الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
إننا في زمن تختلف فيه أنواع النخيل اختلافًا بينًا ظاهرًا فبينما بعض النخيل يباع الكيلو منها بخمسين ريالاً أو أكثر، بعضها يباع الكيلو منها بنصف ريال أو أقل. ثم يغلب الشح بعض الناس فيخرج زكاة النوع الجيد من النوع الرديء الذي نسبته إليه واحد بالمائة، وهذا حَيْف بلا شك، فهذا ليس بإخراج لنصف العشر باعتبار النخيل كله. أرأيت لو كان لك سهم من بستان ومقدار سهمك نصف العشر هل ترضى أن تأخذ من النوع الذي كيلوه بنصف ريال بدلاً عن الذي كيلوه بخمسين ريالاً؟ لن ترضى أبدًا إذاً فكيف لا ترضاه لنفسك في الدنيا ثم ترضاه لربك ونفسك في الآخرة؟!
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- وأدوا ما فرض الله عليكم في أموالكم التي رزقكم؛ فالله (أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا).. (وَلَا تَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِكمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا تَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).. ثم يسر الله لكم الرزق، وأعطاكم ما ليس في حسابكم.. فقوموا –أحبتي- بشكر الله، وأدوا ما أوجب عليكم لتبرؤوا ذممكم وتطهروا أموالكم، واحذروا الشح والبخل بما أوجب الله عليكم فإن ذلك هلاككم ونزع بركة أموالكم..
ألا وإن أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم: الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام وقرينته الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران؛ قال الله عز وجل: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران:180]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34،35].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ [أي: صير له مَالَهُ حيةً لا شعر على رأسِها لكثرة سُمِها وطولِ عمرها، لها نابان يَـخرُجان من فمها أو نقطتان سوداوان فوق عينيها.. وهي أوحشُ ما يكونُ من الحيات وأخبثها] يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.. الْآيَةَ (رواه البخاري).
وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تفسير الآية الثانية: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ) [التوبة:35]: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»، وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار يومئذ مقهور لا يقدر أن يذهب حتى يُعين له أحد السبيلين. (رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
أيها الإخوة: إنه والله لا يحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا.
وإنه إذا أُحمي عليها لا يُكوى بها طرف من الجسم متطرف، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية الجباه من الأمام والجنوب من الجوانب والظهور من الخلف.
وإنه إذا كوي به الجسم لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها، ولكنها كلما بردت أعيدت فأحميت.
وإن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة، ولكنه (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج:4].
فيا من آمن بالله ورسوله.. ويا من صدق بالقرآن وصدق بالسنة، ما قيمة الأموال التي نبخل بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة علينا وثمرتها لغيرنا.
إننا لا نطيق الصبر على وهج الشمس في أيام الحر، فكيف نصبر على نار جهنم؟!
أيها الإخوة: إننا في وقت جني ثمار النخيل ووقت إخراج زكاتها، وأن الواجب علينا أن نحاسب أنفسنا في الدنيا قبل أن نحاسب عليها في الآخرة.
لقد بيَّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمته ما يجب عليهم من زكاة الثمار بيانًا تقوم فيه الحجة وتزول به الشبهة فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا [ما يشرب من غير سقي بعروقه] الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ [بالمكائن وغيرها من الآلات] نِصْفُ الْعُشْرِ" أي عشرة بالمائة أو خمسة بالمائة. (رواه البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-).
سهم بيِّن ومقدار معلوم قاله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمته وبلَّغه إليهم فمات صلوات الله وسلامه عليه، وقد فوَّض إليهم الأمر ووكَلَهم إلى ما عندهم من الدين والأمانة، وربه سبحانه هو المتولي لحسابهم: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) [الرعد:40]
أيها المسلم: حاسب نفسك وأخرج السهم الذي قدَّره الله لك ورسوله، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]. أخرج نصف العشر خمسة بالمائة من ثمار نخيلك مراعيًا بذلك اختلاف الأنواع وقيمة الجيد منها، لا تبخل على نفسك فربك لم يفرض الزكاة عليك إلا تكميلاً لعبادتك وتطهيرًا لمالك، وإبراءً لذمتك.
أيها الإخوة: إننا في زمن تختلف فيه أنواع النخيل اختلافًا بينًا ظاهرًا فبينما بعض النخيل يباع الكيلو منها بخمسين ريالاً أو أكثر، بعضها يباع الكيلو منها بنصف ريال أو أقل.
