البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
إن حصول الفتن والزلازل والكوارث والأعاصير والقلاقل والحروب الطاحنة والأعداء المتكالبة، والدماء السائلة، والتغيرات الكونية والآثار الإلهية والربوبية نُذُرٌ؛ لتلين القلوب القاسية والجوارح العاصية، فلا تأمن من عذاب الله ونقمته، وسخطه وغضبه، فليس بيننا وبين الله حسب ولا واسطة ولا نسب، وجاءكم النذير، وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، فالحذر من الغفلة، وأخذ الدروس والعبرة والتضرع والمسكنة (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) [النور:44]، وأشهد أن لا إله إلا الله يرسل الرياح للذكرى والاعتبار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرشد عند هبوب الرياح إلى الأذكار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار وأزواجه الأطهار والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها المسلمون: من أراد زكاة نفسه وصلاح حاله وحسن مستقبله ونجاح حياته وسلامة زمانه فعليه بتقوى ربه وطاعة رسوله.
إخوة الإسلام: في هذه الأيام شاهدنا عواصف ترابية ورياحًا مثيرة وترابًا وغبارًا، شاهدنا ما قلبت الليل نهارًا والمرء يقف مدَّكرًا وفي آيات الله متفكرًا، شاهدنا هبوب الرياح وتصاعد الأتربة في المساء والصباح، شاهدنا الأتربة كالجبال وكميتها وكيفيتها شديدة الانفعال، وهذا يعطينا درسًا ملموسًا محسوسًا، قدرة الله في خلقه وتصرفه وتدبيره له الحكمة البالغة والحجة الدامغة لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
له الحكمة في إرسال الرياح (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54] له القدرة وله القوة، يرسل الرياح لحكم وأسرار (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) [القصص: 68] وقد يكون لها حِكَم علينا تخفى، ولإدراكنا لا تقوى.
قال النيسابوري: "ولولا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة"، ذكره في غرائب القرآن.
يرسل الرياح ليدل على عظمة العظيم وسلطانه القويم من نظر إلى ما تحمله الرياح وتقلباتها، عرف عظمة الله سبحانه وقدرته عليها: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67].
يرسل الرياح لتقوى الطاعة والمحبة والخوف والرجاء والعبادة: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13]، فيقوى الإيمان وحب الرحمان وطاعة ولد عدنان.
يرسل الرياح والغبار للإعذار والإنذار والتوبة والادكار، لنصحح أخطائنا، ونعدل مسارنا، ونراجع أحوالنا، لنستيقظ من غفلتنا ونقوم من رقدتنا، رياح لا تستطيع إمساكها بيدك أو تردها عن دارك؛ ليدل على ضعفك وفيها القوة والهيبة والشدة والرهبة.
يرسل الرياح -أمة حي على الصلاة حي على الفلاح- ليُظهر عجز الإنسان وضعفه وحاجته وفقره، فمهما وضع من الوسائل وأغلق من النوافذ وتحصن، ودافع وكافح؛ يبقى المرء ضعيفًا عاجزًا فقيرًا أمام قدرة الله وتدبيره، فعندها يسكن ويخضع، ويتواضع ويخشع، فينتج من ذلك أن يطيع ويتبع.
يرسل الرياح -أمة الخير والصلاح- ليجدد المرء توحيده، ويتفقد إيمانه ويراقب ربه، ويحقق توحيده بألوهيته، وإفراده بالعبادة، ويعتقد وحدانيته في أفعاله وتدبيره، ويؤمن بأسمائه وصفاته، وظهور آثار ذلك كعلمه واطلاعه، وسمعه وبصره، وقوته وقدرته وتدبيره وتصرفه.
يرسل الرياح ليتبين آثار الذنوب وعواقب العيوب؛ فإن الله بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بأمراض وتارة بهموم وغموم، وتارة بمنع بركات السماء والأرض، وتارة بتسلط الشياطين وإيذاء المنافقين وتسلط أعداء الدين.
وتارة بالرياح والغبار والعواصف وتقلبات الأشجار، فآثار الذنوب عظيمة، وعواقبها وخيمة، يقول ابن القيم: "فما ينبغي أن يعلم، أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي".
ثم ذكر قرابة ثلاثين عقوبة، وقال: "وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟!" انتهى.
وحينما تهب الرياح لضعف الإيمان لا يتحرك الإنسان، إن ذلك ربما كان من الذنوب والعصيان، فلهذا انظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي تجد أنها قل فيها التذكير والاستغفار والتوبة.
أيها المسلمون: إن هذه العواصف الترابية والرياح المتوالية لتعطي المؤمن الحصيف: الخوف والتوبة والرجوع والأوبة، لكن عند البعض ونحن نراها بأم أعيننا لا تغير حالاً، وكأن الأمر لا يعنينا ولا نخاف زواله.
بل ربما زاد الطين بلة تبادل الرسائل في الواتس والنت، وغيرهما من الوسائل بالاستهزاء والسخرية والصور المضحكة، وتصوير الأتربة للفكاهة والتندر والتعليقات المؤسفة.
فيجب تعظيم الله وحمده سبحانه والرضا بقضائه وقدره، فلا تجعل آيات الله الكونية لضياع الأوقات والتندر المضحكات والاستهزاء والتعليقات، أو الاعتراض على قدر الله، وعدم قرن ذلك بالمشيئة، وكأن أقوال الفلكيين وحي رب العالميين.
أو أن هذه الرياح طبيعية كما يعبر بعضهم: هذا غضب الطبيعية، أو أنها قشور أرضية، أو أنها سنوات اعتيادية، أو أعاصير مرورية، أو لا علاقة لها بالذنوب والعصيان والمخالفة وطاعة الشيطان.
