الوارث
كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الحياة الآخرة |
يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل، فيعرقون على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. ليس هناك ليل ولا نهار، ولا قمر ولا شمس، قد كورت الشمس، وانكدرت الـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم التناد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل وخلاصة العباد، الذي دعا أمته بالحكمة والموعظة الحسنة وهداها إلى سبيل الرشاد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الأقوال والأفعال والاعتقاد، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)[عبس: 34- 37].
يوم يحشر الناس ذاهلة عقولهم، شاخصة أبصارهم، عارية أجسامهم، حافية أقدامهم: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88 - 89].
يوم يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف مشاة، وصنف ركبانا، وصنف يمشون على وجوههم.
(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ)[المعارج: 8- 9].
وهو الصوف المنفوش.
يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل، فيعرقون على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما.
ليس هناك ليل ولا نهار، ولا قمر ولا شمس، قد كورت الشمس، وانكدرت النجوم: (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا)[طه: 108].
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)[طه: 111].
ويومئذ تنصب الموازين لوزن الأعمال: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)[المؤمنون: 102- 103].
يوم يؤتى بالرجل له صلاة وصيام وزكاة، قد ضرب هذا، وأخذ مال هذا، وشتم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى تفنى، فإن بقي لهم حق أخذ من سيئاتهم، فطرح عليه، ثم طرح في النار، فلتؤدين الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس إذ رأيناه ضحك، حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب خذ مظلمتي من أخي، فقال: الله كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري" وفاضت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالبكاء، ثم قال: "إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن تحمل عنهم من أوزارهم".
ويومئذ تتطاير صحائف الأعمال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ)[الانشقاق: 7 - 14].
أي ظن أنه لا يبعث.
هناك تبيض وجوه المؤمنين، وتسود وجوه الكفار المعتدين.
هناك تحدث الأرض أخبارها، أتدرون ما أخبارها؟
إنها تشهد على كل أحد بما عمل على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا.
إخواني كلنا -ولله الحمد-: يؤمن بيوم الحساب، وما عندنا فيه من شك ولا ارتياب، غير أننا في غفلة ساهون، وعن الاستعداد له معرضون، وفي دنيانا الدنيئة ولذائذنا منغمسون ولاهون، إننا لنعمل لها كأننا نعمر فيها، وإننا لنفرط بأعمال وأوقات لا يمكننا تلافيها.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: وابتدروا الأعمال الصالحة، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون، فما بعد الشباب إن قدر للإنسان البقاء إلا الهرم، وحينذاك يقرب الموت، ويستولي الهم والحزن والندم.
وفقني الله وإياكم لاغتنام الفرص والأوقات، وجعل أعمالنا مقرونة بالتسديد والإخلاص، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يوم الأخذ بالنواصي، إنه سميع مجيب رحيم قريب.