البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

هكذا فلتكن المدارس والتعليم

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الفرق بين تعليم أمس وتعليم اليوم .
  2. دور التعليم في بناء الأمم والأفراد وتقدم المجتمعات .
  3. وصايا وتوجيهات للمعلمين والطلاب وأولياء الأمور. .

اقتباس

أَفِقْ ابْنِي الْكَرِيمَ مِنْ سُبَاتِ الْإِجَازَةِ فَكَفَانَا كَسَلَاً، فَهَذِهِ شُهُورٌ مَرَّتْ مَضَى أَكْثَرُهَا فِي النَّوْمِ وَاللَّعِبِ، فَبَادِرْ سَنَتَكَ وَجِدَّ فِي دِرَاسَتِكَ، وَحَصِّلِ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ، وَاسْتَعِدَّ لِخَوْضِ غِمَارِ الْحَيَاةِ بِتَحْصِيلِ الْمَعْلُومَاتِ الْمُفِيدَةِ، وَاضْبِطِ الْمَوَادَّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِرِّيجِينَ بِالآلَافِ فَلَا مَكَانَ لِلْكُسَالَى وَلا وَظِيفَةَ لِلْبَطَّالِينَ، أَسِّسْ نَفْسَكَ الْيَوْمَ تَجْنِي الثِّمَارَ غَدَاً، اسْتَعِدَّ كُلَّ يَوْمٍ بِأَدَوَاتِكَ الْمَدْرِسِيَّةِ وُكُتُبِكَ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَاحْتَرِمْ مُعَلِّمِيكَ وَأَظْهِرْ لَهُمُ التَّقْدِيرَ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَقُومُوا بِمَا حَمَّلَكُمُ اللهُ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّاتِ وَرَاقِبُوا رَبَّكُمْ وَاسْتَعِدُّوا لِلسُّؤَالِ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ وَوَجَلٍ مِنْ تَضْيِيعِ الْأَمَانَاتِ فَإِنَّ هَذَا خَطَرٌ وَوِزْرٌ عِنْدَ اللهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: انْطَلَقَتْ بِحَمْدِ اللهِ الدِّرَاسَةِ النِّظَامِيَّةِ فِي مَدَارِسِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ تَكُونَ سَنَةَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَى الْجَمِيعِ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: إِنَّ النَّاظِرَ فِي التَّعْلِيمِ النِّظَامِيِّ وَمُخْرَجَاتِهِ يَنْدَهِشُ حِينَ يقَارِنُهُ بِتَعْلِيمِنَا السَّابِقِ يَوْمَ كَانَ الطُّلَّابُ يَجْلِسُونَ عَلَى الْأَرْضِ وَيَشْرَبُونَ الْمَاءَ مِنَ الْقِرْبَةِ وَيَكْتُبُونَ عَلَى أَلْوَاحٍ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ فَلَيْسَ هُنَاكَ سَبُّورَةٌ وَلَا دَفَاتِرُ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ مِنَ الْمَدَارِسِ وَإِلَيْهَا عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَمَنْ كَانَ غَنِيَّاً رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ.

إِنَّ النَّاظِرَ فِي الْفَرْقِ يَجِدُهُ شَاسِعَاً، فَكَانَ الطَّالِبُ فِي الصَّفِّ الرَّابِعِ وَرُبَّمَا دُونَ ذَلِكَ يَسْتطِيعُ الْكِتَابَةَ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ خَالٍ مِنَ الْأَخْطَاءِ الْإِمْلَائِيَّةِ وَرُبَّمَا عَبَّرَ بِتَعْبِيرٍ يُبْهِرُ مَنْ قَرَأَهُ، بَيْنَمَا يَبْلُغُ بَعْضُ طُلَّابِ الْيَوْمَ الْمَرْحَلَةَ الثَّانَوِيَّةَ وَهُوَ يُخْطِئُ فِي كِتَابَةِ اسْمِهِ بِالْعَرَبِيِّ فَضْلَاً عَنِ الْإِنْجِلِيزِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ خَيَالاً بَلْ هُوَ وَاقِعٌ، إِنَّ بَعْضَهُمْ لا يُجِيدُ الْقِرَاءَةَ وَلا الْإِمْلَاءَ وَقَدْ بَلَغَ الْمَرَاحِلَ الْجَامِعِيَّةَ، وَرُبَّمَا تَوَظَّفَ وُهُوَ بِهِذَا الْمُسْتَوى الْهَزِيلِ، وَهَذَا أَمْرٌ يِقُضُ الْمَضْجَعَ وَيُؤْذِنُ بِانْهِيَارٍ لِلْمُجْتَمَعِ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكَنَا اللهُ بِرَحْمَتِهِ.

