البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

أسحار رمضان

العربية

المؤلف الشيخ راكان المغربي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصلاة - الزكاة - الصيام
عناصر الخطبة
  1. إحياء ليالي شهر رمضان .
  2. فضائل قيام الليل .
  3. صلاة الليل من أعظم النوافل .
  4. أهمية إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان .
  5. أحكام وآداب زكاة الفطر .
  6. من آداب العيد. .

اقتباس

وكان أبو سليمانَ الدَّاراني يقول: "والله لولا قيام الليل ما أحببتُ الدنيا، ووالله إن أهلَ الليل في ليلِهم ألذُّ من أهلِ اللهو في لهوهم، وإنه لتمرُّ بالقلب ساعاتٌ يرقص فيها طربًا بذكر الله، فأقول: إنْ كان أهلُ الجنة في مِثل ما أنا فيه من النعيم، إنهم لفي نَعيم عظيم".

الخطبة الأولى:

أما بعد: في عامة ليالي العام، يعم الهدوء، ويلتف السكون، فلا تكاد تسمع همسًا، وأما في ليالي رمضان، وبالأخص في العشر الأواخر منه، فإن الوضع يختلف، والنظام ينقلب، فساعات الليل عامرة، وأسحاره مزدهرة.

وقد كان من سنته -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت العشر أن يحييَ ليله كله فلا ينام فيه، وهذا الإحياء مقصود لحكم عظيمة، أجلّها هو ابتغاء ليلة القدر، واستثمارُ كل لحظة من لحظاتها.

وقصة الصالحين مع أسحار الليل لا تقتصر على رمضان أو العشرِ الأخيرة منه، وإنما هي قصة مستمرة في كل ليالي العام، وفي رمضان يوفقنا ربنا لأن نعيش شيئًا يسيرًا من هذه القصة؛ لعلنا نعيش أجواءهم، ثم نلحق بركابهم،

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بقيامِ الليلِ؛ فإنَّه دَأْبُ الصالحينَ قبلَكم، وهو قُرْبةٌ إلى ربِّكم، ومَكْفَرةٌ للسِّيِّئاتِ، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ"؛ إنه دأب لهم وعادة لا يمكن أن يتخلوا عنها.

فلئن كان النهار عندهم هو وقت تلبية حاجات الناس، وقضاء أشغالهم، فإن الليل هو وقتُ صفاء الذهن، وتوجهِ القلب، والإقبالِ على الله والانقطاعِ لعبادته (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)[المزمل:6-8].

فالليل هو أعظم مواطن القرب من الله -سبحانه-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أقربُ ما يكون العبدُ من الرَّبِّ في جوفِ اللَّيلِ، فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكر اللهَ في تلك الساعةِ فكُنْ

وفي أسحار الليل يحدث النزول الإلهي بالغفران والبركات والمكرمات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟".

ولذلك كانت صلاة الليل من أعظم النوافل التي تُقرِّب العبد من الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ"، والله -سبحانه وتعالى- يقول في الحديث القدسي: "وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ".

وحين يعلم الصالحون هذه الفضائل فلا تتعجب من حالهم في الأسحار، وتقلّبهم في المضاجع، حين ترتفع جنوبهم من لذيذ الفراش إلى ما هو ألذ وأحب، وإلى ما هو خير وأبقى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 16-17].

ولئن كان الناس يبيتون في الفراش الهنيء، ويغطون في النوم العميق، فإن البيات عندهم له حال آخر كما وصف الله (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)[الفرقان:64]، وفي وصف آخر: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:9].

ولأن هؤلاء تجد الإيمان يملأ قلوبهم، فلا بد أن يفيضوا بالخير على من حولهم، ولهؤلاء دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة فقال: "رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّت، فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ، رحِمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فَصلَّت وأيقَظَت زَوجَها، فإن أبَى نضَحَت في وجهِهِ الماءَ".

حق لهؤلاء أن يكرموا، وحق لهم أن ينعموا (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات: 15-19].

يا الله! أي مكانة وأي رفعة وأي منزلة ينالها القائمون؟! وصدق جبريل -عليه السلام- حين قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "واعلمْ أنَّ شرَفَ المؤمنِ قيامُه بالَّليلِ".

قيل للحسن البصري -رحمه الله-: "ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره".

وكان أبو سليمانَ الدَّاراني يقول: "والله لولا قيام الليل ما أحببتُ الدنيا، ووالله إن أهلَ الليل في ليلِهم ألذُّ من أهلِ اللهو في لهوهم، وإنه لتمرُّ بالقلب ساعاتٌ يرقص فيها طربًا بذكر الله، فأقول: إنْ كان أهلُ الجنة في مِثل ما أنا فيه من النعيم، إنهم لفي نَعيم عظيم".

وكان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد -رحمه الله- يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول: "ما ألينك!! ولكن فراش الجنة ألين منك!! ثم يقوم إلى صلاته".

إخواني في الله: تلك الأحوال لعلنا نعيش شيئًا منها في ليالي رمضان، فحري بنا أن نجتهد لتكون ديدنُنا طوال العام، ولا يكوننَّ آخرُ عهدنا بالأسحار هو آخرُ ليلة من رمضان.

لنعزم الآن على أن نكون من القائمين المتهجدين ولو بأقل القليل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتَبْ مِنَ الغافلينَ، ومن قامَ بِمئةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ، ومن قامَ بألفِ آيةٍ كُتِبَ منَ المقنطِرينَ

أبواب الخير واسعة، "وإنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللَّهِ ما دَامَ وإنْ قَلَّ"، وما قل عندنا فإنه عند الله ليس بقليل (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المزل:20].

بارك الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:

أما بعد: معاشر المسلمين: قَد شَرَعَ الله لَكُم في خِتَامِ هَذَا الشَّهرِ زَكَاةَ الفِطرِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ لَهُ فَضلٌ عَن قَوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لَيلَةَ العِيدِ، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ : "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ، صَاعًا مِن تَمر، أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلَى العَبدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَن تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاةِ".

وَالأَفضَلُ إِخرَاجُهَا قَبلَ الصَّلاةِ مِن يَومِ العِيدِ، وَلا يَجُوزُ تَأخِيرُهَا إِلى مَا بَعدَ الصَّلاةِ، وَمَن أَخَّرَها بِغَيرِ عُذرٍ فَهُوَ آثِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيهِ إِخرَاجُهَا، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، فَمَن أَدَّاهَا قَبلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ".

وَيَجُوزُ أَن تُخرَجَ قَبلَ العِيدِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ، وَفي البُخَارِيِّ: كَانَ ابنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- يُعطِيهَا لِلَّذِينَ يَقبَلُونَهَا, وَكَانُوا يُعطَونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ.

وَمِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا صَلاةُ العِيدِ، شعيرةً عظيمةً من شعائر المسلمين، وقد أُمرنا بأن نخرج إليها جميعا رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، ففي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: "أُمِرْنَا أَن نُخرِجَ الحُيَّضَ يَومَ العِيدَينِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَيَشهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَدَعوَتَهُم، وَتَعتَزِلُ الحُيَّضُ عَن مُصَلاَّهُنَّ".

وَمِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا َالتَّكبِيرُ مِن غُرُوبِ الشَّمسِ لَيلَةَ العِيدِ حَتَّى انقِضَاءِ صلاة العيد تطبيقًا لأمر الله وشكرًا لنعمته، كما قال -سبحانه-: (وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ)[البقرة:185].

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.