القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
الزكاة أمرها عظيم، وخيرها كثير، فهي تطهِّر المسلم من البخل والشح، وهي تنمِّي المال وتحل البركة فيه؛ بإذن الله، وإنما يَهلك المال ويتلف بسبب منع الزكاة، فالمال الذي لا تُؤدَّى زكاته عرضة للتلف، وعرضة للخسار والبوار، وما حُبست الأمطار عن أهل الأرض إلا بسببِ منع الزكاة، "ما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطرة من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، كما في الحديث. والزكاة تنفع الفقراء والمساكين، وهي حقٌ لهم في أموال الأغنياء ليس تبرعاً ولا معروفاً من الأغنياء، وإنما هي حقٌ وفرضٌ عليهم،..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النَّعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،
أما بعد: أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه التي أجلها وأعظمها نعمة الإسلام، الذي أكرمنا الله به، وأمرنا بالتمسك به إلى الممات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، هو الدين الذي لا يرضى الله من أحد سواه :(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
والإسلام معناه الاستسلام لله، والانقياد لله، بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، هذا هو الإسلام فيما بين العبد وبين ربه.
أما الإسلام فيما بين العبد وبين الناس فهو أن يسلم الناس من آذاه قال -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه"، فالمسلم يكون مسلماً فيما بينه وبين الله بفعل أوامره وترك نواهيه وخوفه ورجائه ومحبته، والإنابة إليه، ويخلص له في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة، وكذلك يسلم فيما بينه وبين الناس؛ بأن يكف الشر عنهم ويبذل خيره لهم، هذا هو المسلم حقًّا.
عباد الله، وهذا الإسلام يقوم على خمسة أركان؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً.
فمن أركان الإسلام الزكاة، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله في آيات كثيرة: (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [الحج: 78]، وكل ما أمر الله بالصلاة أمر بالزكاة فهي قرينتها لا تفارقها، ومن فرَّق بين الصلاة والزكاة فهو كافر، ولهذا لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنع قوم الزكاة وقالوا: إنما نؤديها لرسول الله ولا نؤديها لغيره قاتلهم خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه- أبو بكر الصديق قاتلهم حتى أخضعهم لأداء الزكاة، وقال: "والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة"، وقال: "والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه".
الزكاة أمرها عظيم، وخيرها كثير، فهي تطهِّر المسلم من البخل والشح، وهي تنمِّي المال وتحل البركة فيه؛ بإذن الله، وإنما يَهلك المال ويتلف بسبب منع الزكاة، فالمال الذي لا تُؤدَّى زكاته عرضة للتلف، وعرضة للخسار والبوار، وما حُبست الأمطار عن أهل الأرض إلا بسببِ منع الزكاة، "ما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطرة من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، كما في الحديث.
والزكاة تنفع الفقراء والمساكين، وهي حقٌ لهم في أموال الأغنياء ليس تبرعاً ولا معروفاً من الأغنياء، وإنما هي حقٌ وفرضٌ عليهم، فرضها رب العالمين قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 19]، فالزكاة فريضة حتمية على كلِ من آتاه الله مالاً، فالزكاة ليست بالأمر الهيِّن الذي يُتساهل فيه من شاء فعله ومن شاء تركه، فكما أنه لا يجوز لك أن تترك الصلاة، لا يجوز لك أن تمنع الزكاة، فمن صلى ومنع الزكاة فلا صلاة له لأنهما قرينتان دائماً في كتاب الله -عز وجل-.
والزكاة تجب في أربعة أنواع من الأموال:
النوع الأول: الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من النقود الورقية، والعملات الورقية.
النوع الثاني: الحبوب والثمار التي يخرجها الله من الأرض: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ) [البقرة: 267]، (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141].
النوع الثالث: بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم.
النوع الرابع: عروض التجارة، وهي السلع التي تُعدُّ للبيع والشراء، هذه هي الأموال الزكوية التي فيها الفريضة، وأما ما عداها من الأموال فإنما تُشرع الصدقة منها من باب التبرع والإحسان.
والذي يعنينا الآن هو زكاة الحبوب والثمار؛ لأننا بحاجة إلى معرفتها، فقد فرض النبي -صلى الله عليه وسلم- نصف العشر من الحبوب والثمار فيما يسقى بمؤنه ونفقة، والعشر كاملاً وفرض العشر كاملاً فيما يُسقى بلا مؤنه من العيون والأنهار والأمطار وهي شكرٌ لله سبحانه وتعالى واعتراف بفضله، وإحسانٌ إلى لفقراء والمساكين.
فزكاة الحبوب والثمار هي من أنواع الزكاة المالية، والواجب أن يخرج الإنسان من المتوسط لا يُلزم أن يخرج من الجيد ولا يجوز له أن يخرج من الردِ: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) [البقرة: 267]، فيخرج من المتوسط ولا يكلفه الله أن يخرج من أعلى المال قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل: "إياك وكرائم أموالهم" أي: لا تأخذ منهم الأموال الكريمة النفيسة، ولكن خذ المتوسط منها وهذا هو العدل.
