البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

عالم الجن (2) الصرع أسبابه وعلاجه

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد الجرفالي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. ابتلاء المسلمين بالجن .
  2. دخول الجن في الإنس وصرعهم لهم .
  3. إنكار بعض الفرق الضالة لوجود الإنس .
  4. أسباب صرع الجن للإنس .
  5. أسباب الوقاية والحفظ من مس الجن .

اقتباس

من أعظم أسباب تلبس الجن بالإنس: أن تجده مكشوفاً بارزاً لا ستر عليه، ولا ذكر بعد إرادة الله يحميه، فعندها لاشكّ أنّه قاتله أو أنه مدخل عليه الأذية. من ذاك الذي إذا رمى شيئاً سمى الله؟ وإذا كشف عورته سمى الله؟ وإذا جاء أهله سمى الله؟ وإذا أراد...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الحمد لله له الحكمة البالغة ما خاب من رجاه وتوكّل عليه وتولاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه، وأشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه، واستنّ بسنّته، وسلك طريقه، وترسم هداه.

أمّا بعد:

فاتقوا الله -أيّها المؤمنون- حقَّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون.

عبادّ الله: لقد وقع كثير من المسلمين في شباك الجِنّ والشياطين وتجاهلوا حقيقتهم وعداوتهم وبرزوا لهم مجردين من السلاح ففتكوا بهم فتكاً عظيماً، فمنهم الصرعى ومنهم القتلى ومنهم المعذّب بهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

لم يزل حديثنا وسيبقى كذلك -إن شاء الله- عمَّا بدأنا به في الجمعة الماضية: "عالم الجن".

حديثنا في هذه الجمعة عن صرع الجنّ للإنس: ثبوته، أسبابه، علاجه.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وجود الجنّ ثابت بكتاب الله وسنّة رسوله واتّفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجنّي في بدن الإنسان ثابت باتّفاق أئمة أهل السنّة والجماعة، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275].

قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجنّ، وزعم أنه من فعل الطبائع وأنّ الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مسّ، ووافقه الشوكاني على قوله، وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: "إن أقواماً يقولون إن الجنّي لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون هذا يتكلم على لسانه".

ومما يؤيد ذلك ما ثبت عن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس: "ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتتْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنّي أُصرع وإني أنكشف فادع الله لي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر، ثم قالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أنكشف فدعا لها"[رواه البخاري: 5328، ومسلم: 4673].

وثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ الشيطان يجري من ابن آدمَ مجرى الدم" [رواه البخاري: 6750، ومسلم: 5808].

ولقد أنكر أناس -سواء كانوا ممّن مضى أو ممّن يعيش في هذا الزمن- دخول الجن في بدن المصروع، وهذا من معتقدات بعض المعتزلة وبعض القدريَّة، ومن وافقهم من متفلسفة الكلام وجهَّال الشريعة.

أيّها المؤمنون: وممّا يشهد لما ذُكر ما أخرجه البيهقيّ -رحمه الله- من حديث خارجة بن زيد قال: قال أسامة بن زيد: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حجة حجّها حتى إذا كنّا ببطن الروحاء نظر إلى امرأة تؤمه فحبس راحلته فلما دنت منه، قالت: يا رسول الله هذا ابني والذي بعثك بالحق ما أفاق من يوم ولدْته إلى يومه هذا؟ قال: فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها، فوضعه فيما بين صدره وواسطة الرجل ثم تفل في فيه، وقال: "اخرج يا عدوَّ الله فإنّي رسول الله" قال: ثم ناولها إياه، وقال: "خذيه فلا بأس عليه" قال أسامة: فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجّته انصرف حتى إذا نزل بطن الروحاء أتتْه تلك المرأة بشاة قد شوتها، فقالت: يا رسول الله أنا أم الصبيّ الذي لقيتك به في مبتدئك؟ قال: "وكيف هو؟" قال: فقالت: والذي بعثك بالحق ما رابني منه شيء بعد، فقال لي: "يا أسيمَ" وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دعاه رخّمه "خذ منها الشاة"، ثم قال: "يا أسيم ناولني ذراعها" فناولته وكان أحب الشاة إلى رسول الله مقدمها، ثم قال: "يا أسيم ناولني ذراعاً فناولته"، ثم قال: "يا أسيم ناولني ذراعاً"، فقلت: يا رسول الله إنّما هما ذراعان وقد ناولتك، فقال: "والذي نفسي بيده لو سكتّ لازلت تناولني ذراعاً ما قلت لك ناولني ذراعاً..."[انظر: دلائل النبوة: 6/ 25].

قال ابن حجر -رحمه الله-: "هذا إسناد حسن"، وقد رواه أبو يعلى بإسناد حسن، ويشهد له كذلك حديث يعلى بن مرة عند أحمد في مسنده وقد جوَّده الألباني: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر فمر بامرأة جالسة معها صبيّ لها، فقالت: يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة؟ فقال: "ناولنيه" فرفعتْه إليه فجعله بينه وبين واسطة الرجل ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثاً، وقال: "بسم الله، أنا عبد الله اخسأ عدوّ الله"، ثم ناولها إياه، فقال: "ألقينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل" قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، فقال: "ما فعل صبيك؟"، فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئاً حتى الساعة..."[أخرجه أحمد: 17583].