إِنَّ الْأُمَمَ التِي جَدَّتْ وَاجْتَهَدَتْ فِي التَّعْلِيمِ فَاقَتْ غَيْرَهَا وَأَدْرَكَتْ مَنْ سَبَقَهَا، فَهَاهُمْ أَوَائِلُ أُمَّتِنَا مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بَهَرُوا الْعَالَمَ وَبَنوْا حَضَارَةً عَظِيمَةً حِينَ تَمَسَّكُوا بِدِينِهِمْ وَأَخْلَصُوا فِي أَعْمَالِهِمْ وَجَدُّوا وَاجْتَهَدُوا فِي مَجَالاتِ الْحَيَاةِ، حَتَّى إِنَّ التَّارِيخَ كَتَبَ أَنَّ الأُورِبِّيينَ كَانُوا يَتَفَاخُرُونَ بِأَنَّهُمْ يَبْعَثُونَ أَوْلادَهُمْ يَتَعَلَّمُونَ الْعُلُومَ الطِّبيعِيَّةَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْدَلُسِ، ثُمَّ بَيْنَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا إِذَا نَحْنُ نَقْبَعُ فِي ذَيْلِ الْقَائِمَةِ وَنَكُونُ ضِمْنَ دُوَلِ الْعَالَمِ الثَّالِثِ وَالدُّوَلِ النَّامِيَةِ.

إِنَّ شَعْباً كَالْيَابَانِ قَدْ ضَرَبَتْهُمْ أَمْرِيكَا بِقُنْبُلَتَيْنِ نَوَوِيَّتَيْنِ وَدَمَّرَتِ الْأَخْضَرَ وَالْيَابَسَ، وَلَكِنَّ الذِي حَصَلَ أَنَّهُ خِلَالَ سَنَوَاتٍ قَلائِلَ نَافَسَتِ الْيَابَانُ الدُّوَلَ الْعُظْمَى، وَصَارَتْ أَقْوَى دَوْلَةٍ فِي الْاقْتِصَادِ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّهُمْ اهْتَمُّوا بِالتَّعْلِيمِ وَكَانُوا َأْهَلَ جِدٍّ وَمُثَابَرَةٍ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذَا؟ وَنَحْنُ أَهْلُ الدِّينِ الصَّحِيحِ وَهُمْ فِي الْغَالِبِ شَعْبٌ وَثَنِيٌّ، إِنَّ السَّبَبَ أَنَّنَا أَهْلُ كَسَلٍ وَحُبٍّ لِلرَّاحَةِ وَاللَّعِبِ وَهُمْ أَهْلُ طُمُوحٍ وَتَطَلُّعٍ لِلتَّفَوُّقِ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً أَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى النُّهُوضِ بِمُسْتَوَى التَّعْلِيمِ عِنْدَنَا وَنَتَكَاتَفَ لِرَفْعِ مُسْتَوَى أَوْلادِنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].