ومن أخرج من الجيد فهو أحسن، لكن لا يجب عليه أن يخرج من الجيد إنما يخرج من المتوسط، لا يجب عليه أن يخرج من الجيد، ولا يجوز له أن يخرج من الرد وإنما يخرج من المتوسط هذا هو الواجب عليه، فإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر بالاحمرار أو الاصفرار ثمر النخل وجبت الزكاة فيه، وجب فيه الزكاة، فيجب عليه أن يُؤديها طيبةً بها نفسه، محتسباً الأجر عند الله.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يبعث العمال والخُرَّاص يجبون زكاتها من البوادي، ويُرسل الخراص يخرصون الثمار ويأمر المزارعين أن يخرجوا زكاة ثمارهم بموجب الخرص، والخارص إنما يقدر ويجتهد لكن لو حصل زيادة عند المزارع عند الفلاح حصل زيادة من التمر من الحبوب على ما خرصه الخارصون فإنه يجب عليه أن يخرجه ويبرئ ذمته منه، ولا يقتصر على مقدار ما خرصه الخارصون، إنما هم مُجتهدون، والمجتهد يخطئ ويصيب، فعلى المسلم أن يبرأ ذمته من هذا الواجب العظيم، وأن ينقي ماله من الزكاة.
وهنا مسألة يجب التنبيه عليها، وهي أن بعض أصحاب النخيل لما سمعوا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها خوفاً من الآفات وضياع الأموال، لأنه قبل أن يبدو فيه الصلاح عرضت للآفات والتلف، لما سمعوا بهذا صاروا يأجرونها لجئوا إلى حيلة تحيلون بها على المحرم، وهي أنها يُجرونها لمن يشتريها منهم بدل الشراء صاروا يؤجرونه له، وهذه حيلة والحيل التي توصلوا بها إلى معصية الله حيلٌ محرمة، وهذا بيعٌ باطل ولا يجوز.
فعلى صاحب النخيل أن يصبر حتى يبدوا صلاح الثمار ثم يبيعوها، وإذا باعها بدراهم فإنه يخرج الزكاة من الدراهم يخرج نصف العشر من الدراهم التي هي عوضٌ عن الثمرة، ولا يبقي منها شيئا، هذا واجبٌ عظيم، يجب التنبه له، فقد كثر الاحتيال وتأجير النخيل في وقت مبكر لا لأجل الأجرة وإنما لأجل الحيلة على بيع الثمار قبل بدوِ صلاحها.
فاتقوا الله، عباد الله، وبرءوا ذمتكم من هذه الفريضة العظيمة، واحتسبوا الأجر من الله، فإن الزكاة إنما هي غنيمة وليست غرماً؛ لأن الأعراب كانوا يؤدون الزكاة ويعتبرونها غرماً، وأما أهل الإيمان فيخرجونها ويعتبرونها غنيمة وأجر من الله سبحانه وتعالى، فالمسلم يجب عليه أن يؤدي أوامر الله محتسباً بذلك الأجر والثواب مستسلماً لأمر ربه، ينقاد لأمر ربه.
والإسلام إما أن يكون إسلاماً ضرورياً أو اختيارياً، الإسلام الضروري هو أن تخضع للأقدار الله التي لا حيلة لك في الفكاك منها من المرض والموت والخوف والمصائب هذه تستسلم لها بالصبر والاحتساب وعدم الجزع، وإسلام اختياري وهو الانقياد الأوامر الله ونواهيه عن رغبةٍ ورهبة وخوفٍ ورجاء وطمعٍ في ثواب الله وخوفٍ من عقاب الله.
فاتقوا الله، عباد الله، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم من أجل أن يتقبلها الله منكم ولا تكونوا من الذين: (لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 54].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من الاستسلام لله، الانقياد لأوامره بأداء الواجبات ترك المحرمات، وأن يكون المسلم عبداً لله، لا عبداً لهواه، وعبداً لشهواته، وعبداً لدنياه، إنما يكون عبداً لله هذا هو المسلم، يدور مع أوامر الله -جل وعلا- أينما دارت لأنه عبد يؤمر فيمتثل ويطيع لله -سبحانه وتعالى-، فإن لم يمتثل لأوامر الله ويعبد الله صار عبداً لهواه: (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23].
فإذا لم يكن عبداً لله، صار عبداً لهواه (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50]، أو يكون عبداً للدنيا يطلب الدنيا من أيِّ وجه من حلال أو حرام من أي وجه لا يُبالي، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "تعس عبد الخميصة يعني القطيفة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، تعس وانتكس إن أعطي رضي وإن لم يعطَ لم يرضَ".
هذا هو عبد الدنيا رضاه وغضبه للدنيا، لا يرضى لله ولا يغضب لله، (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة: 58]، نسأل الله العافية، أو يكون عبداً لشهواته يتبع ما تشتهيه نفسه، ولو أن فيه هلاكه وشقاه والعياذ بالله، فالإنسان عبد لا بد أنه عبد، إما أن يكون عبداً لله، وإما أن يكون عبداً لغير الله، فانظر لنفسك أيها المسلم، من أنت عبدٌ له؟
فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوا الله فيما أمركم ونهاكم عنه، تكون مسلمين حقًّا، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللَّهُمَّ انصر بهم دينك وأعل بهم كلمتك، وخذل بهم أعدائك يا رب العالمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.