الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وآمنوا به، وآمنوا بقضائه وقدره، فإن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان، فلن يتم الإيمان حتى يؤمن العبد بالقدر خيره وشره، ولا يتم الإيمان بالقدر حتى يؤمن الإنسان بأربعة أمور:
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، وهو على كل شيء قدير، وجعل لكل شيء قدرا وأجلا مطابقا لعلمه وحكمته، وهو الحكيم الخبير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والخلق والتدبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد والمصير، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وآمنوا به، وآمنوا بقضائه وقدره، فإن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان، فلن يتم الإيمان حتى يؤمن العبد بالقدر خيره وشره، ولا يتم الإيمان بالقدر حتى يؤمن الإنسان بأربعة أمور:
الأول: علم الله المحيط بكل شيء، فإنه سبحانه بكل شيء عليم.
عليم بالأمور كلها، دقيقها وجليلها، سرها وعلنها، فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء.
الأمر الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، من قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فإن الله لما خلق القلم، قال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فكتب بعلم الله وإذنه ما هو كائن إلى يوم القيامة، فما كتب على الإنسان لم يكن ليخطئه، وما لم يكتب عليه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف، قال الله -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[الحديد: 22 - 23].
فعلى العبد إذا جرت الأقدار على ما لا يحب أن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يستسلم للقضاء المكتوب، فإنه لا بد أن يكون ويقع فلا راد لقضاء الله وقدره.
لكن الفخر كل الفخر لمن يقابل ذلك بالرضا، ويعلم أن الأمر من الله إليه، وأنه سبحانه له التدبير المطلق في خلقه، فيرضى به ربا، ويرضى به إلها، وبذلك يحصل له الثواب العاجل والآجل، فإن من أصيب بالمصائب فصبر هدى الله قلبه، وشرح الله صدره، وهون عليه المصيبة لما يرجو من ثوابها عند الله، ثم إذا بعث يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى الأجر والثواب، وجد أجر مصيبته، وصبره عليها، مدخرا له عند الله: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].
وكما أن الله -تعالى- كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، فكذلك يكتب سبحانه، ويقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة كلها، كما قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[الدخان: 4].
وكذلك يكتب على الإنسان، وهو في بطن أمه ما سيجري عليه، كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصـدوق، فقـال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"[البخاري (3036) مسلم (2643) ].
وهذا الرجل الذي كان يعمل بعمل أهل الجنة، ثم ختم له بعمل أهل النار إنما كان يعمل بعمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، ولم تكن نيته في الإخلاص والقصد نية مستقيمة، فلذلك عوقب بسوء الخاتمة، كما جاء ذلك مفسرا في حديث آخر.
الأمر الثالث: مما يتم به الإيمان بالقدر: أن تؤمن بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فمشيئة الله فوق كل مشيئة، وقدرته فوق كل قدرة، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف:21].
الأمر الرابع: أن نؤمن بأن الله خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، وأن ما في السماوات والأرض من صغير ولا كبير، ولا حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله وخلقه، فمن الأشياء ما يخلقه الله بغير سبب معلوم لنا، ومنه ما يكون سببه معلوما لنا، والكل من خلق الله وإيجاده.
فنسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعلنا وإياكم ممن رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا، وأن يقدر لنا بفضله ما فيه صلاحنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وآله وأصحابه واتباعهم إلى يوم الدين.