أَيُّهَا الْمُعَلِمُّ: إِنَّكَ الْمِحْوَرُ الْأَكْبَرُ فِي التَّعْلِيمِ وَالرُّكْنِ الْأَقْوَى فِي التَّدْرِيسِ، إِنَّ الْمُتَوَقَّعَ مِنْكَ -وَفَّقَكَ اللهُ- أَنْ تَحْتَسِبَ الْأَجْرَ فِي وَظِيفَتِكَ، فَأَنْتَ تُؤَدِّي رِسَالَةً عَظِيمَةً، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَأَنْتَ تَسْتَلِمُ رَاتِبَاً عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَإِنْ أَخْلَلْتَ بِهِ دَخَلَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَرَامِ بِقَدْرِ مَا قَصَّرْتَ فِي عَمَلِكَ.

أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ: إِنَّ الْمُنْتَظَرَ مِنْكَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعِدَّاً مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي الدِّارَسَةِ لِتَبْدَأَ سَنَتَكَ وَتَنْطَلِقَ فِي الْمِهْنَةَ الشَّرِيفَةِ، فَتَدْخُلَ الْفَصْلَ وَقَدْ حَضَّرْتَ ذِهْنِيَّاً كَيْفَ تُقَابِلُ الطُّلَّابَ وَكَيْفَ تَشْغَلُ زَمَنَ الْحِصَّةِ الْأُولَى فَضْلَاً عَمَّا بَعْدَهَا، ثُمَّ تَسْتَعِدَّ لِتُعْطِيَ الطُّلَّابِ مَعْلُومَاتٍ وَمَعَارِفَ صَحِيحَةً، فَالتَّحْضِيرُ الْمُسْبَقُ مِنَ الْمُدَرِّسِ يُعْطِيهِ قُوَّةً وَنَشَاطَاً فِي مَادَّتِهِ وَسَيْطَرَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى حِصَّتِهِ، وَيَكُونُ مَحْبُوبَاً عِنْدَ الطُّلَّابِ وَعِنْدَ إِدَارَةِ الْمَدْرَسَةِ لِأَنَّهُ مُعَلِّمٌ مُنْتِجٌ، بَلْ وَيَكُونُ مَحْبُوبَاً عِنْدَ أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ لِأَنَّهُ عَلَّمَ أَوْلَادَهُمْ وَأَدَّبَهُمْ.

وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ أَخِي الْمُعَلِّمَ أَنْ تَكُونَ إِمَّعَةً وَطَبْلَاً يَنْفُخُ فِيكَ كُسَالَى الْمُعَلِّمِينَ الذِينَ قَدْ أَكَلَ عَلَيْهِمُ الدَّهْرُ وَشَرِبَ، وَرَامُوا الْهَوَانَ وَالدَّعَةَ، فَإِنَّكَ سَوْفَ تَسْمَعُ مِنْهِمْ عِبَارَاتِ التَّخْذِيلِ وَرُبَّمَا الاسْتِهْزَاءَ، فَضَعْ فِي أُذُنَيْكَ قُطْنَاً مِنْ سَمَاعِ هَؤُلاءِ الْكُسَالَى وَجِدَّ وَاجْتَهِدَ وَأَبْشِرْ.

مُعَلِّمَنَا الْكَبِيرَ: ادْخُلْ فَصْلَكَ وَأَنْتَ فَرِحٌ مُسْتَبْشِرٌ، قَابِلِ الطُّلَّابَ وَابْدَأْهُمْ بِالسَّلَامِ، وَلْيَرَوُا مِنْكَ الْحِرْصَ فِي تَبْكِيرِكِ لِحِصَّتِكَ وَفِي تَحْضِيرِكَ لِأَدَوَاتِكَ مِنْ أَقْلَامٍ وَكُتُبٍّ وَوَسَائِلَ تَعْلِيمِيَّةٍ، ثُمَّ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَتُعُوُّدُهُمْ عَلَى الانْضِبَاطِ وَالْأَدَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَدْخُلَ بِالْعَصَا وَتَهُّزَّهَا فِي وُجُوهِهِمْ، لا، اجْعَلِ الْعَصَا لِغَيْرِكَ مِنْ مُدِيرٍ أَوْ وَكِيلٍ، وَاجْعَلْهَا آخِرَ الْعِلَاجِ.

