الجريحة، وأرض فلسطين المقدسة، وأرض العراق العريقة، قد سامهم العدو سوء العذاب قتلاً وتدميراً وحصاراً وتجويعاً، لم يرحموا كبيراً، ولم يتركوا صغيراً، كم رأيتم من صور؟! وكم سمعتم من أنباء؟! تخبركم عن مأساة إخوانكم، وعن صلف العدو، وشدة بأسه!! اجتمع على عداوة إخوانكم يهود غاشمون، ورافضة باطنيون، وصليبيون حاقدون، يريدون إذلال هذه الشعوب المسلمة!! أو قتلها وتجويعها وإخراجها من أرضها!! لا لشيء إلا أنهم يقولوا: ربنا الله.
اجتمع على إخوانكم عدو غاشم يقصف المنازل، ويحاصر المدن، ويقتل الرجال والنساء والأطفال بلا رحمة، ولا هوادة، يمنع عنهم الغذاء والدواء والكساء، ليكسر إرادتهم ويذل كرامتهم، فإذا خرجوا من ديارهم في الملاجئ ابتُلوا بالشدة والفقر والبرد والجوع، فلا حيلة لهم ولا مُعين، ولا ناصر إلا رب العالمين.
تذكر أيها المسلم: وأنت تقبل على والديك، وتأنس بزوجتك وأولادك، يتامى لا يجدون حنان الأب، وآيامى فقدوا ابتسامة الزوج، وآباء حرموا فلذات الكبد.
تذكر وأنت تأوي إلى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير، جموعاً من إخوانك شردهم العدو، وأخرجهم من أرضهم، حتى افترشوا الغبراء والتحفوا السماء، فإذا هم بالدمع يشرقون، وبنار العدو يكتوون، وطعم الراحة والاستقرار يفقدون، قد هدم العدو منازلهم، ودمر مساكنهم.
تذكر وأنت جالس مع أهلك وأولادك على مائدة الطعام إخوة لك ما ذاقوا طعاما، ولا شربوا شراباً، تذكر وأنت تدفع لابنك مصروفه الأسبوعي، وأنت تأخذ راتبك الشهري، إخوةً لك حرموا هذه اللذة ليذوقوا المرارة والهوان، والتشريد والقتل والبرد والجوع.
ثم اعلم أيها المسلم -يرحمك الله- أنك حين تضمد جراحهم، وتسعى لسدّ حاجتهم، أنك إنما تسد حاجتك، وتضمد جرحك، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71] وقال النبي -صلى الله علية وسلم-: "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، ثم احذر كل الحذر من خذلان إخوانك المستضعفين، وقد أمدك الله بالنعم والمال الوفير، قال عليه الصلاة والسلام: "إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يُقرّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم".
ثم اعلم أن نُصرة إخوانك مطلب شرعي، وواجب ديني، وأن ما تقدمه من عون ودعم ومساعدة إنما هو في الحقيقة عمل صالح تقدمه لنفسك، وأمانه شرعيه تؤدى عن رقبتك، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة: 120].
أيها المسلم: الحزنُ والألم والبكاء عند رؤية مشاهد المأساة لإخوانك وسماع الأخبار لا تكفي!! بل لابد من إظهار صدق الأخوة، ومبدأ التكافل، والسعي في نصرتهم بالمال والدعاء وكل أسباب النصرة الممكنة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً..."
إن سوق الجنة قام فهل من مشترٍ؟!
جاء رجل من أهل الشام فقال: دلوني على صفوان بن سُليم؛ فأني رأيتُه في الجنة!!
فقالوا: بأي شيء؟
قالوا: بقميص كساه إنساناً.
فسُئل صفوان عن القميص؟
فقال: خرجت من المسجد في ليلة باردة، وإذا برجل عار فنزعت قميصي فكسوته!!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
عباد الله:
إن إخوانكم مع ما لقوه ويلاقوه من شدة، وبؤس، وتسلط للعدو، وفقر وجوع وبرد، لم يشتكوا لأحد، ولم يهتموا بمن نصرهم أو خذلهم طيلة الأزمنة الماضية!! بل هم صابرون محتسبون، ثابتون على المبدأ، صادقون في العهد، يعلمون يقينًا أن ما أصابهم ونزل بأرضهم هي ضريبة المواجهة، وثمن العزة، ووقود المعركة:
وما الحرب إلا ما عرفتم وذقتموا | وما هو عنها بالحديث المُرجَّمِ |
إن المؤسف حقاً والخسران الأكبر، أن نلقى الله -عز وجل- ونحن نرى الصور المحزنة والمآسي المفجعة، ثم لا نقدم شيئاً من أسباب النصرة!! أمَا نخشى العقوبة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من خذل مسلماً خذله الله"، إن لم تكن نصرتنا لإخواننا من منطلق رابطة الإيمان، وأخوة العقيدة فلا أقل من أن تكون نصرتهم من مبدأ أخلاق الرجال وشيمة العرب!!
فالعرب أمة ذات أخلاق محمودة، وأفعال مشهورة، ومواقف مشهودة، يحمون الذمار، ويذودون عن العشيرة.. أصحاب شجاعة وإقدام ونخوة وفروسية، وأهل نبل وكرم ونجدة وغِيرة، كان شعارهم في الجاهلية: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما".
لا يسألون أخاهم حين يندبهم | في النائبات على ما قال برهان |
العرب كما قال الأول: رماحهم متشابكة وأعمارهم في الحروب متهالكة، يتمادحون الموت في ساحة الوغى، ويذمون الموت على الفراش "مات فلان حتف أنفه"، قال عنترة:
بكرٌ تُخوفوني الحتوفَ كأنني | أصبحتُ عن غرض الحتوفِ بمَعْزِل |
فأَجْبُتها أن المنيةَ منهلٌ | لا بدّ أن أُسقى بكأس المنهلِ |
فاقني حيائك لا أبالكِ واعلمي | أني امرؤ سأموتُ إن لم أقتل |
وقال الحصين ابن الحمام المري:
تأخرتُ استبقي الحياةَ فلم أجد | لنفسي حياةً مثلَ أن أتقدما |
فإن لم تكن النصرة لإخواننا بدافع الدين فأين أخلاق العرب؟؟ كيف ونحن نرى ونسمع بكاء الأطفال وتوسلات النساء وأنين الثكلى ودموع الرجال!!
للأسف الشعوب العربية مغيبة عن قضايا الأمة المصيرية، ومشغولة بالتفاهات من فن رخيص وسينما وموسيقى!! أجيالها غارقة في اللهو واللعب!! أمة تركت مكان القيادة والريادة لتصبح في ذيل الأمم ومؤخرة الصف، تابعة لكل عدو مبين، وشيطان مريد، بلغ بها الحد من الانحطاط والتخلف أن تضع يدها في يد جلادها، وأن تحتفل بأعياد أعدائها من اليهود النصارى!!
ومع هذا الواقع المؤسف إلا أنه لا يزال الخير باقٍ في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الشعور والتعاطف مع ما يصيب إخواننا في البلاد المجاورة، دليل على صدق المحبة، والرغبة في مد يد العون والمساعدة، وبذل الوسع في النصرة، والمؤمل أكثر، والحاجة ماسة لكل جهد ودعم مادي ومعنوي، "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"..