الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
إن ارتباط الزكاة بالعقيدة، وكونها جزءاً أساساً لا يكتمل الإيمان إلا بها يدل عليه ما ورد من آيات عن الزكاة في العهد المكي، حيث لم تتكون بعد دولة الإسلام، ولم تتحدد أنواع الأموال والمقادير الواجب إخراجها، إنما كانت الإشارة إلى الزكاة في هذه الفترة باعتبار أنها جزء من الاعتقاد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71] .
أما بعد:
فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: من رحمة الله تعالى بعباده أنه لما خلقهم وكلفهم هداهم لدينه، وبَيَّن لهم الطريق إليه، وأقام الحجة عليهم، وقطع أعذارهم، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [يونس:108].
والشرائع التي أوجبها الله تعالى على العباد، وألزمهم بها، هي لمنافعهم ومصالحهم، فالتزامهم بها ينفعهم ولا ينفع الله تعالى شيئا، ورفضهم لها يضرهم ولا يضر الله تعالى شيئا، كما قال سبحانه في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" رواه مسلم.
هذا؛ ومن أعظم ما فرض الله تعالى على عباده من الفرائض فريضة الزكاة، فهي عبادة المال، وركن الإسلام الثالث بعد الشهادتين والصلاة. تكرر ذكرها في القرآن كثيرا، وقُرن ذكرها بذكر الصلاة في أكثر الآيات (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة:43] فالصلاة تعصم الدم، والزكاة تعصم المال.
ولولا ما فيها من المنافع للعباد في معاشهم ومعادهم، وفيما يخصهم أفرادا وجماعات ودولا وأمما؛ لما كانت عناية الشريعة بها كذلك؛ إذ إن الله تعالى لا يشرع لعباده إلا ما يصلحهم في الدنيا والآخرة.
والزكاة دليل صدق العبد في إيمانه، وتسليمه لربه، وثقته في موعوده؛ ولذلك يبذل أغلى ما يملك عن طيب نفس ورضا، ومن هذا القبيل أُطْلق على الزكاة لفظ الصدقة، وهو مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد؛ كما ذكر ذلك العلامة أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى.
وهذا الفهم لمعنى الزكاة يرتكز على مفهوم التلازم بين الفعل والقول والاعتقاد في الإسلام، فلا يكمل الاعتقاد بلا قول، كما لا يكمل القول بدون فعل، فالتلازم بين هذه الأمور الثلاثة لحمة عقيدة الإسلام ومرتكزها .
إن ارتباط الزكاة بالعقيدة، وكونها جزءاً أساساً لا يكتمل الإيمان إلا بها يدل عليه ما ورد من آيات عن الزكاة في العهد المكي، حيث لم تتكون بعد دولة الإسلام، ولم تتحدد أنواع الأموال والمقادير الواجب إخراجها، إنما كانت الإشارة إلى الزكاة في هذه الفترة باعتبار أنها جزء من الاعتقاد، مما يدل على مدى التلازم بين الإيمان بالله تعالى والعبودية التي هي أقوال وأفعال تبرهن على صدق الإيمان، كما يبين هذا التبكير في الخطاب بالزكاة قبل قيام دولة الإسلام ما يجب على الفرد تجاه إخوانه ومجتمعه وأمته.
إن الزكاة تعني الطهارة والنماء والبركة، يقول ابن قتيبة رحمه الله تعالى: "الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال: زكا الزرع إذا كثر ريعه، وزكت النفقة إذا بورك فيها " اهـ.
ومن عجيب التشريع الرباني أن الزكاة أَخْذٌ، والأخذ في الأصل نقص من المال، وهذا هو المستقر عند البشر؛ ولذلك يشح أكثرهم ببذل المال خوفا من نقصه، ولكن الشارع الحكيم أخبرنا أن الزكاة وإن كانت إخراج جزء من المال فهي طهارة ونماء للمال، على عكس ما هو مستقر عند البشر، وقد تواردت النصوص على هذا المعنى العظيم الذي لا يدركه أكثر الناس، يقول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103] والتطهير والتزكية من أعظم مطلوبات أصحاب النفوس السامية، والهمم السامقة، وتطهير الزكاة عام يشمل المزكي، وآخذ الزكاة، والمال المزكى، والمجتمع بأسره.
أما المزكي فتطهره الزكاة من البخل والشح والأثرة والأنانية كما تطهره من عبودية المال، وكم من صاحب مال يملكه المال ويُسَيِّرُه حتى يكون عبدا له، فيوالي في المال، ويُعادي فيه، ويحب فيه، ويبغض فيه، ويشقى في جمعه ولا ينتفع به، ويخشى فواته أكثر من خشيته على دينه أو نفسه أو ولده، ولربما هلك بسبب خسارته، فهذا عبدٌ لماله وإن ملكه.
