البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

في محاسبة النفس

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الأمر بحفظ الأنفس .
  2. نفس الإنسان أولى بالأمر والنهي .
  3. الكيس من حاسب نفسه .

اقتباس


فالمؤمن مأمور بحفظ حياته من الخطر الذي ليس من ورائه مصلحة راجحة، فيجب عليه أن يجنب نفسه جميع أسباب الهلاك، فيحرم عليه أن يقتل نفسه قتلاً مباشراً، أو يتعاطى ما يتعاطى ما يفضي إلى الهلاك ويسبب الأمراض؛ كالدخان والمسكرات والمخدرات وأنواع السموم، وكذلك المؤمن مأمور بحفظ نفسه من الوقوع في المحرمات وتناول الشهوات المحرمة؛ لأن عاقبتها العذاب، وسوء الحساب

 

 

 

  الحمد لله على فضله وإحسانه، خلق هذه الحياة بما فيها من خير وشر وخلق هذا الإنسان وبصره بمخاطرها وخيرها وشرها (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان 2: 3] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديراً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا في هذه الحياة سدى، لقد خلق الله هذا الإنسان واستعمره في هذه الأرض وجعله يعيش هذه الحياة الكريمة ويجتاز مخاطرها وخيرها وشرها وبين له طريق الخير وطريق الشر ومكنه من أسباب النجاة وأمره بالأخذ بها واسترعاه على نفسه وائتمنه عليها وبين له نزعاتها الجامحة وشهواتها المهلكة ليأخذ بزمامها ويحبسها عن غيها (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف:53]

عباد الله: لقد أمرنا الله عز وجل بحفظ نفوسنا عن المهالك واسترعانا عليها؛ قال عز وجل:(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)[النساء 29: 30]

فالمؤمن مأمور بحفظ حياته من الخطر الذي ليس من ورائه مصلحة راجحة، فيجب عليه أن يجنب نفسه جميع أسباب الهلاك، فيحرم عليه أن يقتل نفسه قتلاً مباشراً، أو يتعاطى ما يتعاطى ما يفضي إلى الهلاك ويسبب الأمراض؛ كالدخان والمسكرات والمخدرات وأنواع السموم، وكذلك المؤمن مأمور بحفظ نفسه من الوقوع في المحرمات وتناول الشهوات المحرمة؛ لأن عاقبتها العذاب، وسوء الحساب، وبين أن من فعل ذلك فقد ظلم نفسه- قال تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1] لأنه بذلك يعرضها لعقاب الله.

كما أنه يجب على المؤمن حينما يأمر بخير أو ينهي عن شر أن يبدأ بنفسه فيحملها على فعل الخير وترك الشر لتفوز بالثواب وتنجو من العقاب، قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:5] فأمر النفس بالبر قبل أمر غيرها به ووقايتها من النار بفعل الطاعات وترك المحرمات قبل وقاية غيرها من الأهل؛ لأن نفس الإنسان أولى ببره ونصحه، ولأنه لا يقبل النصح والتوجيه ممن لا يبدأ بنفسه ويكون قدوة صالحة.

وقد أمرنا الله سبحانه حينما نرى الناس يضلون عن سبيل الله ويوقعون أنفسهم في المهالك فيتركون ما أوجب الله عليهم ويرتكبون ما حرم عليهم ولا يقبلون النصح والإرشاد - أمرنا عند ذلك أن ننقذ أنفسنا فنلزم طاعة الله ونترك معصيته ولا نغتر بهؤلاء ولا نتابعهم كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة: 105] فإذا كان الناس على خطأ فعلى الإنسان أن يلزم نفسه طريق الصواب ويدعو الناس إليه، ولا يتابعهم على ما هم عليه وهو يعلم أنه خطأ وهلاك، بل يثبت على الحق ولو بقي عليه وحده، كما أمر الله سبحانه عندما يكون هناك فريقان من الناس؛ فريق على الباطل ومعهم شيء من زهرة الحياة الدنيا من الغنى والجاه وغيره ذلك، وفريق على الحق وليس معهم من زهرة الدنيا شيء أن نكون مع أهل الحق ونصبر على ضيق المعيشة وفقدان زهرة الحياة الدنيا؛ قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28] وذلك نظراً للعواقب لا إلى الدنيا العاجلة والزينة الزائلة.

كما أخبر الله سبحانه أن العاقبة الطيبة والنعيم في الدار الآخرة إنما يحصلان لمن أحسن رعاية نفسه في الحياة الدنيا فاستعملها في الخير وكفّها عن الشر؛ قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات 37: 41]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" فبين -صلى الله عليه وسلم- أن الحازم هو الذي يحاسب نفسه على عملها في هذه الدنيا فيلزمها بفعل الطاعات وترك المحرمات والتوبة من السيئات، وأن العاجز هو الذي يترك نفسه ويهملها تأخذ ما تشتهي من المحرمات ثم يرجوا النجاة وهو لم يأخذ بأسبابها وإنما أخذ بأسباب الهلاك.

وقال تعلى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس 7: 10] فأخبر -سبحانه- أنه خلق النفس الإنسانية مستقيمة على الفطر القويمة، وبين لها طريق الخير وطريق الشر، ثم استرعى صاحبها عليها، ومن أحسن رعايتها وطهرها من الأخلاق الدنية فإنه يحصل على الفلاح العاجل والآجل، ومن أساء رعايتها ودنسها بالمعاصي فإنه يحصل على الخيبة العاجلة والآجلة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) وقف ثم قال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها". وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء.

وقد دلت هذه الآيات الكريمة على أن الطاعة تزكي النفس وتطهرها وترتفع بها، وأن المعاصي تدس النفس وتقمعها فتنخفض بها وتصير كالذي يدس في التراب.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" فدل الحديث على أن الإنسان لا بد إما أن يسعى في هلاك نفسه أو في فكاكها وذلك من خلال تصرفاته في هذه الحياة؛ فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله وأعتقها من عقابه، ومن سعى في معصية الله فقد باع نفسه بالهوان وأهلكها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقوبته؛ قال الحسن رحمه الله: "ابن آدم إنك تغدوا وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك فإنك لن تربح مثلها أبداً، فالمؤمنون يبيعون أنفسهم لله بثمن عظيم وهو الجنة".

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة:111] وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) [البقرة: 207] قال محمد ابن الحنفية رحمه الله: "إن الله عز وجل جعل الجنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها".

فاتقوا الله عباد الله فإن الخاسر من خسر نفسه وباعها بالدنيا الفانية واللذة العاجلة: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.