البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

تحريم الغناء والمعازف

العربية

المؤلف خالد بن سعد الخشلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. فشو المنكرات والمجاهرة بها وخطر ذلك .
  2. ظاهرة انتشار الغناء والمعازف .
  3. بعض النصوص الدالة على تحريم الغناء وذمه .
  4. بعض آثار الغناء وعواقبه الوخيمة .

اقتباس

كم أذهب الغناء من وقار؟! كم أحل من عار وشنار؟! كم أورث من بلية؟! كم أنزل من مصيبة؟! كم أمات من غيرة؟! كم قتل من رجولة؟! كم أذهب من عفة وأسقط من حياء وصيانة؟!وأعظم من ذلك كله كم...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أوضح المحجة، وأقام الحجة، وبين شرائع الملة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- وأطيعوه، واعلموا أن من تقوى الله -سبحانه-: الوقوف عند حدوده التي حدها، والائتمار بأوامره، والانزجار عن نواهيه التي نهى عنها.

إن حقيقة الإيمان الصادق: الاستجابة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].

أيها الإخوة المسلمون: إن من يتأمل واقعنا المعاصر يلحظ فشو كثير من المنكرات، وانتشار كثير من المحرمات، والأدهى من ذلك أنها غدت عند كثير من الناس أمورا يستهان بها، ويحقر من شأنها، وأشد من ذلك خطرا: مبارزة كثير من الناس ومجاهرتهم بهذه المنكرات، مبارزتهم لرب الأرض والسماوات بها، ومجاهرتهم بها مع قيام الحجة عليهم، وتوجيه النصح والإرشاد لهم.

وذلك كله -أيها الإخوة المسلمون- مبعث خطر عندي ذوي القلوب الحية.

إن المنكرات إذا عمت وظهرت أذنت بنزول العقوبة، ومحق البركة "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"، وهذا العقاب المتوعد به عقاب متنوع فقد يكون مسخا وخسفا، وقد يكون زلازل وبراكين، وتارة يكون قحطا وجدبا وكسادا اقتصاديا، وبطالة عمالية، ومرة يكون خوفا وهرجا ومرجا، إلى غير ذلك من العقوبات التي يقدرها الله -سبحانه وتعالى- عياذا بالله من أليم عقابه، وشديد غضبه وانتقامه.

ولسنا الآن في مجال سرد لهذه المنكرات، فأكثرها -إن لم تكن كلها- معروفة لدى الجميع: تضييع للصلوات، وتعاطٍ للربا، وانتشار للخمور والمخدرات، وعقوق للوالدين، وقطيعة للأرحام، وإتيان للسحرة والكهان والعرافين، إلى غير ذلك من المنكرات العظام.

غير أن هناك منكرا انتشر انتشارا عظيما في أوساط المجتمع بمختلف فئاته وتعدد شرائحه وطبقاته، وأصبح له رواج وانتشار في وسائل الإعلام، وبخاصة المسموعة والمرئية، ذلكم هو منكر الأغاني والمعازف.

هذا المنكر الذي تعلق به -والعياذ بالله- كثير من الرجال والنساء والشباب والشابات، أقيمت له الحفلات والمهرجانات، وأحيت له الليالي والأمسيات، والسهرات والمنتديات.

إن المرء ليدهش وهو يسير في الطريق من تلك الأصوات المنكرة التي تنبعث من السيارات التي يقودها بعض الشباب، أو من تلك التجمعات الشبابية والنسائية في الاستراحات وقصور الأفراح وغيرها.

ويزداد الأسى والحزن مما آلت إليه أعراس كثير من المسلمين اليوم حيث غدت مناسبات بإحياء الليل بالأغاني الماجنة، والرقصات الساقطة، والمعازف المتعددة، يضاف إليها منكر الاختلاط، اختلاط الرجال بالنساء، حتى ليخيل إلى المرء أن الزواج عند كثير من الناس لا يمكن أن يتم إلا إذا وجدت مغنية أو مغن، وارتفعت بالأغاني بالأصوات الساقطة، وعلت أصوات الطبول، وأدوات العزف والموسيقى المختلفة.

يفعل ذلك كله مع وجود البدائل الشرعية، حيث توجد فرق تلتزم بآداب الشرع المطهر، من حيث الاقتصار على استعمال الدف للنساء فقط، والمجيء بالقصائد ذات المعاني الطيبة، والتوجيهات الحسنة، ولكن كثيرا من الناس يعدلون عنها، بل ويستخفون بها ويحتقرونها -عياذا بالله-.

