البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

وصايا للحجاج

العربية

المؤلف خالد بن سعد الخشلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحج
عناصر الخطبة
  1. فرضية الحج وفضله .
  2. وصايا مهمة لمن أراد الحج المبرور .
  3. فضل عشر ذي الحجة .
  4. الاستكثار من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة .
  5. وجوب الكف عن قص الشعر والأظفار من بداية عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي .

اقتباس

يا من عقدتم العزم على حج بيت الله الحرام: دونكم هذه الوصايا النافعة علها تكون سببا لتمام الانتفاع من أداء هذه الفريضة العظيمة، فأول هذه الوصايا: الوصية بإخلاص النية، وتصحيح المقصد من الحج لله رب العالمين، فإن الحج عبادة، والعبادة لا تقبل إلا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70 - 71].

جعلني الله وإياكم من عباده المتقين وأولياءه الصالحين المصلحين إنه سميع مجيب.

عباد الله: يستعد حجاج بيت الله الحرام هذه الأيام في هذه البلاد للتوجه إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج امتثالا لأمر ربهم -عز وجل-: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].

واستجابة لأمر نبيهم -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا".

يرجون بذلك تكفير سيئاتهم، ومغفرة ذنوبهم، ورفعة درجاتهم، وبذل ما يؤهلهم لدخول جنة الله -عز وجل-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة".

أيها الإخوة المسلمون: يا من عقدتم العزم على حج بيت الله الحرام: دونكم هذه الوصايا النافعة علها تكون سببا لتمام الانتفاع من أداء هذه الفريضة العظيمة، فأول هذه الوصايا: الوصية بإخلاص النية، وتصحيح المقصد من الحج لله رب العالمين، فإن الحج عبادة، والعبادة لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا) [التوبة: 31].

والله -سبحانه وتعالى- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا صوابا، وهو سبحانه غني عن أن يشرك معه أحد في عبادته، يقول الله -عز وجل- في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".

فاحرص -يا رعاك الله- على أن يكون قصدك من حجك ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا طلب مدح الناس وثنائهم.

وليكن لك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة فقد كان من دعائه في حجته: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".

ألا وإن مما يناقض الإخلاص: حرص الحاج على أن يري الآخرين كل صغيرة وكبيرة فعلها في حجه من خلال تصويره لنفسه بالجوال أو أمر غيره بتصويره، وأعظم من ذلك أن يحث على تصوير نفسه في المواقف مواضع التذلل والتخشع والبكاء لله رب العالمين.

فاحذر كل الحذر أن يكون حظك من حجك مراءة الناس وثنائهم، فيبطل بذلك عملك: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [الفرقان: 23].

والوصية الثانية: الحرص على متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أداء المناسك قدر الوسع والطاقة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين المناسك للأمة بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم".

ومن شرط قبول العبادة: المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أدائها.

فاحرص -أخي الحاج- على تعلم المناسك والتفقه فيها، والتعرف على صفة حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وخذ ذلك كله من العلماء المعتبرين وطلبة العلم المشهور لهم بالعلم الصحيح، وكن على حرص تام بالمتابعة التي يتوقف عليها صحة أداء النسك من إحرام وطواف وسعي ووقوف ورمي، ونحو ذلك.

ولا تستهن بأي سنة في المناسك تستطيع المجيء بها، واسأل عن كل ما يشكل عليك عمله، وبخاصة قبل أداء النسك، ومتى ما فعلت شيء وشككت في صحته، فبادر بالسؤال عنه وأنت في المناسك، ولا تؤجل السؤال عنه حتى الرجوع من الحج، ولا تستح من السؤال عن كل صغير وكبير في أداء المناسك، فإنه لا ينال العلم مستح ولا مستكبر.

والوصية الثالثة: تعظيم أمر الدين والشرع، فإن الأحكام الشرعية ليست كأمور الدنيا، يقول الإنسان فيها برأيه وخبرته، وإنما مبناها على الكتاب والسنة، وقد أمر الله -عز وجل- بتعظيم شعائره، وأثنى على معظميها، بقوله: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

وأمر سبحانه برد الأمر في معرفة الأحكام الشرعية إلى العلماء، فقال عز وجل: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].

إن من الخطأ ما يفعله بعض الحجاج من إفتاء بعضهم لبعض بحجة أنهم سبق أن فعلوا ذلك في أزمنة سابقة، أو أنهم رأوا فلانا يفعل ذلك، ونحو ذلك من الأسباب، وهذا كله خطأ، والواجب على الحاج ألا يفتي في دين الله بغير علم، ولا يقول في الدين بغير علم، فإن هذا من افتراء الكذب على الله، وقد نهى الله -عز وجل- عن ذلك بقول: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].

إن الواجب إذا سأل أحد رفقائك في الحج أن توجهه بسؤال أهل العلم واستفتائهم، وأن تعينه على ذلك.

