الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
اتخذ الشيطان أساليبَ في إغواء الإنسان، فتفنن فيها، إنه لا يأتيه فيأمره بالشر، وينهاه عن الخير مباشر، ولكنه يتخذ طرقاً ووسائلَ وخطواتٍ للإغواء والإضلال. فمن هذه الأساليب الشيطانية مع الإنسان...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 168 - 169].
إنها العداوةُ الشيطانيَّة الإبليسيَّة ليس بعدها عداوة، وحسدٌ وحقدٌ على آدمَ وذريتِه، منذ أن طُرد من الجنة بسبب آدم -عليه السلام-، فسأل الله النظرة والبقاء إلى يوم الدين، ليكون باب الانتقام من بني آدم أوسع، والإيقاع فيهم أكبر: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف: 13 – 18].
وأول عمل فكر فيه وحققه؛ إخراجُ آدمَ وزوجِه من الجنة: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 36 - 37].
آدم وحواء سألا التوبة والمغفرة، فتاب ربهما عليهما، وغفر لهما، وإبليس سأل النظرة والبقاء إلى آخر الدنيا، فأعطاه.
اتخذ الشيطان أساليبَ في إغواء الإنسان، فتفنن فيها، إنه لا يأتيه فيأمره بالشر، وينهاه عن الخير مباشر، ولكنه يتخذ طرقاً ووسائلَ وخطواتٍ للإغواء والإضلال، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) [النور: 21 ].
قال الإمام ابن كثير: "طَرَائِقَهُ وَمَسَالِكَهُ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ".
وَقَالَ قَتَادَةُ: "كُلُّ مَعْصِيَةٍ، فَهِيَ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ".
وَقَالَ أَبُو مِجْلَز: "النُّذُورُ فِي الْمَعَاصِي مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ" [تفسير ابن كثير، ت سلامة: 6/ 30].
فمن هذه الأساليب الشيطانية مع الإنسان: التزيين: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43].
(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل: 24].
فالشيطان يزين للنفس، فيأتي للمسلم إذا سمع آذان الفجر مثلا في ليلة باردة مظلمة، فيقول له: نم فالفراش دافئ، وأنت متعب مرهق!.
وتزيينه لأصحاب المِلل والنحل والمذاهب بالتعصب، وتحقير المخالفين، ويصور لهم ذلك طريقاً إلى الحرص على العلم، وحبِّ أهله.
وينقضي عمْرُ ابن آدم وهو في بحر الأمانيِّ يسبَح، وفي سبيل الغواية يخوض.
يعده الباطل، ويمنيه المحال، والنفس الضعيفة المهينة تغتذي بوعده، وتلتذ بأباطيله، وتفرح كما يفرح الصبيان والمعتوهون.
ومنها: التلبيس: فيلبس على العبد أن الذي يعتقده حراما هو في الحقيقة حلال، فإذا أراد أن يأخذ قرضاً ربوياً ليبني به بيتاً، قال له الشيطان: هذا ليس حراماً؛ لأنك لا تريد أن تستغل الناس، إنما تريد أن تستر نفسك وأولادك، فما وجه الحرمة هنا؟ أقول: ما أكثر ما وقع الناس في هذه الأيام في هذا الفخ.
ومن خطواته: التسويف، وطول الأمل حتى يصرفه عن التوبة إذا كان رآه مصمما عليها، فيقول له: لا بأس أن تتوب، ولكن لماذا العجلة؟ أنت في ريعان الشباب، أكمل دراستك ثم تزوج، فالزواج نصف الدين، وهو يعين على التوبة، ثم اضمن مستقبلك، حتى يصرفه تماماً عن التوبة.
ومن خطواته: تهوين المعصية، فيأتي الإنسان فيقول له: لماذا تتوب؟ وماذا فعلت حتى تتوب؟ أنت بالنسبة لغيرك من خيار الناس؟ إنما التوبة لأصحاب المعاصي الكبيرة، وأنت لست منهم فيهون عليه المعصية.
ومن طرقه تصعيب الأمر على الإنسان بعد التوبة، يقول له: التوبة تحتاج إلى استقامة، والاستقامة شاقة على النفس، وتجلب عداوة المنحرفين، لماذا تتوب وتُحمل نفسك، وتفقد أصدقاءك السابقين؟ ثم هل يصدق أحد أنك تبت؟ بل سيسخرون منك.
ومن خطواته: التيئيس، يأتي الإنسانَ فيقول له: إن الله لا يقبل توبة من كانت ذنوبه كثيرة كذنوبك، كيف يقبل الله توبتك؟ وأنت الذي فعلت كذا وكذا؟ ويذكره بكل معصية كان يفعلها.
ومن أساليبه: الغضب، وهو تمرُّدٌ شيطانيٌّ على عقلِ العاقل، وحالةٌ من الخروج عن جادة ذوي الرجاحة.
