الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
مما يدل على فضل الصدقة: أن الصدقة تبارك في المال؛ فقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال". فالإنسان يظن أنه إذا أنفق ينقص ماله، مع أن العكس هو الصحيح، فالمتصدق يبارك في ماله؛ لأن الكريم -جل في علاه- يعوض...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه.
أما بعد:
فيا عباد الله: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: عبادة جليلة من أفضل العبادات عند الله -جل وعلا- ألا وهي: الصدقة، فالصدقة -يا عباد الله- لها فضائل كثيرة، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) [إبراهيم: 31]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون: 9 -10].
وقال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشق تمرة".
عباد الله: من فضائل الصدقة -يا عباد الله-: أنها استجابة لأمر الله ولأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومما يدل على فضل الصدقة: أن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".
فإذا أذنب العبد ذنبا، فعليه أن يبادر بالأعمال الصالحة، ومن ذلك: الصدقة: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
ومما يدل -يا عباد الله- على فضل الصدقة: أن المتصدق يرحمه الرحمن -تعالى-؛ لأنه رحم ذلك المسكين، رحم ذلك الفقير، فرحمه العليم الحكيم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
ومما يدل على فضل الصدقة: أن الصدقة تبارك في المال؛ فقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم: "ما نقصت صدقة من مال".
فالإنسان يظن أنه إذا أنفق ينقص ماله، فإن الله -تعالى- يبارك في مال المتصدق، بل إن الكريم -جل في علاه يا عباد الله- يعوض المنفق، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39] هذا وعد من الله، وعد ممن لا يخلف الميعاد أن من تصدق لله -تعالى- فإن الله يعوضه في الدنيا والآخرة.
ومن فضائل الصدقة -يا عباد الله-: أنها سبب للشفاء من الأمراض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- والحديث حسنه الألباني -رحمه الله-: "داووا مرضاكم بالصدقة".
وهذا أمر معلوم، وكثير منكم يعلم بعض الأخبار التي تدل على هذا الأمر، شكى رجل لابن المبارك قرحة في ركبته مكثت سبع سنين، وسأل الأطباء، وفعل الأسباب كلها، فقال له ابن المبارك -رحمه الله-: تصدق، فجعل سقاية على باب بيته فما مضى أسبوع إلا وقد برئت وزال أثرها.
وصاحب المستدرك الحاكم خرج في وجهه بعض الأذى من القروح، فشكى أمره إلى بعض الناس؛ لأنه جلس سنة يعاني، قيل له: تصدق بالماء، فجعل كذلك سقاية على باب بيته، فشفاه الله -تعالى-.
نعم -يا عباد الله- والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما جاء في مسند الإمام أحمد: "إن أفضل الصدقة سقي الماء".
سقي -يا عباد الله- أن يحفر المسلم بئرا، أو يضع برادة ماء، أو يوزع ماءً، لا سيما في وقت الصيف على من يقفون في وسط النهار، وقد اشتد عليهم الحر، ووقفوا في الشمس كما نشاهد العمال، فهم بحاجة ماسة إلى الماء، فإذا رحمتهم -يا عبد الله- وأحضرت معك ماءً، وبذلته لنفسك وقدمته لنفسه: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) [البقرة: 110].
ومن فضائل الصدقة -يا عباد الله-: أنها سبب لدفع الكربات ألا تحل بالإنسان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء".
ومن فضائل الصدقة -يا عباد الله-: أن المتصدق من المفلحين في الدنيا والآخرة، قال الله -جل في علاه-: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 16].
وهذه بشارة من الله -تعالى-، والمتصدق محسن، والله (يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195].
فإذا تصدقت -يا عبد الله- أحسنت لنفسك وإلى هذا الإنسان، فإن الله -تعالى- يحبك، ولو لم يكن إلا هذا لكان دافعا للإنسان أن يتصدق.
وإذا تصدق المسلم -يا عباد الله- فإن هذه الصدقة في شكلها أنها تذهب وهي التي تبقى في ماله، تأملوا معي -يا رعاكم الله- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيكم مال وارثه أحب إليه؟" قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا وماله أحب إليه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت".
سُئل شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- عن أيهما أفضل الوقف أو الوصية؟ تأملوا هذا الجواب الرائع من شيخنا -رحمه الله-، قال: لو كان معك سراجا وكنت في ظلمة هل تضع السراج أمامك أو خلفك؟ فقال: أضع السراج أمامي، قال: كذلك الوقف.
فإن المتصدق يضع صدقته أمام عينيه ولا يؤخر، ولذلك قال أهل العلم: إن الوقف أفضل من الوصية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيح تخشى الفقر وتأْمل الغنى، ولا تؤجل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا" وربما الوصية لا تنفذ، وربما يؤخر الورثة تنفيذها.
فأنت قدم -يا عبد الله- لنفسك، وأشرف على صدقتك بنفسك، وضعها أمام عينيك، ضعها نورا لك في قبرك، ضعها نورا لك في يوم حشرك ونشرك، وهي لا شك ولا ريب -يا عباد الله- أنها أفضل، فبعض الناس يتساهلون في هذا الأمر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما ذبحوا الشاة، قال لعائشة -وتأملوا معي -يا رعاكم الله-: "ما بقي منها؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بقي كلها غير كتفها"؛ لأن الذي ذهب وأُكل انتهى، لكن الصدقة هي التي تبقى للإنسان.
وفي وقتنا الحاضر كثير من الأمثلة، لو وقف الإنسان عند محطة البنزين ثم عبأ بمبلغ خمسين ريالا، فإن هذا البنزين سيذهب بعد قليل، لو زاد خمسة ريالات وأعطاها ذلك المسكين لبقيت هذه الخمسة وذهبت الخمسين، وهكذا يسابق الإنسان.
