البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

مشكلة غلاء المهور ورد الأكفاء

العربية

المؤلف محمد بن عبد الله السبيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ضرورة حل مشكلة غلاء المهور ورد الأكفاء .
  2. الهدي النبوي في الزواج .

اقتباس

فمتى -يا عباد الله- يكون التسامح بيننا؟ ومتى نترك هذه العادات السيئة؟ ومتى يسود بيننا الوئام والمحبة؟ ومتى نترك الشح والجشع؟ ومتى يشد القوي عضد الضعيف؟ ومتى يسهل المسلم لأخيه المسلم سبيل الخير والحياة الطيبة؟ ماذا يفعل من لم يقدر منا على دفع هذه المهور ومجاراة أصحاب هذه العادات المذمومة المثقلة للكواهل...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي بدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، أحمده سبحانه، أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الحكيم العليم: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم:21]. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وهاديا إلى الصراط المستقيم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

واعلموا-يا عباد الله- أن المشاكل الاجتماعية التي توجد بين المسلمين في المدن والقرى، وبين الأمم والشعوب لابد لكل مسلم أن يهتم بها وبمعالجتها، والبحث عن أسهل الطرق التي تكفل القضاء عليها، والتخلص منها.

وإن من المشاكل الهامة بيننا اليوم مشكلة الزواج وما يتعلق بها من رد الأكفاء، وعدم الاستجابة لهم، ومنع كثير من تزويج مولياتهم؛ إما لغرض من الأغراض، أو لقصور نظر، أو تعنت، وكذا غلاء المهور والتفاخر بها، والإسراف في الحفلات، وما يلابسها من المنكرات، وما تحتوي عليه من الفخر والخيلاء، وإضاعة المال.

إن هذه المشكلات يجب أن تعالج من قبل كل مسلم وكل مسئول بحسبه، ولكن المسئولية الكبرى تقع على من له قدرة، وله مكانة في مجتمعه؛ من وجهاء الناس، وقاداتهم، ومسموعي الكلمة عند الخاصة والعامة، من ولاة الأمور والعلماء والوجهاء، وأن لا يتركوا هذه المشكلة تستمر وتتزايد في كل حين وآخر.

فالنكاح -يا عباد الله- من ضروريات الحياة، لابد منه لكل من الرجال والنساء، كما أنه من سنن المرسلين، وهدى سيد المتقين -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد أخبر أن النكاح من سنته، وقال: "من رغب عن سنتي فليس مني"، وقال عليه الصلاة السلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".

عباد الله: إن الحيلولة بين النساء وبين تزويجهن بالأكفاء أمره عظيم، وخطره جسيم، وعاقبته وخيمة، إنه مخالف لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتعرض للفساد الكبير، ووقوع الفتن؛ ألم يقل نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"؟.

إن من مشاكل الزواج التغالي في المهور، والإسراف في الحفلات، والتباهي بكثرة الحلي والأثاث. إن التغالي في مثل هذه الأمور ليس فيه محمدة لأحد، إنما هو فخر وخيلاء، إنه مثقل لكواهل أهل الإعسار، ومتعب لذوي اليسار، إنه سبب لتعطيل حكمة الله التي من أجلها شرع النكاح، إنه يحصل به فساد وظلم للنساء اللاتي يكون ذلك سبب تعويقهن ومنعهن من التزوج بالأكفاء؛ من أجل تعنت الأولياء، وطلبهم مهورًا مرتفعة، ونفقات باهظة لم يأمر بها الدين، وليست من الحكمة ولا من المصلحة، ولم تكن من هدي الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، روى أهل السنن عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، كان أولاكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

إن غلاء المهور-عباد الله- عائق من معوقات النكاح الذي أمر الله به، ورغب فيه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وخلاف هدي المصطفي -صلى الله عليه وسلم- في مشروعية تخفيف المهر وتسهيله، والحث عليه؛ فقد قال عليه السلام: "أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة". وقال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يزوجه امرأة: "التمس ولو خاتمًا من حديد" والتمس فلم يجد شيئًا، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "هل معك شيء من القرآن؟" قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "زوجتكما بما معك من القرآن".

عباد الله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، اقتدوا بنبيكم، تشبهوا بسلفكم الصالح، لا تغالوا في المهور، لا تسرفوا في الحفلات، لا تضيعوا أموالكم بما لا يعود عليكم بمصلحة، أو ربما عاد بالمضرة العاجلة والآجلة، لا تقفوا دون تزويج بناتكم وأخواتكم ومولياتكم من أكفائهن، إن الكفاءة ليست في الجاه، ولا في المال، إنما هي بالتقوى. إنما هي بالدين والخلق، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

إن مما يؤسف له أشد الأسف أن المهر أصبح عند كثير من الناس كأنه هو المقصود بالذات من النكاح، يردون الكفء من أجله، ويقبلون غير الكفء من أجله، لا -يا عباد الله!- ليس الأمر كذلك، إنما المقصود من النكاح امتثال أمر الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وحصول الذرية الصالحة، وسكون كل من الزوجين إلى صاحبه، وحصول المودة والرحمة بينهما.

فمتى -يا عباد الله- يكون التسامح بيننا؟ ومتى نترك هذه العادات السيئة؟ ومتى يسود بيننا الوئام والمحبة؟ ومتى نترك الشح والجشع؟ ومتى يشد القوي عضد الضعيف؟ ومتى يسهل المسلم لأخيه المسلم سبيل الخير والحياة الطيبة؟ ماذا يفعل من لم يقدر منا على دفع هذه المهور ومجاراة أصحاب هذه العادات المذمومة المثقلة للكواهل؟! ما ذنب الفتيات الضعيفات المغلوبات على أمرهن اللاتي حيل بينهن وبين النكاح؛ بسب التعنت والمغالاة والإسراف في النفقات، ومُنعن أن يكن ربات بيوت، وزوجات صالحات، وأمهات مشفقات، لذرية طيبة؟! فاتقوا الله-عباد الله-وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدى سيد المرسلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، خلق الإنسان من زوجين ذكر وأنثى. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فاتقوا الله -معشر المؤمنين-، واعلموا أنكم مسئولون عما استرعاكم عليه إلهكم، وكلكم راع ومسئول عن رعيته، وإن الحيلولة-يا عباد الله-دون تزويج من تحت أيديكم من دون سبب شرعي، وعضلهن عن أكفائهن داخل في تضييع الأمانات، ومسقط للمروءات، وجناية من الجنايات؛ جناية على المرأة بمعنها من كفئها، وجناية من الرجل على نفسه، بمخالفته أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

إنه ينبغي لكل أحد منا التحذير من هذه العادات السيئة، وهذا العمل المنافي للمصلحة؛ فعلى الوجهاء التحذير منه في مجتمعاتهم، وعلى العلماء في وعظهم وإرشادهم، وعلى المدرسين في دروسهم، وعلى الرجل بين أهلة وذويه، على الجميع أن يظهروا روح التسامح والتعاطف في كل الأمور وفي أمور النكاح خاصة.