الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
في الأرض من أجناس الدواب وأنواعها، ما لا يحصى أجناسه فضلا عن أنواعه وأفراده. هذه الدواب مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال؛ فمنها: النافع للعباد الذي به يعرفون كمال نعمة الله عليهم. ومنها: الضار الذي يعرف الإنسان به قدر نفسه، وضعفه أمام خلق الله. وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار؛ ت...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك الحق المبين الذي أبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين، وهداية للمهتدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واحمدوه على ما أراكم من آياته الدالة على وحدانيته، وعلى كمال ربوبيته؛ فإن في كل شيء له آية؛ تدل على أنه إله واحد.
كامل العلم والقدرة والرحمة.
فمن آياته: خلق السماوات والأرض؛ فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها، وارتفاعها وقوتها؛ عرف بذلك تمام قدرته تعالى: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)[النازعات:27 - 28].
(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)[الذاريات: 47].
(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)[الملك: 3 – 4].
(أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)[ق: 6].
ومن نظر إلى الأرض كيف مهدها الله، وسلك لنا فيها سبلا: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) [فصلت:10].
ويسرها لعباده؛ فجعلها لهم ذلولا يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه، فيحرثون ويزرعون ويستخرجون منها الماء، فيسقون ويشربون.
وكيف جعلها الله -تعالى- قرارا للخلق لا تضطرب بهم، ولا تزلزل بهم إلا بإذن الله: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ)[الذاريات: 20].
(وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ)[الرعد: 4].
مختلفة في ذاتها وصفاتها ومنافعها.
وفي الأرض جنات: (مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ)[الرعد:4].
فمن تأمل ذلك علم كمال قدرة الله -تعالى-، ورحمته بعباده.
ومن آياته: ما بث الله -تعالى- في السماوات والأرض من دابة؛ ففي السماء ملائكته لا يحصيهم إلا الله -تعالى- ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله -تعالى- أو راكع أو ساجد، يطوف منهم كل يوم بالبيت المعمور في السماء السابعة سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها، ما لا يحصى أجناسه فضلا عن أنواعه وأفراده.
هذه الدواب مختلفة الأجناس والأشكال والأحوال؛ فمنها: النافع للعباد الذي به يعرفون كمال نعمة الله عليهم.
ومنها: الضار الذي يعرف الإنسان به قدر نفسه، وضعفه أمام خلق الله.
وهذه الدواب المنتشرة في البراري والبحار تسبح بحمد الله، وتقدس له، وتشهد بتوحيده وربوبيته: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)[الإسراء: 44].
وكل هذه الدواب رزقها على خالقها وبارئها: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)[هود: 6].
ومن آياته -تعالى-: الليل والنهار.
الليل؛ جعله الله -تعالى- سكنا للعباد يسكنون فيه، وينامون ويستريحون.
والنهار؛ جعله الله -تعالى- معاشا للناس يبتغون فيه من فضل الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[القصص: 71 – 73].
ومن آيات الله -تعالى-: الشمس والقمر، حيث يجريان في فلكهما منذ خلقهما الله -تعالى- حتى يأذن بخراب العالم يجريان بسير منتظم، لا تغير فيه ولا انحراف، ولا فسـاد ولا اختلاف: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس: 38 – 40].
ومن آياته تعالى: هذه الكواكب والنجوم العظيمة التي لا يحصيها كثرة، ولا يعلمها عظمة إلا الله -تعالى-؛ فمنها: السيارات، ومنها: الثوابت، ومنها: المتصاحبات التي لا تزال مقترنة، ومنها: المتفارقات التي تجتمع أحيانا، وتفترق أحيانا، تسير بأمر الله -تعالى- وتدبيره: "زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدي بها".
فالكون كله من آيات الله؛ جملة وتفصيلا، هو الذي خلقه، وهو المدبر له وحده، لا يدبر الكون نفسه، ولا يدبره أحد غير الله، يقول الله -تعالى- مبرهنا على ذلك: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)[الجاثية: 3].
نعم، فالعالم لم يخلق نفسه، ولم يكن مخلوقا من غير شيء، بل لا بد له من خالق يخلقه، ويقوم بأمره، وهو الله -سبحانه-، لا خالق غيره، ولا رب سواه.
أيها الناس: لو حدثتم بقصر مشيد مكتمل البناء قد بنى نفسه! لقلتم: هذا من أكبر المحال!.
ولو قيل لكم: إن هذا القصر وجد صدفة! لقلتم: هذا أبلغ محالا!.
إذن، فهذا الكون الواسع، كون العالم العلوي والعالم السفلي، لا يمكن أن يوجد نفسه، ولا يمكن أن يوجد صدفة، بلا موجد، بل لا بد له من موجد واحد عليم قادر، وهو: الله -سبحانه وتعالى-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[الجاثية:3] إلى قوله تعالى: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)[الجاثية: 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ...