الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
لقد أكرمنا الله -تعالى- بهذا الدين الحنيف العظيم القوي الواضح المتين, الذي لا يأتيه الباطل, هذا الدين الذي هدانا الله إليه له سمات وميزات لم تكن في تشريع من التشريعات السابقة, فضلاً عن التشريعات الوضعية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد أكرمنا الله -تعالى- بهذا الدين الحنيف العظيم القوي الواضح المتين, الذي لا يأتيه الباطل, هذا الدين الذي هدانا الله إليه له سمات وميزات لم تكن في تشريع من التشريعات السابقة, فضلاً عن التشريعات الوضعية.
من سمات هذا الدين: الصراحة والوضوح؛ لأن الصراحة فيها الراحة والطمأنينة, لأن الصراحة تعلِّم على الصدق والأمانة, وتبعد الإنسان عن الكذب والنفاق والمداهنة.
ربَّى الإسلام أتباعه على الصراحة؛ لأنَّ الإسلام حقٌّ وواضحٌ وقويُّ الحجة, لذلك ما أُكره أحد على الدخول فيه, قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256].
وقال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99].
ومن وضوحه وقوَّته: قال تعالى معلِّماً نبينا سيدنا محمداً -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أن يقول لمخالفيه: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [سبأ: 24].
الإسلام ربَّى أتباعه على استواء الظاهر والباطن, وعلى استقامة اللسان مع الجَنان, فالمسلم ليس له ظاهر يناقض الباطن, باطنه وظاهره سواء, بل سريرته أصلح وأفضل من علانيته.
أيها الإخوة الكرام: إذا حلَّت الصراحة أسرة من الأسر, ومجتمعاً من المجتمعات, رأيت أفراد الأسرة والمجتمع متماسكين متحابِّين متعاونين, أما إذا غابت الصراحة في أحاديث الناس مع بعضهم البعض, إن كان على مستوى الأسرة, أو المؤسسة, أو الأمة, فلا تتعجب عندما ترى البغضاء قد انتشرت أوصالها بين الناس, وكثر التنافر وضَرَبَ بجذوره في العلاقات الإنسانية.
فالإسلام ربَّى أتباعه على الصراحة, ربَّى الأسرة على ذلك, وربَّى الأمة على جميع مستوياتها على ذلك؛ لأن كمَّ الأفواه ومنع الكلام ليس من عادة الأقوياء في حجَّتهم, بل من شأن الضعفاء أصحاب القوة العاتية بدون حجة ولا برهان, بل هو شأن الفراعنة الذين يعيشون على حساب الناس بقوَّتهم الباغية, لذلك ترى منطلق الفراعنة من خلال قول قائلهم: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر: 29].
ليس عنده الاستعداد لسماع كلام غير كلامه؛ لأنه خائف على سلطانه وجاهه ودنياه.
يا عباد الله: إن أصحاب النفوس الكبيرة, وأصحاب الهمم العالية, والشخصيات القوية هم المؤهَّلون لتحمُّل صراحة محدِّثيهم معهم, ويقدِّرون ذلك جيداً, فلا يغضبون, ولا تتغير وجوههم فيحملهم ذلك على معاداتهم, أو خصامهم, أو مقاطعتهم وتحدِّيهم, أو مقابلة صراحتهم بالتهكُّم عليهم والإساءة لهم, فضلاً عن الضرب والقتل والتشريد وسفك الدماء.
أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية يجعلون من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قدوة لهم؛ لأن الله -تعالى- قال لهم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]؛ لأن حبيبهم ونبيَّهم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال لهم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" [أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، وصححه النووي في الأربعين].
أصحاب الهمم العالية لا يأبهون أين موقع نفوسهم, ولا ينظرون إلى مكانتهم الاجتماعية؛ لأنهم يعلمون أن مواقعهم ومكانتهم هي عمل وظيفي إن أحسنوا وأتقنوا عملهم كانوا محبوبين عند الله -تعالى-, وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "إن الله -عز وجل- يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتْقِنَهُ" [أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب].
الأصل عند هؤلاء أن يكونوا على سنة نبيِّهم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في تقبُّل الصراحة من الآخرين.
معشر المسلمين: لقد جعل الله -تعالى- لنا نموذجاً رائعاً لتقبل الصراحة من الآخرين, لقد جعل لنا نموذجاً ليس له مثيل قبله ولا بعده, لقد جعل الله -تعالى- لنا نموذجاً هو سيد ولد آدم -عليه السلام-, بل هو سيد الأنبياء والمرسلين, بل هو سيد أولي العزم من الرسل, بل هو سيد المخلوقات العلوية والسفلية على الإطلاق, هذا النموذج هو سيدنا وحبيبنا وقرةُ أعيننا سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، هذا النموذج ضرب أروع الأمثلة لتقبل الصراحة من جميع الخلق, مع سموِّ قدره وعلوِّ شأنه, مع أن الله -تعالى- قال فيه: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم: 4].
هذه الشخصية العظيمة مع جلالة قدرها وعظم هيبتها ما كانت لتمنع أصحابها من قول الصراحة في قول الأمور كلِّها صغيرها وكبيرها, كانت هذه الشخصية تقبل صراحة الآخرين, ولا تكمُّ أفواههم, مع أن الله -تعالى- هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.