ومخرج الزكاة يتحرر بإذن الله تعالى من هذه العبودية إلى عبودية الله تعالى وحده، ويتطهر من شح نفسه، وفقر قلبه. وهذا من أعظم ما ينفع العبد عاجلا وآجلا، وقد أثنى الله تعالى على من كان كذلك، ووصفه بالفلاح (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) بالتغابن:16] وقال سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1] ثم ذكر سبحانه سببا من أسباب فلاحهم فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [المؤمنون:4] وذم النبي عليه الصلاة والسلام من لم يتطهر قلبه من الشح والأثرة، ودعا عليه فقال عليه الصلاة والسلام: "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض" رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والزكاة سبب لطهارة قلوب الفقراء والمساكين من الحقد على الأغنياء، وحسدهم على ما آتاهم الله تعالى من فضله؛ إذ يرون أن الأغنياء قد أحسوا بهم، وشاركوهم في مصابهم، وتلمسوا حاجاتهم، وواسوهم بأموالهم, فالزكاة أعظم صلة بين الفقراء والأغنياء، وفيها إزالة للحواجز المصطنعة بينهم، وتقريب بعضهم من بعض حتى يكونوا إخوة متآلفين، متحابين في الله تعالى، متعاونين على البر والتقوى.
والفقراء إذا ما علموا أن لهم حظا في أموال الأغنياء قد فرضه الله تعالى لهم، وقام الأغنياء بواجبهم فيه؛ فإنهم حينئذ سيتمنون زيادة أموال الأغنياء، ويفرحون بربحهم في تجاراتهم، ويدعون لهم بذلك، ويُبَرِّكون على ما يرون من عظيم أموالهم، ولا يتمنون زوالها أو تلفها؛ لعلمهم أن حقهم من الزكاة يزيد مع زيادة رؤوس أموال الأغنياء وأرباحهم.
وقد ثبت أن النصر والرزق يُستجلب بالفقراء والضعفاء؛ وذلك ببركة صلاحهم ودعائهم، كما جاء في حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال: "رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" رواه البخاري وفي رواية للنسائي: "إنما ينصر اللهُ هذه الأمةَ بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".
ومهما عمل البشر من الوسائل والأساليب، ومهما قاموا به من البحوث والدراسات والدورات للتقريب بين الفقراء والأغنياء، وتآلفهم واجتماع قلوبهم فلن يجدوا للزكاة مثيلا في ذلك، فسبحان من شرع فأحسن، وأمر فأحكم!!
والزكاة طهارة للمال مما علق به من الشبهات أو غفلة صاحبه عن حرام في تحصيله، أو تقصيره في أداء واجب على استحقاقه، أو نحو ذلك مما هو من غفلة الإنسان ونقصه؛ ولذلك سمى النبي عليه الصلاة والسلام الزكاةَ: أوساخَ الناس؛ كما جاء في حديث عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" رواه مسلم. وقال عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه: "إنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم" رواه مالك.
قال النووي رحمه الله تعالى: "ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103] فهي كغسالة الأوساخ".
والزكاة طهارة للمجتمع من مشاكل الفقر، واكتناز الثروات، وفشو الطبقية، وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وكثير من المشكلات الاقتصادية إنما يقضى عليها بهذه الشعيرة العظيمة التي فرضها الله تعالى حقا للفقراء في أموال الأغنياء.
وينتج عنها أيضا تطهير المجتمع من جرائم السرقة والنهب والنشل والغصب وقطع الطريق، وغير ذلك من أوجه الاستيلاء على الأموال بغير حق؛ فإن المحتاجين إن جاءهم المال من الأوجه المشروعة، لم يحتاجوا إلى تحصيله بطرق محرمة.
وأما التزكية فهي الطاعة والإخلاص كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ فالزكاة دليل الطاعة، وعنوان الإخلاص، ولا يخرجها سخية بها نفسه إلا مؤمن بالله تعالى، صادق في إيمانه، مخلص لدينه؛ ولذا نفى الله تعالى عن أهل الشرك أداء الزكاة، فأخبر عز وجل أنهم لا يؤتون الزكاة؛ لفقدهم الإيمان والإخلاص، (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) [فصِّلت:7].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والزكاة تتضمن الطهارة؛ فإن فيها معنى ترك السيئات، ومعنى فعل الحسنات؛ ولهذا تفسر تارة بالطهارة وتارة بالزيادة والنماء ومعناها يتضمن الأمرين....فالصدقة توجب الطهارة من الذنوب وتوجب الزكاة التي هي العمل الصالح".اهـ
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، والعمل به، وأن يقينا شح أنفسنا، وأن يجعل غنانا في قلوبنا، إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) البقرة:223 .