أيّها المؤمنون: إنّ دخول الجِنّ في الإنس ثابت لا ينكره إلا صاحب البضاعة المزجاة، أو من تأثَّر بجَهَلَة بعض الأطباء الذين ينكرون ذلك متجاهلين بذلك نصوص الكتاب والسنة واتّفاق سلف الأمّة على هذه الحقيقة، فإذا ثبت ذلك عندنا فيبقى علينا أن ننظر في أسباب تلبس الجِنّ بالإنس، ثم نبحث عن العلاج، والله نسأل أن يلهمنا الصواب والرشاد.

في "مجموع الفتاوى والتفسير الكبير ومجموعة الرسائل الكبرى": صرع الجن للإنس لأسباب ثلاثة:

1- تارةً يكون الجنّي يحبُّ المصروع فيصرعه ليتمتَّع به، وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل.

2- وتارةً يكون الإنس آذاهم إذا بالَ عليهم، أو صبَّ عليهم ماءً حاراً، أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى، وهذا أشدّ الصرع، وكثيراً ما يقتلون المصروع.

3- وتارةً يكون بطريق العَبَثَ به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل.

4- قلت: ومن أعظم أسباب تلبس الجن بالإنس: أن تجده مكشوفاً بارزاً لا ستر عليه، ولا ذكر بعد إرادة الله يحميه، فعندها لاشكّ أنّه قاتله أو أنه مدخل عليه الأذية.

من ذاك الذي إذا رمى شيئاً سمى الله؟ وإذا كشف عورته سمى الله؟ وإذا جاء أهله سمى الله؟ وإذا أراد أن يقضي حاجته من البول أو الغائط سمى الله؟ من ذاك الذي يحافظ على أذكار الصباح والمساء؟ من منّا يقرأ آية الكرسي عند النوم؟ من منّا يقرأ آخر آيتين من سورة البقرة؟ من منّا يقرأ المعوذتين وقل هو الله أحد؟ من منّا يستعيذ بربه من شر الشيطان وجنده؟ من منّا يقول أعوذ بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة؟ من منّا يقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم؟

5- أيها المسلمون: إن الشياطين تحب الأماكن القذرة النتنة وتتبع النجاسات وتهنأ فيها، فاحرصوا على الطهارة من الحدث والخبث تسلموا -بإذن الله عز وجل-.

6- ومن أسباب تلبُّس الجِنّ بالإنس في الأفراح والأعراس، وخاصّة إذا كان الإنسان لم يتحرّز بالأذكار الشرعيّة، وكانت هذه الأفراح ميداناً للغناء، والتقاط الصور، وإظهار الزينة، وكشف العورات، وغيرها من الحرام، وانتهاك الحدود والمحظورات، فعندها يختلط الجن بالإنس؛ لأنهم وجدوا مرادهم، فالجؤوا إلى ربكم وادعوه والتزموا أمره وأطيعوه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.

أمّا بعد:

أخرج النسائي أنّ ابن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنهم- أن أباه أبيّ -رضي الله عنهم- أخبره أنّه كان لهم جريد فيه تمر، وكان أبي يتعاهده فوجده ينقص، فحرسه فإذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم. قال: فسلمتْ فردّ السلام، فقلت: من أنت؟ أجنٌّ أم إنس؟ قال: جنْ، قال: فناولني يدك فناولني يده فإذا يد كلب، وشعر كلب، قال: هكذا خلق الجنّ؟ قال: لقد علمتْ الجِنّ ما فيهم أشدّ منّي، قال له أبي: ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغنا أنّك رجل تحبّ الصدقة فأحببنا أن نصب من طعامك، قال أبيّ: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية آية الكرسي، ثم غدا أبيّ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: "صدق الخبيث" [رواه النسائي: 10797، وابن حبان في صحيحه: 784، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبيّ، وصحّحه ابن حبان أيضاً، وهو في صحيح الترغيب والترهيب].

أيّها المؤمنون: 1- إن من أعظم أسباب العلاج من مس الجن -بإذن الله تعالى- هو: كلام الله الذي جعله الله شفاءً للأبدان والأرواح، قال الله -عز وجل-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء: 82].

ويقول عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].

2- ومن أعظم أسباب الشفاء لأهل البلاء من مس الجن: أن يدعو ربهم أو يُدعى لهم من قبل أهلهم وصالحي المؤمنين.

رعاك ربي- أيها المسلم- ألم تعلم أن الله يحبك ولذلك شرع لك أسباب النجاة؟ فخذ رعاك ربي بطريق النجاة قبل أن تصاب، واعلم بأن الله يحفظك فهو خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين، ألم يقل رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك"[رواه الترمذي: 2516].

فحافظوا على حدود الله يحفظكم الله من كل بلاء، ومن ذلك أن يحفظكم من الشيطان وجنده، ألم يخبر رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الفجر فهو في ذمة الله" [رواه أحمد: 18803، والترمذي: 222]، فمن حافظ عليها مع جماعة المسلمين؟

3- ومن أعظم أسباب الوقاية والحفظ من مس الجن: أن نحافظ على هذه الصلوات، وأن نكثر من الذكر خاصة ما ورد منه بعد هذه الصلوات، ومن أعظم الذكر حفظاً للمسلم بعد إرادة الله: أن يقول في صباحه: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مائة مرة.

اللهم احفظنا في أنفسنا وأولادنا، واصرف عنا شر الأشرار من شياطين الإنس والجان.