العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
أصحاب الدين الصحيح, السالمِ من البدع والخرفات, هم الذين يتَّبعون الكتاب والسنة الصحيحة, ويتبعون الصحابة والسلف الصالح -رضي الله عنهم-, ولا يتعصبون لإمام ولا لمذهب, ولا يُؤَوِّلون أسماءَ الله وصفاتِه, وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان. وقد سُمُّوا: "أهلَ السنة"؛ لأنَّهم الآخذون بسنة رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- العالمون بها، العاملون بمقتضاها. وسُمُّوا بالجماعة؛ لأنَّهم اجتمعوا على الحق، وأخذوا به، واقْتَفَوا أَثَر جماعة المسلمين المستمسكين بالسنة من الصَّحابة...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ : فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ الله تعالى قد أكمل الدين, وأتم به نعمته على عبادِه المؤمنين, قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) [المائدة: 3].
فهَذِهِ أَكْبَرُ نِعَمِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ, حَيْثُ أَكْمَلَ –تَعَالَى- لَهُمْ دِينَهُمْ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى دِينٍ غَيْرِهِ، وَلَا إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَعَثَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا حَلَالَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ، وَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا مَا شَرَعَهُ.
وبعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قام أصحابه من بعده بنشر دينِه وسنته, وفتحوا الفتوحات الكبيرة لنشر الإسلام, ودحر الكفر والطغيان.
ونَشَر فقهاءُ وعلماءُ الصحابة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-, في المساجد وغيرها, ونقلوها للتابعين, فتلقى التابعون رحمهم الله كل ما يتعلق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-, عقيدةً وأخلاقًا وفِقْهًا.
ثم نقل التابعون ذلك إلى مَن بعدهم, وهكذا تناقل العلماءُ ذلك إلى أنْ وصلَ إلينا الدين غضًّا طريًّا.
فنشأ خلال هذه القرون الكثير من البدع والضلالات, وتَسَمَّى أصحابُها بأسماءَ كثيرة, كالصوفية والماتُردِيّة, والأشاعرةِ والمعتزلة, والخوارجِ والشيعة, وغيرِها من الْمُسَمَيَّاتِ الْمُحدَثَة, زعمتْ كلُّ طائفةٍ أنهم على الطريق الصحيح, والدين الصحيح.
ولكنَّ الواقعَ خلافُ ذلك, فقد أحدث هؤلاء وغيرُهم بدعًا في الدين, وحرفوا أسماءَ الله وصفاتِه, هم يتفاوتون فيما بينهم قلّةً وكثرة.
والصواب أنَّ أصحاب الدين الصحيح, السالمِ من البدع والخرفات, هم الذين يتَّبعون الكتاب والسنة الصحيحة, ويتبعون الصحابة والسلف الصالح -رضي الله عنهم-, ولا يتعصبون لإمام ولا لمذهب, ولا يُؤَوِّلون أسماءَ الله وصفاتِه, وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان.
وقد سُمُّوا: "أهلَ السنة"؛ لأنَّهم الآخذون بسنة رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- العالمون بها، العاملون بمقتضاها.
وسُمُّوا بالجماعة؛ لأنَّهم اجتمعوا على الحق، وأخذوا به، واقْتَفَوا أَثَر جماعة المسلمين المستمسكين بالسنة من الصَّحابة والتابعين وأتباعهم، واجتمعوا على مَن وَلاَّه الله أمرَهم، ولم يشقُّوا عصا الطاعة، كما أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فكل من تمسك بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه علمًا وعملاً, فهو من أهل السنة والجماعة, ومن أتباع السلف الصالح, وكلُّ مَن حاد عن سنتهم, وتسمى بأسماءَ ما أنزل الله بها من سلطان, أو انْتسب في عقيدته ودينه إلى أشخاص: فليس هو من أهل السنة والجماعة وإن ادّعى ذلك.
معاشر المسلمين: وبعد هذه المقدمة في معنى مصطلح أهل السنة والجماعة, نعجب من مؤتمرٍ أُقيم في ولايةٍ من ولايات روسيا بعنوان: "مَن هُم أهلُ السُّنَّة والجَماعة، بيانٌ وتوصيفٌ لمنهجِ أهل السُّنَّة والجَماعة اعتقادًا وفِقهًا وسلوكًا".
ولِمناقشة اعتقاد وسلوك أهل السنة والجماعة, دعوا كلَّ الطوائف إلا أهلَ السنة والجماعة!!