رُوي عن بعض الأنبياء أنه قال لإبليس: "بم غلبت ابن آدم؟" قال: "عند الغضب وعند الهوى".
أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول، فأطرق عمر برهةً، ثم قال: "أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان، فأنال منك اليوم ما تنال مني غداً!".
إن شِدَّةُ الْغَضَبِ مِنْ مَصَائِدِ إِبْلِيسَ، عن وَهْبٍ قال: قَالَ رَاهِبٌ لِلشَّيْطَانِ، وَقَدْ بَدَا لَهُ: "أيُّ أخلاقِ بني آدَمَ أَعْوَنُ لَكَ عَلَيْهِمْ؟" قَالَ: "الْحِدَّةُ، إِنَّ العبد إذا كان حديديا قَلَبْنَاهُ كَمَا يَقْلِبُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ" [مكائد الشيطان، ص: 59، رقم: 38].
وجاء عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- أنه قال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ" فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ" -وبدل أن يسمع ويطيع فيتعوذ غطى الشيطان على عقله- فَقَالَ: "وَهَلْ بِي جُنُونٌ" [رواه البخاري ومسلم].
ومن خطواته: الأماني، وحصائد الغرور، فذلكم هو سلاح شيطاني مضَّاء: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً) [النساء:120].
(وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ) [إبراهيم: 22].
يعدهم هذا الغرَّارُ بحسب طبائعهم، يجرهم إلى حبائله بحسب ميولهم ومشتهياتهم.
يخوِّف الأغنياء بالفقر، إذا هم تصدقوا وأحسنوا، كما يزين لهم الغنى وألوان الثراء بالأسباب المحرمة والوسائل القذرة.
ومن حبائله: الخروج عن الوسط ومجاوزة حد الاعتدال، يقول بعض السلف: "ما أمر الله -تعالى- بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط أو تقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي إبليس بأيهما ظفر".
غلا قومٌ في الأنبياء وأتباعِهم حتى عبدوهم، وقصَّر آخرون حتى قتلوهم، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وطوائفُ غَلَوا في الشيوخ وأهل الصلاح، وآخرون جفوهم وأعرضوا عنهم.
إن هذا الشيطان له القدرةُ على الدخول في جسم الإنسان دون أي صعوبة، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإنسان مجْرى الدَّم" [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فإبليس الملعون وزّع الأعمالَ على ذريته، فهذا شيطان اختصاصه طعن المواليد والأطفال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ، إِلَّا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ" ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران: 36]، [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وشيطان قرين للإنسان لا يفارقه حتى الموت، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ" قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ" [رَوَاهُ مُسلم].
وشيطان موكل بالنائمين، حتى لا يستيقظوا لصلاة، فقد ثبت: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ؛ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ" [صحيح البخاري: 1142].
وشيطان منهم متخصّصٌ بالوضوء، يحب من المتوضئ الإسرافَ في الماء، رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ إِلَى الْحَسَنِ قَالَ: "شَيْطَانُ الْوُضُوءِ يُدْعَى الولهان، يضحك بالناس في الوضوء" [مكائد الشيطان، ص: 50، رقم: 29].
ولا يصح مرفوعا.
وشيطانٌ تخصَّص بالوسوسة في الصلاة، عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بيني وَبَين صَلَاتي وقراءتي، يُلَبِّسُهَا عَلَيَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَلَى يسارك ثَلَاثًا" قَالَ: "فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي" [رَوَاهُ مَسْلِمٌ].
وشيطان يستحوذ على تاركي صلاة الجماعة دون عذر، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ" قَالَ زَائِدَةُ: قَالَ السَّائِبُ: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ" [سنن أبي داود: 547، أخرجه أحمد].
وشيطان وظيفته التفريق بين الأزواج: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاء، ثمَّ يبْعَث سراياه، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً؛ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلَتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكَتُهُ حَتَّى فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نَعَمْ أَنْتَ!" قَالَ الْأَعْمَشُ أرَاهُ قَالَ: "فيلتزمه" [رَوَاهُ مُسلم].
والشيطان يوقع الإنسان في النذور المحرمة، ف "إن النذر نذران؛ فما كان لله فكفارته الوفاء به، وما كان للشيطان فلا وفاء له، وعليه كفارة يمين" [الصحيحة: 479].
ألا واعلموا -عباد الله-: أن الشيطان يتسرب إليه اليأس والقنوط من المسلمين، لقوله: "إِن الشَّيْطَان قد أيس أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّ فِي التحريش بَينهم" [رَوَاهُ مُسلم].
وهذا ينطبق على الربيع العربي.