والوصية الرابعة: ملازمة حسن الخلق، والتحلي بكل خلق فاضل، والبعد عن كل تصرف سيء، وخلق ذميم.

إن الحج من أعظم ما يسفر عن أخلاق الرجال، حيث تمر بالإنسان ظروف وأحوال ومواقف ومشكلات تظهر من خلالها أخلاق الإنسان.

فاحرص -أخي الحاج- على التحلي بالصبر، الصبر على أداء الطاعة والعبادة مهما كانت المشاق فيها والصعوبات والعوائق، والصبر على جهل الجاهلين، والصبر على من معك من ضعفة من نساء أو كبار.

استعن بالحلم والعفو، وتزود بالرفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وإن الله -عز وجل- يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه.

أطب لسانك، وابتعد عن اللعن والسب والشتم، والغيبة والنميمة، والجدال بالباطل، واحذر كل كلام فاحش، ولفظ بذيء، وتذكر قول ربك -عز وجل-: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].

وقول نبيك -صلى الله عليه وسلم-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

واعلم أن من علامات الحج المبرور: بعد الحاج عن الرفث والفسوق والجدال بغير حق.

إن من أعظم الأخلاق التي يحتاج إليها الحاج ويرتفع بها قدره عند الله وعند الخلق: التواضع، ولين الجانب، والبعد عن التكبر والتعالي على خلق الله -عز وجل-.

كن -أيها الحاج- في حجك متواضعا متخشعا متذللا متضرعا منكسرا بين يدي مولاك، أظهر الفاقة والتعلق به سبحانه وتعالى، والانطراح بين يديه -عز وجل-.

والوصية الخامسة: اغتنام الوقت بما يفيد، صحيح أن وقت الحج ومدته قصرت في هذه الأزمنة، وبخاصة ممن يذهب من هذه البلاد، حيث لا يتجاوز سفر الحاج الأسبوع غالبا، ولكن مع ذلك ينبغي للحاج أن يحسن اغتنام أيام حجه، ويتذكر أنه في زمان فاضل وأمكنة فاضلة، ومشاعر مقدسة، وأنه متلبس بأداء عبادة، هي من أجل العبادات، وأعظم الطاعات.

حذارِ -أيها الحاج- من أن يذهب عليك حجك، وتلك الأيام الفاضلة في القيل والقال، احرص على عمارة وقتك بالتلبية أثناء إحرامك، واحرص على التكبير والتحميد والتهليل، وأدم الذكر ليلك ونهارك، أكثر من الاستغفار والصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم، مع كمال الرفق والخلق الحسن.

الوصية السادسة: ملازمة النظافة في بدنك، وقطع أسباب الروائح الكريهة، وبخاصة عند أداء المناسك؛ كالطواف والسعي بالاغتسال قبل أداء النسك، واستعمال ما يقطع روائح الإبطين، ونحوهما، والعناية بالسواك ونظافة الفم.

والوصية السابعة: الحرص على الصدقة، وإطعام الطعام للمحتاجين والفقراء والمساكين ولو بأي شيء تستطيع بذله، فإن ذلك من أسباب دخول الجنة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهروها"، فقالوا: لمن يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: "لمن أطاب الكلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، وداوم على الصيام، وصلى بالليل والناس نيام".

فليكن لك -أخي الحاج- في إطعام الطعام للفقراء والمحتاجين، ليكن لك مشاركة في ذلك، ولو نالك شيء من التعب والمشقة؛ لأنك ترجو ثواب ومغفرته الذي يهون عندها كل تعب ونصب.

والوصية الثامنة: أوجهها لمن يحج عن غيره: بأن يحرص على الأمانة في أداء النسك، فيؤدي النسك على أتم وجه وأكمله، ويجتهد في ذلك غاية الاجتهاد؛ لأنه مؤتمن على أداء طاعة وعبادة، وبخاصة إذا كان أعطي على أدائها مالا ليستعين بها على الحج وبلوغ المشاعر.

والوصية التاسعة: أمر النساء بلزوم التستر والعناية بالحجاب، والبعد عن كل مظهر من مظاهر السفور والتبرج، وفي الحديث: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان".

ومن الضرورة في الحج وأداء المناسك: مرور المرأة بجانب الرجال الأجانب في ذهابها لأداء المناسك وإيابها، ولهذا كان من الواجب عليها وعلى وليها أن تحرص ويحرص على أمرها على تغطية وجهها وعدم إظهار شيء من محاسنها، وعلى أن تلبس من الألبسة أبعدها عن الفتنة، فتلبس الألبسة الواسعة التي لا تحجمها ولا تكشف شيئا من بدنها، وتبتعد عن الطيب في ذهابها وإيابها.

وعاشر الوصايا: الوصية للحاج بكف جوارحه، والعناية بغض بصره عن المحارم، ففي ذلك سلامة قلبه، وزكاة عمله: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30].