هذا والله العجب, دعوا رموز الصوفية والأشاعرة والماترديّة وغيرهم, ولم يَدْعُوا أحدًا من علماء ورموز أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح؟
ولقد صُدِّرَ بيانُ المؤتمر بهذه الجُملة: "أهلُ السُّنَّة والجَماعةِ هُم الأشاعرةُ والماتريديَّةُ في الاعتِقادِ، وأهلُ المذاهِبِ الأَربعةِ في الفِقهِ، وأهلُ التصوُّفِ الصافي عِلمًا وأخلاقًا وتزكيةً"، وهم بهذا قد خالفوا السُّنَّةَ وفرَّقوا الجماعةَ، وأخْرَجوا أئمَّةَ الإسلامِ -ممَّن عاشُوا قبل الأشْعريِّ والماتريديِّ؛ كمالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ والبُخاريِّ ومُسلمٍ وغيرِهم- مِن مُسمَّى أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ودُونَ هؤلاء المؤتمِرينَ-.
وعَرَّض المؤتمرُ بمَن سمَّاهم المتطرِّفين- وغالبًا ما يُشيرونَ بهذا إلى أصحابِ المَنهجِ السلفيِّ- بكَلِماتٍ نابيةٍ، وبأنَّهم أصحابُ مَنهجٍ مُنحرِفٍ وخَطيرٍ ومُتطرِّفٍ، وأنَّهم اختطفوا لقبَ أهل السُّنَّةِ والجَماعةِ وقَصَروه على أنفُسِهم، وأنَّ مُؤتمرَهم هذا جاء كنُقطةِ تحوُّلٍ لاسترجاعِ هذا اللَّقب.
ولَطَالَمَا رمونا بالإقصاء, وهاهم مارسوا فينا أشد أنواع الإقصاء, حيث لم يُدخلوا في مسمى أهل السنة والجماعة أحدًا غيرَهم.
وشتان بيننا وبينهم, فنحن نسعى لجمع الكلمة وهم يسعون لتفريق الكلمة وتمزيق الأمة, وخذوا مثالاً واحدًا: فهذا شيخُ الإسلام ابنُ تيمية -رحمه الله-, كان حريصًا على جمع الكلمة, واتحاد المسلمين, ويكره التنازعَ وتنافرَ القلوب, بل إنه سعى إلى جمع كلمة أهل السنة والأشاعرة, الذين خالفهم كثيرًا, وردّ على الأخطاء العقدية عندهم.
قال -رحمه الله-: "النَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَحْشَةٌ وَمُنَافَرَةٌ, وَأَنَا كُنْتُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ, وَطَلَبًا لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ, وَاتِّبَاعًا لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ, وَأَزَلْتُ عَامَّةَ مَا كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْوَحْشَةِ". ا.هـ
وطالما رمونا بأننا تكفيريّون, وقد نطق منظمُ المؤتمر وبعضُ الْمَدْعُوِيِّن بتكفيرنا, وتكفير بعض علمائنا.
وأما نحن أهلَ السنة والجماعة وأتباعَ الصحابة والسلف الصالح, فلا نكفر أحدًا من أهل القبلة, وهذا أحد أئمة أهل السنة والجماعة, شَيْخُ الإسلام ابْنُ تيمِيَّة يقول: والذي نختاره ألا نُكَفِّرَ أحدًا مِنْ أهلِ القبلة. ا.هـ
وقال الذهبي -رحمه الله-: "كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ تيمِيَّة فِي أَوَاخِرِ أَيَّامه يَقُوْلُ: أَنَا لاَ أَكفر أَحَداً مِنَ الأُمَّة". ا.هـ
بل إنه لا يُكفر عموم الرافضة والأشاعرة والصوفية والْخوارجِ وغيرِهم.
ولكنَّ الله –تعالى- أخرج من هذا الشر خيرًا كثيرًا, فقد ميّز المبتدعةَ عن سائر المسلمين, وبعث الهمة في قلوب العلماء والدعاة لتوضيح العقيدة الصحيحة, وبيان عقائد الطوائف الضالة, بعد أنْ قلّ من يتحدث عن ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه (صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه) وسلم تسليما كثيرا.
أَمَّا بَعدُ: أيها المسلمون: لقد مَنَّ الله تعالى علينا, بأنْ مدّ في عمرنا حتى أدركنا العشر الأوائل من ذي الحجة, والتي هي من أفضل الأيام عند الله تعالى, والعمل فيها أفضل وأحبُّ إلى الله من جميع أيام السنة.
والأعمال المشروعةُ فيها كثيرة منها: ذكرُ الله تعالى بالتكبيرِ والتهليل والتسبيح في كلِّ عشر ذي الحجة.
ومنها: الأضحية, ولا يحل لمن أراد الأضحية أنْ يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بَشَرَته شيئاً, من حين دخول الشهر حتى يذبح أضحيته.
وهذا الحكم خاص بمن يُضحي، أما الْمُضَّحى عنه فلا يتعلَّق به.
فلْنحرص -معاشر المسلمين- على استغلال هذه الأيام الْمُباركة, ولْنعمرها بالأعمال الصالحة, والبر والإحسان إلى الناس.
نسأل الله تعالى أنْ يُعيننا على ذكره وشكره, والتمسك بدينه وملَّته, إنه قريبٌ مُجيب.