ومن فضائل الصدقة -يا عباد الله-: أن المتصدق يحظى بدعوة الملائكة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وينزل ملكان، فيقول أحدهما: اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكا تلفا".
يقول أحد طلبة العلم: أردت أن أعطي نفسي درسا وأولادي، فجعلتهم يتصدقون في صبيحة كل يوم بريال، فوجدت بركة عجيبة في مالي وفي أولادي.
نعم -يا عباد الله- فأنت تتصدق وتعود نفسك على هذه الصدقة تحظى، لو تصدق الإنسان في كل يوم لو بريال واحد على حسب حاله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول "سبق درهم مائة ألف درهم"؛ لأن الإنسان لا يكلف إلا ما يطيقه.
فعلى الإنسان -أيها الأحبة- أن يساهم وأن يجتهد، وإذا وجد فرصة أن يقدم لنفسه: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) [البقرة: 110].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله، لك الحمد يا الله حتى ترضى، لك الحمد يا الله إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله وسابقوا في الخيرات.
ومن طرق الصدقة: أن يساهم الإنسان في بناء المساجد، إذا أكرمه الله بالمال لا يؤخر، يبني مسجدا لنفسه ولوالديه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الصحيحين: "من بنى لله مسجدا يبتغي بذلك وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة".
أيها الغني: ابنِ لك بيتا في الجنة، وهذا وعد من الله أن يبني لك قصرا في الجنة، قدم لنفسك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" قال منها: "أو صدقة جارية".
هذه الصدقة هي التي تأتيك في ظلمة القبر وفي وحشته، المال سيتقاسمه الورثة وعليك أن تقدم لنفسك.
ومن أوجه الإنفاق: أن يساهم الإنسان في طباعة الكتب والمصاحف، وهذا من الصدقة الجارية التي تبقى للإنسان، ومن ذلك أن يكفل يتيما، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى.
ومن طرق الصدقة: أن يكفل أرملة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الصحيحين: "الساعي على الأرملة كالمجاهد في سبيل الله" وأحسبه قال: "كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر".
يا لها من فضائل عظيمة لمن كفل أرملة ولو بمبلغ يسير على حسب قدرته، فهو كأنه في الثغور، وكأنه صائم في النهار، وكأنه قائم في الليل، هذا من أوجه الصدقة.
ومن أوجه الصدقة -يا عباد الله-: أن ينفق الإنسان على أهل بيته، وهذا مما يؤجر عليه الإنسان، فإذا تصدق الإنسان وأحضر النية فإنها له صدقة، وكذلك الصدقة على الأقارب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة".
بعض الناس أكرمه الله بالمال لكنه يغفل عن أقرب الناس إليه، ربما يغفل عن أبيه وعن أمه وعن إخوانه وعن عمه وعن خالته وهي بحاجة ماسة إلى المال، فهذا من أعظم أوجه النفقة -يا عباد الله- بل إن الإنسان كلما أنفق نفقة واستحضر النية، فإنه يؤجر عليها.
على الإنسان أن يساهم في وجوه الخير الكثيرة المنتشرة.
اللهم يا حي يا قيوم با رك لنا في حياتنا وفي أنفسنا وفي أموالنا وفي أوقاتنا يا حي يا قيوم.
اللهم يا حي يا قيوم نسألك برحمتك أن ترحم كل مسكين وفقير، وأن تقض دين كل مديون، وأن ترحم كل مريض، وأن تشف كل مريض يا أرحمن الراحمين، يا رحمن يا رحيم أنزل علينا رحمتك.
اللهم إنا نسألك رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة ونحن في بيت من بيوتك أن تنزل علينا رحمة تسعدنا بها في الدنيا وفي القبور ويوم الحشر والنشور يا رب العالمين.
اللهم أنزل علينا رحمة يا حي يا قيوم تدخلنا بها الجنان مع سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم إنا نسألك رحمة تنقذنا بها من النار، اللهم حرم أجسادنا على النار، يا حي يا قيوم نسألك يا الله أن تحشرنا مع نبينا -صلى الله عليه وسلم-، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أوردنا حوضه يا رب العالمين، اللهم أظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
اللهم اجعلنا ممن يبشر بروح وريحان ورب راض غير غضبان، يا حي يا قيوم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، اللهم كره إلى قلوبنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم أحسن لنا الختام، اللهم اجعل آخر كلامنا من هذه الدنيا شهادة التوحيد يا رب العالمين، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا، أنزل على الأموات من المسلمين رحمة، اللهم أنزل عليهم رحمتك ومغفرتك، اللهم انقلهم من ضيق اللحود إلى جناتك جنات الخلود، يا حي يا قيوم بدل سيئاتهم إلى حسنات، يا أرحم الراحمين واجمعنا بهم في جنات النعيم يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوالهم في كل مكان، يا رب أصلح أحوالهم في الشام وفي العراق وفي اليمن.
اللهم عليك بالحوثيين شتت شملهم يا رب العالمين، وانصر جنودنا المرابطين يا حي يا قيوم، سدد أقوالهم وأعمالهم، اللهم يا حي يا قيوم من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسوء، اللهم فأشغله بنفسه، واجعل يا رب كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم وفق ولاة أمرنا، سدد أقوالهم وأعمالهم، وبارك في جهودهم وأعمارهم يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم نسألك كما جمعتنا في بيت من بيوتك أن تجمعنا بأعلى الجنان يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.