إن النظر إلى الحرام يشوش القلب، ويذهب الحسنات، ويفقد الحاج لذة العبادة والطاعة في تلك المناسك والمشاعر.

هذه عشر وصايا يرجى لمن التزمها أن يوفق في حجه لحج مبرور.

وبالجملة فعلى الحاج: أن يراقب الله في جميع ما يأتي ويذر، وأن يجعل من رحلة الحج إلى بيت الله الحرام بداية لحياة جديدة يجدد العهد فيها مع الله -سبحانه وتعالى-، ويجدد التوبة لله رب العالمين من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، ويصلح في رحلة الحج من شأنه وحاله، ويحرص على تزكية نفسه، وتذهيب أخلاقه.

أسأل الله -عز وجل- أن يوفق حجاج بيته الحرام لأداء مناسكهم في أمن وأمان وصحة وعافية، وأن يكتب لهم حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا، إنه سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- واجعلوا -رحمكم الله- من مواسم العمل الصالح مواسم يزداد فيها إيمانكم، وتعظم فيها تقواكم لله رب العالمين.

أيها الإخوة المسلمون: تستقبلون يوم غد أول أيام العشر المباركة تلك الأيام التي أقسم الله -عز وجل- بها في كتابه تعظيما لشأنها، وتنويها على قدرها، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1].

إن هذه الأيام أعظم أيام الدنيا، أتدري -أيها المسلم- ما معنى أن تكون هذه الأيام أعظم أيام الدنيا؟ إن العمل الصالح فيها مهما كان مفضولا في غيرها هو أفضل من كل عمل في غير هذه الأيام، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" [صحيح، صحيح سنن الترمذي].

انظروا -أيها الإخوة- في الله هذا الحديث الصحيح الذي بين فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من كل عمل في غير هذه الأيام.

إنها فرصة للراغبين في ثواب الله! إنها فرصة للراغبين في تكفير سيئاتهم! ورفعة درجاتهم!  ومضاعفة حسناتهم! عمل يسير في أيام معدودة يحصل المسلم بذلك أجرا ًعظيما! وثوابا جزيلا!

فيا لهناءة المسابقين! يا لهناءة الطائعين! يا لهناءة المغتنمين لمواسم الفضل والطاعة!

أيها الإخوة المسلمون: أكثروا من العمل الصالح في هذه الأيام المباركة، العمل الصالح يشمل كل عمل أمر به الشارع، وحث عليه؛ من صلاة وصيام وصدقة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وقراءة لقرآن، كل عمل صالح ليكن لك منه نصيب في هذه الأيام الفاضلة، إلا أن هناك عملا اختصت به هذه العشر ينبغي للمسلم ألا يفرط فيه، وألا يقصر فيه ألا وهو: الإكثار من ذكر الله -عز وجل-، فقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك فأكثروا فيهن من التكبير والتحميد والتهليل، فاجعل -أيها المسلم- من أيام العشر المباركة أياما يعلو فيها صوتك، وينطلق لسانك بذكر الله -عز وجل- في جميع الأوقات: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

إننا إذا نظرنا إلى واقعنا وواقع الناس إيزاء هذه السنة العظيمة، نلحظ تقصيرا عظيما، وتفريطا بينا، يدل على رغبة كثير من الناس عن الخير، وزهدهم في العمل الصالح، وإلا فما الوقت الذي يأخذه منك ذكر الله وتكبيره وتحميده وتهليله؟ وأي جهد بدني يأخذ منك ذلك، ولكنها وسوسة الشيطان وإضلاله الذي يحرص أن يصد عباد الله عن كل عمل صالح يقربهم من ربهم -عز وجل-.

ألا فاجتهدوا -رحمكم الله- في اغتنام هذه الأيام العشر، اجتهدوا في استثمار أيامها ولياليها بكل عمل صالح يقربكم من ربكم -عز وجل-.

إنها أيام مسابقة أيام منافسة، وعما قريب إذا انتقلت إلى ربك -عز وجل- ستجد ثواب عملك مدخرا لك موفورا لك أحسن ما يكون، وأعظم ما يكون في وقت أنت بحاجة إلى كل عمل صالح.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يأخذ بنواصينا جميعا للبر والتقوى.

أيها الإخوة في الله: بين رسولكم -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: أن من دخلت عليه العشر، وأراد أن يضحي فإنه يجب عليه أن يكف عن أخذ شيء من شعره وأظفاره: "إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً"، هذه سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وأمره لكم، فعظموا أمر الله، وعظموا شعائر الله، فإن ذلك من تقوى القلوب.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يأخذ بنواصينا جميعا للبر والتقوى، وأن ييسرنا لليسرى، وأن يجنبنا العسرى، وأن يغفر لنا في الآخرة والأولى.

هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صل وسلم وبارك...