وإذا سألتم عن أَيِّ الْمَكَائِدِ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ؟
فالجواب في حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ، فَيَقُولُ: "مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ" فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَهُ؟ فَقَالَ: يُوشِكُ أَنْ يَبَرَّهُ، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَيَقُولُ: يُوشِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ، فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ!، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ، فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ! وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ" [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قال الذهبي: "صحيح" المستدرك على الصحيحين للحاكم: 4/ 390، رقم: 8027، صحيح الترغيب: 2449].
ومن الشياطين من يتسبب ببعض الآلام والأمراض، ليتجه الناس إلى الشرك بالله -تعالى- طلبا للشفاء، فَعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟! فَقُلْتُ: خَيْطٌ رُقِيَ لِي فِيهِ، قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ آلَ عَبْدَ اللَّهِ لَأَغْنِيَاءٌ عَنِ الشِّرْكِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُول: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" فَقُلْتُ: لِمَ تَقُولُ هَكَذَا؟ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تُقْذَفُ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ، فَإِذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَلِكِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رُقِيَ كُفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءٌ لَا يُغَادِرُ سقما" [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، حسنه في مشكاة المصابيح: 4552].
ومن أشد مكائده: استخدام النساء في الغواية والإضلال، فعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ" [سنن الترمذي: 1173، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ"].
وفي رواية زاد: "وَإِنَّهَا أَقْرَبُ مَا يَكُونُ إِلَى اللهِ وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا" [المعجم الكبير للطبراني: 10/ 108، رقم: 10115، الصحيحة: 2688].
وأكثر حالات التجسُّسِ والعَمالةِ والإيقاعِ بشباب المسلمين كان عن طريق استخدام النساء.
فهذه بعض وسائله وطرقه في الغواية والإضلال؛ من الوسوسة، وبث الخوف عند الإنسان، وإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، وصدِّهم عن ذكر الله، وعن الصلاة، وكذلك من مداخله الغضبُ، والشهوةُ، والعجلة، وتركُ التثبتِ في الأمور، وسوءُ الظن بالمسلمين، والتكاسلُ عن الطاعات، وارتكابُ المحرمات، والرفيقُ السَّيِّئُ الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" [رواه أبو داود: 4833، والترمذي: 2378، وحسنه].
ومن أعظم مداخل الشيطان: اتباعُ الهوى، وعدم الاستجابة للحق، قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) [القصص: 50].
كما أن من أخطر مداخل الشيطان: الكبر، وهو عدم قبول الحق، واحتقار الناس، كما تكبر إبليس عن طاعة ربه حين أمره بالسجود لآدم، فلعن وطرد من رحمة الله، و"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" كما في الحديث الذي رواه مسلم.
وتوبوا إلى الله، واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد:
ومن وسائله وطرقه: الشبعُ من الطعام والري من الشراب، ذلك لأن الإكثار من الطعام -وإن كان حلالاً- يقوي الشهوات، التي هي سلاح للشيطان.
ويقال في كثرة الأكل ست خصال مذمومة: إنه يذهب خوف الله من قلبه، ويذهب رحمة الخلق من قلبه؛ لأنه يظن أنهم كلهم شباع، ويثقله عن الطاعة، وإذا سمع كلام الحكمة لا يجد له رقة، وإذا تكلم بالموعظة لا يقع في قلوب الناس، ويهيج فيه الأمراض" [إحياء علوم الدين، للغزالي].
هذا كله في حالة الإكثار من الطعام الحلال، أما الطعام والشراب الحرام، فالأمر أشد وأنكى، ف "كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" [صحيح الجامع: 4519].
ومن طرقه: التعامل بالربا، وفيه يقول الحق -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275].
وبالجملة، فالوقوع في المآثم والمحرمات، سبب جالبٌ لسطوة الشيطان، وسيطرته على الإنسان، واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء: 221 - 222].
الرفيق السيئ، وهو من شياطين الإنس يتخذهم الشيطان له أعوانا، فكيف لا تنتهي عن قرناء السوء، والله -تعالى- يقول: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].
وما موقفك يوم القيامة حين تعضُّ على يديك، وتقول: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 27- 29].
وهناك مداخل أخرى للشيطان؛ كالبخل، والحسد، والحرص، والدرهم والدينار، والتعصب للهوى والمذهب، والتفكر في ذات الله، وسوء الظن بالمسلمين، إلى غير ذلك.
ومن شباكه وحبائله: تضخيمُ جانب من الخير على حساب جانب آخر.
فعلى المستوى الفردي:
* كمن ارتكب ذنوباً كثيرة، فيهتم بالصلاة دون غيرها من الأعمال الدعوية بحجة أنها عمود الدين، وهي أول الأعمال التي ينظر فيها يوم الحساب.
* الاهتمام بالمعاملة مع الناس أكثر من الاهتمام بالمعاملة مع الخالق؛ من صلاة، أو نحوها بحجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة".
* الاهتمام بالنية الطيبة دون غيرها.