والاعتماد على الأسباب الحسية فقط، ولها أسباب، لكن من أوجد هذه الأسباب؟ فهي رياح مسخرة وخلق من خلقه مدبرة سخرها لسليمان -عليه السلام- (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ)[سبأ: 12]، (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) [الأنبياء: 81].
الريح جند من جنود الله يرسلها الله لحكم وأسرار وخيرا وأبرار، أرسلها على قوم عاد لما عتو وقالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]، حينها أرسل عليهم الريح العقيم (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات: 41- 42].
وكانت ترفع الواحدة إلى السماء ثم تلقيه صريعًا تفصل رأسه عن جسده، وسماها عاتية (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) [الحاقة:6].
وعندما أظلت قوم صالح سحابة ظنوها أنها غيث ومطر، وهم بأمس الحاجة إلى المطر، لكن لم تكن في الحسبان بل عقوبة للإنسان، فلما (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأحقاف:24].
واستمعوا إلى هذه القصة العجيبة والحادثة الواقعة الغريبة، ففي البخاري في غزوة تبوك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أما إنه ستهب اليوم ريح شديدة فلا يقومن أحد"، وفي رواية: "لا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له، ومن كان معه بعير فليعقله"، فعقلناها وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته في جبل طَيء.
فهذا يدل على أن الرياح من جند الله، ويدل على عظم مخالفة أمر الله، ويدل على التسليم والانقياد لحكم الله، كما يدل على أخذ الحيطة والأسباب بعدم التعرض للرياح ولبس الكمامات، والبعد عن مواطن الغبار، وإغلاق النوافذ والأبواب، خصوصًا أصحاب الأمراض الحساسية والأمراض القلبية، واستعمال الأقنعة الواقية والسواتر الوافية فالوقاية خير من العلاج.
فيجب أخذ العبر والدروس والفكر وعدم التسخط والتذمر، علينا بالإيمان الصادق (وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216]، والتفويض والتسليم فكم في المحن من منح، نعم (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
وأعجبتني عبارة " غبار الأمس كان له كثير من المتذمرين، وصفاء اليوم كان له قليل من الشاكرين"، قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13] اللهم اجعلنا من الشاكرين يا ربنا من الأقلين الشاكرين.
ومن العلاج ما رواه مسلم بن الحجاج "اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذ به من هذه الريح وشر ما أُرسلت به"، كما أن الريح عقوبة فقد تكون نصرة ورحمة، فقد نصر الله بها أوليائه في معركة الخندق، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)[الأحزاب: 9].
يقول مجاهد: "هي الصبا: كفأت قدورهم, ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم"، وفي الصحيحين عن سيد الثقلين: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ"، فاللهم انصر بها إخواننا أهل السنة، فاللهم انصر بها إخواننا أهل السنة والجماعة على الرافضة الحوثية، اللهم انصر بها جنودنا وأخذل بها أعدائنا، اللهم أعمِ بها أبصارهم، وقوّض بها ديارهم وشتّت شملهم وفرّق بها جمعهم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين.
من آثار الرياح والغبار الخوف من الواحد القهار، ولذا كان النبي المختار إذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك وجهه، وأقبل وأدبر وخرج ودخل، فإذا أمطرت سُر به، وذهب عنه ذلك، فلما قالت له عائشة وسألته قال: "إني أخشى أن يكون عذابًا سُلط على أمتي" كما في مسلم.
وفي رواية: كان إذا تخيلت السماء تغير لونه، وعُرف ذلك في وجهه، وقالت له عائشة: أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟ فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذب قوم بالرياح، وقد رأى قومنا العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا" فسبحانك ربنا..
كيف لو رأى حالنا مع الرياح بل ربما زادت المعاصي والإفساد وساءت الكلمات والألفاظ.
إن حصول الفتن والزلازل والكوارث والأعاصير والقلاقل والحروب الطاحنة والأعداء المتكالبة، والدماء السائلة، والتغيرات الكونية والآثار الإلهية والربوبية نُذُر لتلين القلوب القاسية والجوارح العاصية، فلا تأمن من عذاب الله ونقمته وسخطه وغضبه، فليس بيننا وبين الله حسب ولا واسطة ولا نسب، وجاءكم النذير، وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:97- 99]. (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ) [الإسراء:69]، فالحذر من الغفلة، وأخذ الدروس والعبرة والتضرع والمسكنة (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].
وأعظم أمان وراحة واطمئنان عند التقلبات الجوية والغبار والأتربة "الاستغفار" قال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].
فأصحاب القلوب الحية ترجع نفوسهم إلى ربهم ويتضرعون إلى خالقهم ويشفقون على أنفسهم، ومن أعظم الأمان تحقيق الإيمان وطاعة ولد عدنان، فهذه الآيات تورث الخوف (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].
قال قتادة: "إن الله يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون وعظة وعبرة يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار".
وكما أن في الدنيا ريحًا، فكذلك في الآخرة ريح، وشتان بين ريح وريح، فتذكروا عند هبوب الرياح هبوب رياح الجنة وأهل الصلاح، روى مسلم عن أنس مرفوعًا "إن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا".
قال القاضي: "وإنما خصت ريح الجنة بالشمال؛ لأن ريح المطر عند العرب كانت تهب من جهة الشمال، وبها يأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحاب الشمالية"، فاللهم ريح الجنة، فاللهم ارزقنا ريح الجنة واحفظنا من ريح الدنيا الدنية.
وأخيرًا: بشرى لكل من تألم من كل هذا الغبار وتأذى من هذا التراب لاسيما إخواننا المرضى بحديث المصطفى: "ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" (متفق عليه).
فاللهم اجعل ما أصابنا وأصاب إخواننا تطهيرا للسيئات ورفعة للدرجات. هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.