فيا من يريد أن يكون ناجحاً في بيته إن كان ربَّ أسرة, ويا من يريد أن يكون ناجحاً في مؤسسة إن كان صاحبَ مؤسسة, ويا من يريد أن يكون ناجحاً في ملكه ورئاسته إن كان صاحبَ ملك ورئاسة: عليك أن تقبل صراحة الآخرين, وانظر إلى حبيبك -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إن كان حبيباً إلى قلبك.
أولاً: بل نسيت يا رسول الله:
يا عباد الله: أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا, وَفِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ, وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: قَصُرَتْ الصَّلاةُ, وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ ذَا اليَدَيْنِ, فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ, قَالُوا: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: صَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ, فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ, ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ, ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ, ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ.
يا عباد الله: انظروا إلى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في هذا الموقف, لم يغضب, وما زجر, بل أيَّد ما قاله الصحابة, رغم أنه قال لهم: "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ", فما دامت الصلاة لم تقصر, قالوا: "بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ" ما أجملها من صراحة مع كمال الأدب.
ثانياً: لأنت أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء إلا من نفسي:
يا عباد الله: لقد أصبحنا في هذا العصر لا نعرف الصراحة -إلا من رحم الله- لقد فقد الناس الطريق إلى الصراحة, وسلكوا طريقاً آخر, طريق الكذب والنفاق, يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم, وإذا كان المجتمع هكذا فأيُّ خير يرتجى؟ أيُّ خير يرتجى من مجتمع متفكِّك لا يستطيع فيه الواحد أن يقول ما بداخله صراحة؟
يا عباد الله: تعلَّموا الصراحة وعلِّموها للآخرين بحالكم قبل مقالكم.
أيها الآباء: علِّموا الصراحة لأبنائكم!
أيها الأزواج: علِّموا الصراحة لنسائكم!
أيها المدراء: علِّموا الصراحة لموظَّفيكم!
أيها الحكام: علِّموا الصراحة لمحكوميكم!
واسمعوا إلى ما أخرجه الإمام البخاري عن عبد الله بن هشام -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ!" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الآنَ يَا عُمَرُ".
ما هذه العظمة في الصراحة؟
أولاً: صراحة سيدنا عمر -رضي الله عنه-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي", صدق وصراحة, لا كذب ونفاق, اليوم هناك من يبالغ في المجاملات, وخاصة مع الشخصيات الكبيرة أصحاب المراكز العليا, وتزداد المجاملة وضوحاً وظهوراً إذا كانت لا تتجاوز حَيِّزَ الكلمات والأقوال, وتقل كلما دخلت دائرة الأداء العملي.
النفاق ما كان يعرف طريقاً إلى قلوب الصحابة -رضي الله عنهم-.
ثانياً: صراحة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, هي صراحة المتبوع للتابع, وإلا كيف يتعلَّم التابع الصراحة مع المتبوع, سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال لسيدنا عمر -رضي الله عنه-: "لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ".
رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ما كان حريصاً على محبة الناس له انطلاقاً من نفسه الشريفة, بل كان حريصاً على ذلك امتثالاً لأمر الله -تعالى-؛ لأن الله -تعالى- قال: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].
يجب أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أحبَّ إلينا من أنفسنا؛ لأن الله -تعالى- يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) [الأحزاب: 6]، فإذا كان أولى بنا من أنفسنا فيجب علينا أن نحبَّه أكثر من أنفسنا, لذلك قال لسيدنا عمر هذا الكلام: "حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ".
يا عباد الله: هل تجدون هذه الصراحة بين التابع والمتبوع على كلِّ المستويات في مجتمعنا؟ إذا كنا فقدنا هذا, فاعلموا بأن السبب في ذلك هو أننا ما وضعنا يدنا بيد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
هذا سيدنا عمر -رضي الله عنه- أخذ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بيده حساً ومعنى حتى أدخله الجنة, حيث كان من المبشرين بالجنة وهو في حياته الدنيا, فهل ينظر كلُّ واحد منا إلى نفسه لينظر من هو الذي آخذ بيده؟ وعلى خطى من يسير؟
سل نفسك -يا أخي-: الذي آخذٌ بيدك هل يوصلك إلى جنة عرضها السماوات والأرض؟ هل يوصلك إلى أن تقول عند سكرات الموت: واطرباه غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه؟ أم لا قدر الله يوصلك إلى أن تقول عند سكرات الموت: (رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون: 99 - 100].
وفي الآخرة تقول: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 27 - 29].
ثالثاً: ترجع إلى قومك وتَدَعنا:
أيها الإخوة الكرام: لقد ربَّى الإسلام أتباعه على الصراحة والوضوح والاستيثاق, أخرج الإمام أحمد في مسنده, في بيعة العقبة قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ".
قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا, فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَحْنُ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.
قَالَ: فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ ـ وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ـ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالاً, وَإِنَّا قَاطِعُوهَا ـ يَعْنِي الْعُهُودَ ـ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ, ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ, أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا, قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: "بَلْ الدَّمَ الدَّمَ, وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ, أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي, أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".
صراحة من التابع: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالاً, وَإِنَّا قَاطِعُوهَا ـ يَعْنِي الْعُهُودَ ـ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ, ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ, أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا".
وصراحة من المتبوع: "بَلْ الدَّمَ الدَّمَ, وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ, أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي, أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".
يا عباد الله: بالصراحة كان المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, وبغير الصراحة كان المجتمع متفكِّكاً متمزِّقاً, تظهر فيه علامات النفاق, فهل رجعنا إلى دين الله -تعالى- على كلِّ المستويات وكنا صريحين, ونحب الصراحة من الآخرين؟
أقول هذا القول, وكلٌّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.