ويتساءل المرء حينئذ يفعل هذا كله من أجل ماذا؟ وإرضاء لمن؟

إنه يُفعل من أجل التباهي والتفاخر، إنه يفعل من أجل إرضاء ناقصات العقل والدين، وتحقيقا لرغبات القاصرات من البنات والأخوات، ولو كان في ذلك إسخاط للرحمن -عز وجل-.

ويزداد عجب المرء يوم يعلم أن هذه البلية لم تعد قاصرة على بعض الناس، بل حتى بعض أعراس المنتسبين بالخير والصلاح تلوثت وتلطخت بهذه الموبقات والآثام.

أيها الإخوة المسلمون: إن المتأمل لنصوص القرآن والسنة، وأقوال الصحابة والسلف الصالح، لا يجد أدنى تردد في تحريم الأغاني الماجنة والمعازف بشتى آلاتها وأنواعها، وبخاصة هذا الغناء المعاصر الذي لا يستريب عاقل في تحريمه، عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف".

فقوله صلى الله عليه وسلم: "يستحلون" دليل على حرمة هذه الأشياء المذكورة في الحديث إذا لو لم تكن محرمة لما قال: "يستحلون".

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة" الله المستعان! أين أولئك الذين يقابلون نعمة الزواج والنكاح وغيرها من النعم باستعمال آلات المعازف عن هذا الحديث؟!

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة، وكل مسكر حرام" والكوبة الطبلة التي لها وجهان، أما الذي له وجه واحد فيسمى: الدف، وقد جاء في النص جوازه عند النكاح للنساء.

وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف" قيل: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشُربت الخمور".

وقد فسر أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين: "لَهْوَ الْحَدِيثِ" الوارد في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان: 6] فسروا: (لَهْوَ الْحَدِيثِ) في هذه الآية، بالغناء، قال الإمام الطبري: "أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه"، وقال القرطبي: "إن أولى ما قيل في هذا الباب هو تفسير لهو الحديث بالغناء". وكان الفضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: "الغناء رقية الزنا".

وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- قصة معبرة في هذا الجانب، فقال عن خالد بن عبدالرحمن قال: "كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل، فأرسل إليهم بكرة فجيء بهم، فقال رحمه الله لهم: إن الفرس لتصهل فتسوق له الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينبّ فتسترمّ له العنز، وان الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة، ثم قال: اخصوهم! -أي المغنين- فقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: هذا مُثلة، ولا يحل، فخلَّى سبيلهم" [رواه البيهقي في شعب الإيمان].

قال ابن القيم عند إيراد هذا الأثر: "ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء كما يجنبهم أسباب الريب ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنا فهو يعلم بالإثم الذي يستحقه" إلى أن قال رحمه الله: "فاعلم أن للغناء خواصًّا، لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه، كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه: أنه يلهي القلب، ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا، لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن إتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن إتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها ويحركها إلى كل قبيح ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه ونائبه وحليفه، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما شريعة الوفاء التي لا تفسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب على محل التخيل، فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة".

فنسأل الله -عز وجل- أن يجنبنا وسائر إخواننا المسلمين سائر المنكرات والآثام.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].       

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه ،والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن أفضل الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

إخوة الإيمان والإسلام: هذه نصوص القرآن والسنة في تحريم الغناء والمعازف، ويكفي لذمه -أيها الإخوة المسلمون- ما يورثه من معاني قبيحة، وآثار سيئة يدركها ذو العقول الصحيحة، والفطر السليمة.

كم أذهب الغناء من وقار؟ كم أحل من عار وشنار؟ كم أورث من بلية؟ كم أنزل من مصيبة؟ كم أمات من غيرة؟ كم قتل من رجولة؟ كم أذهب من عفة وأسقط من حياء وصيانة؟ وأعظم من ذلك كله -أيها الإخوة المسلمون- كم أذهب الغناء في قلوب الناس من حلاوة الإيمان وأفقدهم من لذة طاعة الرحمن، وملء القلب بالأنس بالشيطان، إنه سلاح أعداء الله من شياطين الإنس والجن لصد الإنسان عن ربه وإبعاده عن خالقه فقديما كان سلاح الشيطان كما قال الله -عز وجل-: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء: 64].

وهو سلاح أعداء الأمة المحمدية في إلهاء الأمة عن دينها، وإضعاف شبابها، يقول قائلهم: "أشغلوهم" أي المسلمين "أشغلوهم بالفن والرياضة".

ويقول آخر: "كأس وغانية يفعلان في الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع".

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوا الله وطهروا أسماعكم، طهروا بيوتكم، طهروا حفلاتكم من صوت الشيطان ومزماره، احفظوا أسركم وبناتكم على وجه الخصوص من سماع هذا المنكر العظيم.

نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى.

هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صل وسلم وبارك...