أيها الناس: من نظر في واقع المسلمين وجد أنهم قد قصروا كثيرا تجاه هذا الركن الركين من دين الإسلام، فشحت نفوس كثير منهم عن أداء حق الله تعالى في أموالهم، فعوقبوا بكثير من المشكلات الاقتصادية التي يبحثون لها عن حلول فلا يجدون أي حل.
انظروا -رحمكم الله تعالى- إلى كثرة الأسواق والمحلات التجارية في بلاد المسلمين، واحسبوا أعداد الشركات والمؤسسات تجدوا أنها أكثر عددا من الأسر الفقيرة في المجتمعات، ثم انظروا إلى حسابات كبار التجار، وأباطرة المال تجدوا أنها تقارب موازنات دول كاملة، فلو أخرج هؤلاء وأولئك ما أوجب الله تعالى في أموالهم من زكاة لما بقي في الناس فقير ولا محتاج؟!
ومن نظر في أحوال كل بلد من البلدان، أو قرية من القرى، أو قبيلة من القبائل، أو أسرة من الأسر؛ وجد أن فيها أغنياء وفقراء، وأن زكاة أغنيائهم تسد حاجة فقرائهم في الغالب، فلو رَدُّوا صدقاتهم عليهم لكانت صدقة وصلة، ولأغنوهم عن الحاجة إلى غيرهم، ولكان كل قريب وجار كفيلا بقريبه وجاره.
والعجيب أنه كلما ازدهر الاقتصاد، وتحركت أسواق المال والأعمال، وكثرت مصادر الدخل، واكتشفت الدول منابع أخرى للثروة؛ ازداد الفقر في الناس، وانضم أناس جدد إلى قوائم الفقراء، مع أنه في الحسابات البشرية يجب أن يكون الحال بعكس ذلك، ولكن السنن الربانية، والنواميس الكونية لا تختل ولا تخطئ؛ فإن تلوث الأموال بالكسب الخبيث نزع البركة منها، وجعل عاقبتها إلى محق وقلة. وإن التقاعس عن إخراج زكاتها أوقف نماءها وزيادتها، وزاد من محقها وقلتها وإن بدا للناس في الظاهر أنها تنمو وتزداد، وقد أخبرنا الله تعالى عن ذلك في قوله سبحانه: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ) [الرُّوم:39] فتضعيف المال وبركته إنما تكون بتطهيره مما حرم الله تعالى، وتزكيته بالزكاة الواجبة، والصدقة المندوبة، وما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده.
والخلل في أداء الزكاة وقع مركبا من جهتين، وهذا أدى إلى ضعف وظيفتها التي شرعت الزكاة من أجلها، فلا أغنت الفقراء رغم كثرة الأغنياء، ولا رفعت الضائقات الاقتصادية عن الناس.
أما الجهة الأولى: فكثير من مُلاَّك الأموال لا يُخرجون زكاة أموالهم، ويتحايلون لإسقاطها بشتى الطرق والوسائل، فما نفعت أموالهم مجتمعاتهم، ولا سدَّت حاجات فقرائهم.
وأما الجهة الثانية: فإن من أخرجوا صدقاتهم لم يضعوها في أيدي من يستحقونها، بل جاملوا من يعرفون بها، أو دفعوها إلى أقرب سائل تخلصا منها، فانبرى لذلك تجار يتاجرون بالزكاة، ويتلمسونها عند الأغنياء والكبراء، وهم ليسوا من أهل الاستحقاق.
وبعض من وكِّلوا بالزكاة من قبل الأغنياء والكبراء رأوا أنها باب من أبواب الشرف والعز والجاه فساروا فيها سيرة ذوي الجاه، وطلبوا بحق الله تعالى شرفا وجاها لم يحصلوه بأنفسهم، فأحبوا أن يطأ الناس أعقابهم، وأن يزدحموا على أبوابهم؛ لتحصيل ما يحصلونه منهم من زكاة هم وكلاء فيها، وسيسألهم الله تعالى عنها، فازدحم على أبوابهم من اتخذوا من جمع الصدقات حرفة وتجارة، وعفَّ عنهم أهل العفاف والحياء الذي لا يسألون الناس إلحافا.
وواجب على من آتاه الله تعالى مالا، وعلى من كان وكيلا في الزكاة أن يبحثوا هم عن المحتاجين بأنفسهم، ولا ينتظرون أن يأتيهم من اتخذوا من السؤال حرفة وتجارة.
ومن كان عاجزا عن ذلك فليدفع زكاته إلى ثقة أمين يضعها حيث أمر الله تعالى، ولا يبتغي بها شرفا ولا جاها. ومن عجز عن تلمس المحتاجين المتعففين فلا يجعل من نفسه وكيلا على زكاة لا يقدر على إيصالها إلى من يستحقها، ويدفعها إلى غني عنها، إما مجاملة له، أو كسلا في البحث عن مدى حاجته واستحقاقه لها.
وصلوا وسلموا ....