وَحَاوِلْ ضَبْطَ فَصْلِكَ شَيْئَاً فَشَيْئَاً وَتَحَمَّلِ مِنَ الطُّلَّابِ عَدَمَ الاسْتِقَامَةِ خَاصَّةً فِي أَوَائِلِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ أَبْشِرْ فَسَوْفَ يَنْقَادُونَ لَكَ وَتَقْضِي مَعَهُمْ سَنَةً مُفْعَمَةً بِالْحَيَوِيَّةِ مَلِيئَةً بِالْجِدِّ. وَرُبَّمَا تَبْقَى ذِكْرَاهَا مَعَ طُلَّابِكَ حَتَّى يَكْبُرُوا وَيَتَخَرَّجُوا، وَكَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ تَرْتَفِعُ لَهُمُ الدَّعَوَاتُ مِنَ الطُّلَّابِ وَأَهَالِيهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا خَيْرَ مُعَلِّمِينَ وَأَنْبَلَ مُوَجِّهِينَ.

أَيُّهَا الْمُدَرِّسُ: أَلْقِ مَادَّتَكَ بِقُوَّةٍ وَأَشْرِكْ الطُّلَّابِ فِي الْحِصَّةِ لِيَكُونُوا حَاضِرِينَ مَعَكَ، فَاسْأَلْهُمْ بَيْنَ الْفَيْنِةَ وَالْأُخْرَى ثُمَّ نَوِّعِ السُّؤَالَ وَفَرِّقْهُ عَلَى الصَّفِّ وَاخْتَرْ لِكُلِّ طَالِبِ سُؤَالاً حَسْبَ مُسْتَوَاهُ، وَشَجِّعِ الْمُتَّفَوِّقَ وَارْفَعْ مَعْنَوِيَّاتِ مَنْ أَخْفَقَ، وَلْيَسْمَعُوا مِنْكَ عِبَارَاتِ: أَحْسَنْتَ، مُمْتَاز، جَيِّد، وَكَذَلِكَ لَعَلَّكَ تُعَوِّضْ الْحِصَّةَ الْقَادِمَةَ، أَنْتَظِرُ مِنْكَ مُسْتَوَىً أَحْسَنَ بِإِذْنِ اللهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْجُمَلِ الطَّيِّبَةِ.

أَعْطِ الطُّلَّابَ وَاجِبَاتٍ وَلْيَكُنِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَثَّهُمْ عَلَى الْمُذَاكَرَةِ وَضَبْطِ الدَّرْسِ وَلَوْ بِدَرَجَةٍ لَيْسَتْ قَوِيَّةً فَإِنَّ الْعِلْمَ يَأْتِي شَيْئَاً فَشَيْئَاً، ثُمَّ فِي الْحِصَّةِ الْقَادِمَةِ ابْدَأْ بِالْمُرَاجَعَةِ لِلدَّرْسِ الْمَاضِي وَأَشْرِكْ جَمِيعَ الطُّلَّابِ فِي السُّؤَالِ وَلَوْ أَنْ تُعِيَد السُّؤَالَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ طَالِبٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ تَشْحَذُ هِمَمَهُمْ لِلْمُذَاكَرَةِ وَتُعْطِيهِمْ دَفْعَةً لِلْفَهْمِ، ثُمَّ تَنْضَبِطُ لَكَ الْحِصَّةَ بِإِذْنِ اللهِ وَلا تُعَانِي مَشَاكِلَ مَعَ الطُّلَّابِ الْمُشَاكِسِينَ، وَهَكَذَا بِإِذْنِ اللهِ تُحَبُّ مَادَّتَكَ وَيُحِبُّكَ طُلَّابُكَ وَتَقْضِي سَنَةً جَمِيلَةً.

وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ: كُنْ قُدْوَةً لِمُعَلِّمِيكَ فِي الانْضِبَاطِ وَالْجِدِّيَّةِ، فَكُنْ أَوَّلَ الْحَاضِرِينَ لِلْمَدْرَسَةِ وَآخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، قَابِلْ مُعَلِّمِيكَ بِالْبَشَاشَةِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَدَاعِبْهُم فِي الصَّبَاحِ بِعِبَارَاتٍ طَيِّبَةٍ، ثُمَّ قَسِّمْ عَلَيْهِمُ الْمَهَامَ وَاقْبَلْ مِنْهُمُ الآرَاءَ وَحَقِّقْ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْجِدَّ وَالتَّنْظِيمَ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ، وَاتَّخِذْ مِنْهُمْ مُسَاعِدِينَ وَمُسْتَشَارِينَ، فَمَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ تَرَكَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُعَاوِنُوهُ.

كُنْ حَازِمَاً مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ وَلَيِّنَاً مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ مَعَ الطُّلَّابِ، وَكُنْ عَوْنَاً لِلْمُعَلِّمِينَ عَلَى انْضِبَاطِهِمْ، وَلْيَسْمَعُوا مِنْكَ التَّوْجِيهَاتِ فِي الطَّابُورِ أَوْ الْفُصُولِ، وَأَظْهِرْ لَهُمْ تَقْدِيرَكَ لِلْمُعَلِّمِ وَاحْتِرَامَكَ لَهُ، فَإِنَّ فِي هَذَا دَفْعَةً مَعْنَوِيَّةَ لِلْمُدَرِّسِينَ وَشَدَّاً لِأَزْرِهِمْ وَتَقْوِيَةً لَهُمْ لِيَضْبِطُوا الطُّلَّابِ، وَمَتَى سَيْطَرَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْفَصْلِ اسْتَقَامَ التَّعْلِيمُ بِإِذْنِ اللهِ.

وَاعْمَلْ حَسْبَ الْإِمْكَانِيَّاِت الْمُتَوَفِّرَةِ مِنْ إِدَارَةِ التَّعْلِيمِ، وَلا تَتَوَقَّعْ تَحْقِيقَ رَغَبَاتِكَ وَاكْتِمَالِ عَدَدِ الْمُعَلِّمِينَ فَإِنَّ الظُّرُوفَ كِثَيرَةٌ وَالْأَحْوَالَ مُتَغَيِّرَةٌ، فَتَحَمَّلْ مَسْؤُولِيَّتَكَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ وَكُنْ كَذَلِكَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ، سَدَّدَ اللهُ خُطَاكُمْ وَكَتَبَ لَكُمُ النَّجَاحَ وَالتَّوْفِيقَ فِي مُهَمَّتِكُمْ الْعَظِيمَةَ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْكَرِيمِ، الْمَلِكِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَأُصَلِّى وَأُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ خَيْرِ مُعَلِّمٍ وَخَيْرِ هَادٍ وَمُرَبِّي وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الطُّلَّابُ الْكِرَامُ، يَا فَلْذَاتِ أَكْبَادِنَا وَأَمَلَنَا بَعْدَ اللهِ فِي حَيَاتِنَا، كُونُوا قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِآبَائِكُمْ وَأُمُّهَاتِكُمْ وَمُجْتَمَعِكُمْ، أَسْعِدُوهُمْ أَسْعَدَكُمُ اللهُ، بِرُّوا وَالِدِيكُمْ بِكُلِّ مَا تَسْتَطِيعُونَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ، إِنَّ الْتَعْلِيمَ كُلَّهُ بِجَمِيعِ إِمْكَانَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ هُوَ لَكُمْ، فَالدَّوْلَةُ بَنَتِ الْمَدَارِسَ وَأَنْفَقَتِ الرَّوَاتِبَ عَلَى جَمِيعِ مَنْسُوبِي التَّعْلِيمِ مِنْ أَجْلِكُمْ أَنْتُمْ.