وعلى المستوى الاجتماعي، مثل:
* الاهتمام بالقضايا السياسية، والفرق المعاصرة، أكثر من الاهتمام بباقي الشريعة.
* الاهتمام بقضايا العبادة والجوانب الروحية أكثر من باقي أمور الشريعة.
* الاهتمام بوحدة الصف اعتماداً على قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].
ويجعلون هذا شغلَهم الشاغل، دون بيانِ معايبِ الجماعات والفرقِ الأخرى المخالفة للشرع.
ويقال: إن للشيطان أولادًا سلَّمَهم زمام أهم الأمور، فعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "لإِبْلِيسَ خَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، قَدْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ" ثُمَّ سَمَّاهُمْ فَذَكَرَ: "ثَبْرَ، وَالأَعْوَرَ، وَمِسْوَطَ، وَدَاسِمَ، وَزَلَنْبُورَ".
فَأَمَّا ثَبْرُ، فَهُوَ صَاحِبُ الْمُصِيبَاتِ الَّذِي يَأْمُرُ بِالثُّبُورِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَلَطْمِ الْخُدُودِ، وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
وَأَمَّا الأَعْوَرُ، فَهُوَ صَاحِبُ الزِّنَا الَّذِي يَأْمُرُ به ويزينه.
وَأَمَّا مِسْوَطُ، هُوَ صَاحِبُ الْكَذِبِ، الَّذِي يَسْمَعُ فَيَلْقَى الرَّجُلَ فَيُخْبِرُهُ بِالْخَبَرِ، فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ لَهُمْ: قَدْ رَأَيْتُ رَجُلا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَمَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ حَدَّثَنِي بِكَذَا وَكَذَا.
وَأَمَّا دَاسِمُ، فَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ مَعَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ، يُرِيهِ الْعَيْبَ فِيهِمْ، وَيُغْضِبُهُ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا زَلَنْبُورُ، فَهُوَ صَاحِبُ السُّوقِ، الَّذِي يَرْكِزُ رَايَتَهُ فِي السُّوقِ [كتاب مكائد الشيطان، لابن أبي الدنيا].
فيكثر الحلف على الكذب، ويرتفع الصخب واللعان والسباب والشتائم والغش والسرقة.
لقد حاولت مجموعة من الشياطين إغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- وإحراق وجهه بالنار، قال أَبُو التَّيَّاحِ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ التَّمِيمِيِّ -وَكَانَ كَبِيرًا-: "أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ فَقَالَ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَحَدَّرَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ بِيَدِهِ شُعْلَةُ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ: قُلْ، قَالَ: "مَا أَقُولُ؟!" قَالَ: "قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَق وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ" قَالَ: فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-" [مسند أحمد: 24/ 200، رقم: 15460، الصحيحة: 840].
وفي الختام هذه أهم خطوات الشيطان وشباكِه، وحبائله ومصائده وفخاخه.
الأولى: الشرك بالله، والكفر به، فإذا عصم الله عبده من ذلك، وأيس الشيطان منه، جره إلي الشبكة الثانية، وهي: البدعة؛ وهي أن يُعبَدَ اللهُ بشرعٍ ودين وعبادة لم يأت بها الرسل، والبدعة بوابة الكفر، فإن نَجَى المرءُ من ذلك، جرَّه الشيطان إلي الفخ الثالث، وهو: أن يوقعه في الكبائر، ويزينَها له، ويصغرها في عينه، فإن سبقت للعبد من الله سابقةُ الحسنى، وعُصم من الكبائر، جرَّه إلى الخطوة الرابعة، وهي: الذنوب الصغائر، والإصرارُ علي الصغيرة أكبر من فعل الكبيرة، فإن وفقه الله وحفظه من الصغائر، واستغفر الله، نصب أمامه الشبكة الخامسة، وهي: الاشتغال بالمفضول عن الفاضل؛ أي أن الشيطان يشغل العبد بالنوافل عن الفرائض، كمن يقوم الليل قراءة وصلاة، ولا يصلي الصبح في جماعة، وأكثر الناس يقع في هذا النوع، فإن عافاه الله من ذلك، جرّه إلى الفخ السادس، وهي: التوسع في باب المباح، مما يشغله عن ذكر الله -تعالى-، مثل التوسع في العمل المباح، والتوسع في الشراب والطعام، مما يجعل الإنسان كسولا، فيشغل عن ذكر الله.
فكم من واقع في هذه المصائد؟ وكم من ساقط في هذه الشباك؟ والمعصوم من عصمه الله -تعالى-.
نعوذ بالله من شَرور أنفسنا، وشَرِّ الشيطان وشِرْكِه، وأن نقْتَرفَ على أنفسنا سوءاً أو نجُرَّه إلى مسلم.
اللهم احفظنا من الشيطان ومكائده، واعصمنا من فخاخه وشباكه ومصائده.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].