ثم يغلب الشح بعض الناس فيخرج زكاة النوع الجيد من النوع الرديء الذي نسبته إليه واحد بالمائة، وهذا حَيْف بلا شك، فهذا ليس بإخراج لنصف العشر باعتبار النخيل كله.
أرأيت لو كان لك سهم من بستان ومقدار سهمك نصف العشر هل ترضى أن تأخذ من النوع الذي كيلوه بنصف ريال بدلاً عن الذي كيلوه بخمسين ريالاً؟ لن ترضى أبدًا إذاً فكيف لا ترضاه لنفسك في الدنيا ثم ترضاه لربك ونفسك في الآخرة؟!
أيها الأحبة: إذا عرفتم أن الواجب نصف العشر وهو سهم بين بنص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن من العلماء من قال: يجب عليه أن يخرج زكاة كل نوع من ذلك النوع؛ يخرج زكاة الطيب من الطيب، وزكاة المتوسط من المتوسط، وزكاة الرديء من الرديء وهذا أمر شاقّ ولاسيما مع كثرة الأنواع، ولذلك قال بعض العلماء: لا بأس أن يخرج عن الجيد من المتوسط بقدر القيمة.
وقال الإمام أحمد -رحمه الله- فيما رواه عنه ابنه وبعض أصحابه: "إذا باع ثمره أو زرعه وقد بلغ (يعني النصاب) ففي ثمنه العشر أو نصفه"، فجعل -رحمه الله- الواجب في الثمن إذا بِيعَ، وهذا من أعدل ما يكون.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يشرح صدورنا للحق، وأن يرزقنا البصيرة بالدين، وأن يجعلنا هداة مهتدين..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267].
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد: أيها الإخوة: اعلموا أن الله فرض عليكم الزكاة فيما يخرج من الأرض من الحبوب والثمار ومنها التمر والزبيب والبر والشعير قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [البقرة: 267]، وقد سبق بيان مقدار ذلك. وهو نصف العشر أي خمسة بالمائة. وهذا الحكم يشمل كل أنواع النخيل الجيد منها والرديء ما كان منها في البساتين أو البيوت أو الاستراحات لا فرق في ذلك.
أما النصاب وهو المقدار الذي تجب في الزكاة. فلا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ..» (رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "والوسق ستون صاعًا بصاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون النصاب ثلاثمائة صاع بصاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي تبلغ زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جرامًا، أي كيلوين وخمسي عشر الكيلو، فتكون زنة النصاب بالبر الجيد ستمائة واثني عشر كيلو. ولا زكاة فيما دونها".
أيها الإخوة: يغفل بعض الناس ممن عندهم نخل في بيوتهم أو استراحاتهم عن هذا الأمر، فلا يخرجون الزكاة عنها وقد بلغت النصاب، وهم بهذا الفعل مخطئون، فالواجب عليهم أن يقدروا ثمرة نخيل بيوتهم، ويخرجوا زكاته، فإن كان لديهم مزارع أضافوها إلى ما في المزارع، وأخرجوا عن الجميع.
فإن قال قائل: إن ثمرة نخل البيوت تؤكل شيئًا فشيئًا ويصعب تقديرها.؟ قلنا الجواب على هذا: يجب علي صاحب النخل أن يقدر ثمن الثمر الذي في بيته عند بدو صلاحه، ومعنى بدو الصلاح يعني عندما تبدأ تحمرّ أو تصفر، فإذا سلمت له من الجوائح كاملة أخرج من قيمتها التي قدرت بها نصف العشر خمسة بالمائة إن كان مما سُقي بالنضح وهو الموجود عندنا، فعلى سبيل المثال: لو قدرنا أن ثمر نخل البيت يساوي ألف ريال، فإن على صاحب الثمر أن يخرج نصف العشر، ونصف العشر الألف خمسون فزكاته خمسون ريالاً.
ولا تجب الزكاة في الفواكه والخضروات والبطيخ ونحوها، لما روى موسى بن طلحة أن معاذًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- «لم يأخذ من الخضروات صدقة» (وصححه الألباني في إرواء الغليل).
وقول علي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "ليس في التفاح وما أشبه صدقة"، ولأنها ليست بحَبٍّ ولا ثمر لكن إذا باعها بدراهم وحال الحول على ثمنها ففيه الزكاة.
فاتقوا الله أيها المسلمون وإياكم والتهاون أو استقلال ما منَّ الله به عليكم وتأكدوا من مقداره وأدوا ما أوجب عليكم طيبة به نفوسكم تفلحوا وتسعدوا…