أَفِقْ ابْنِي الْكَرِيمَ مِنْ سُبَاتِ الْإِجَازَةِ فَكَفَانَا كَسَلَاً، فَهَذِهِ شُهُورٌ مَرَّتْ مَضَى أَكْثَرُهَا فِي النَّوْمِ وَاللَّعِبِ، فَبَادِرْ سَنَتَكَ وَجِدَّ فِي دِرَاسَتِكَ، وَحَصِّلِ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ، وَاسْتَعِدَّ لِخَوْضِ غِمَارِ الْحَيَاةِ بِتَحْصِيلِ الْمَعْلُومَاتِ الْمُفِيدَةِ، وَاضْبِطِ الْمَوَادَّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِرِّيجِينَ بِالآلَافِ فَلَا مَكَانَ لِلْكُسَالَى وَلا وَظِيفَةَ لِلْبَطَّالِينَ، أَسِّسْ نَفْسَكَ الْيَوْمَ تَجْنِي الثِّمَارَ غَدَاً، اسْتَعِدَّ كُلَّ يَوْمٍ بِأَدَوَاتِكَ الْمَدْرِسِيَّةِ وُكُتُبِكَ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَاحْتَرِمْ مُعَلِّمِيكَ وَأَظْهِرْ لَهُمُ التَّقْدِيرَ، وَكُنْ قُدْوَةً لِزُمَلائِكَ وَصَاحِبْ مِنْهُمْ الْجَادَّ وَالنَّشِيطَ وَالنَّظِيفَ الْبَعِيدَ عَنِ الْكَسَلِ وَعَنِ التَّدْخِينَ وَالْأَغَانِي والْمُخَدِّرَاتِ.

أَيُّهَا الطَّالِبُ: إِيَّاكَ وَالتَّسَكُّعَ فِي الشَّوَارِعِ، وَحَافِظْ عَلَى السَّيَّارَةِ التِي بَذَلَ أَبُوكَ فِيهَا دَمَ قَلْبِهِ لِيَشْتَرِيَهَا وَرُبَّمَا تَحَمَّلَ الدُّيُونَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ زُمَلائِكَ، إِيَّاَكَ ثُمَّ إِيَّاكَ وَتَدْمِيرِ السَّيَّارَةِ بِالسُّرْعَةِ الزَّائِدَةِ أَوِ التَّهَوُّرِ الذِي يُؤَدِّي لِلْحَوَادِثِ ثُمَّ تَجْمَعْ بَيْنَ سُوءِ السِّيرَةِ وَتَحْمِيلِ أَهْلِكَ مَا لا يُطِيقُونَ.

يَا وَلِيَّ الْأَمْرِ: كُنْ عَوْنَاً لِلْمَدْرَسَةِ وَالْمُعَلِّمِينَ، تَابِعْ ابْنَكَ فِي الْحُضُورِ وَالانْصِرَافِ، تَابِعْهُ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى بِزِيَارَتِكَ لِلْمَدْرَسَةِ، وَجَهْهُ لِلْجَدِّ وَالْاجْتِهَادِ وَمُصَاحَبَةِ الْأَخْيَارِ وَالْحَذَرِ مِنَ الْأَشْرَارِ، حِثَّهُ عَلَى احْتَرَامِ الْمَدْرَسَةِ وَجَمِيعِ مَنْسُوبِيهَا، لِيَعْلَمَ أَنَّكَ تَنْتَظِرُ تَفَوُّقَهُ وَانْضِبَاطَهُ، ادْعُ لَهُ فِي صَلاتِكَ وَسُجُودِكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَلْنَتَحَمَّلْ جَمِيعَاً الْمَسْؤُولِيَّةَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسْبِهِ وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلَاً، عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَوْلادَنَا وَمُعَلِّمِينَا وُمَدَرَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَخَواتِنَا وَآبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ.

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين!