الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
تشبيه العبادة أيام الهرج والفتنة بالهجرة, لأن الهجرة لا يكاد يُساميها أي عمل, والسبب في ذلك: أن الهجرة صعبةٌ وشاقَّة ولا يقوم بها إلا الخُلَّص من المؤمنين ولأنها فِرارٌ بالدين. وهكذا المُشْتَغِلُ بالعبادة وقت الهرج والفتن والمخاوف, قد فَرَّ بدينه إلى ما ينجيه رُغْمَ كَثْرَةِ الصوارِف والعوائِق. أولها: الخوف والقلق وعدم الطمأنينة التي تشجع العبدَ على الإقبال على العبادة, لأن العبد في الغالب إذا اختل الأمن, وعَمَّت الفوضى, واختَلَفَت الأهواء, أولُ شيءٍ يفكر فيه, هو أن هذه الفتنة قد يكون هلاكُه أو هلاكُ أهلِه أو ماله فيها. الأمر الثاني: الانشغالُ بالفتنة, وصُعُوبَةُ اعتِزالِها, فهي حديث المجالس, ومنتهى التحليلات, حتى إنك لا تكاد ترى أحدا إلا ويتكلم فيها, إلا من رحم الله...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وابذلوا أسباب صلاحِكُم, واعلموا أن العبادة يتفاضل ثوابها على حسب تفاوُتِ وسائِلها, وأزمنتِها, وأماكنِها, وأحوالِها, كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
ومِن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ", وفي رواية لأبي نُعَيم: "الْعِبَادَةُ فِي الْفِتْنَةِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ".
وتشبيه العبادة أيام الهرج والفتنة بالهجرة, لأن الهجرة لا يكاد يُساميها أي عمل, والسبب في ذلك: أن الهجرة صعبةٌ وشاقَّة ولا يقوم بها إلا الخُلَّص من المؤمنين ولأنها فِرارٌ بالدين. وهكذا المُشْتَغِلُ بالعبادة وقت الهرج والفتن والمخاوف, قد فَرَّ بدينه إلى ما ينجيه رُغْمَ كَثْرَةِ الصوارِف والعوائِق.
أولها: الخوف والقلق وعدم الطمأنينة التي تشجع العبدَ على الإقبال على العبادة, لأن العبد في الغالب إذا اختل الأمن, وعَمَّت الفوضى, واختَلَفَت الأهواء, أولُ شيءٍ يفكر فيه, هو أن هذه الفتنة قد يكون هلاكُه أو هلاكُ أهلِه أو ماله فيها.
الأمر الثاني: الانشغالُ بالفتنة, وصُعُوبَةُ اعتِزالِها, فهي حديث المجالس, ومنتهى التحليلات, حتى إنك لا تكاد ترى أحدا إلا ويتكلم فيها, إلا من رحم الله. خصوصاً في هذا الزمان الذي أصبح فيه العالم كالبيت الواحد بسب الاتصال الفضائي, الذي جعل التواصُلَ سهلا, مما فتح الباب على مصراعيه للقنوات الإخبارية كي تنفثَ سمومَها, وتزيدَ النارَ اشتعالا, وتُشرِفَ على الفتكِ بجسد الأمة بنفْسِها, وتنشرَ المخاوفَ في قلوب وبيوتِ المؤمنين, ناهِيكَ عن شبكاتِ التواصل الأخرى, التي انشغلَ بها الصالحُ والطالِح, والصغيرُ والكبيرُ, والذكرُ والأنثى. حتى صارت هي الأخرى, باباً من أبوابِ الفتن ونقلِ الكلام ونشرِ الباطل, وإيغارِ الصدور, وإشغالِ الأجيال بما يصرفهم عن مصالحِهِم, وعن الأمرِ الذي خُلِقوا من أجله.
وأما المؤمنُ الصادقُ الناصحُ لنفْسِه, فإنَّ الفِتَنَ لا تُزيدُه إلا ابتعاداً وفِراراً منها, وإقبالا على الله. وشَتَّانَ بين من يَسْتَشْرِف للفتَن, ويسقى قلبَهُ من تحليلات القنوات والمُلهيات, وبين مَنْ يُقْبِلُ على الله, وينشغل بالصلاة والعبادة وقراءة القرآن. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، مَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ". ومعنى قوله: "مَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ", أي, من يتعرضُ لها, أو يتصدى لها, ويخوضُ فيها, فإنها تقابله بشرها وقد تهلكه, وأن من يعرض عنها تعرض عنه.
ثالثاً: أنه في الفتن يكون إقبالُ الناس على أمر الدنيا أكثرَ من إقبالهم على أمر الآخرة, فتكثر التنازلات على حساب العقيدة, ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا".
وهذا حَثُّ من النبي -صلى الله عليه وسلم-, على المبادرة والإسراع إلى الأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن التي تُشْغِلُ عنها, وتَزيغُ القلوبُ بسببها, ويبيع كثيرٌ من الناسِ بِسَبَبِها دينَهم. وهذا يدل على أن الخوضَ في الفتن وعدمَ اعتزالِها من أخطرِ ما يكون على دينِ المرء.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
أيها المسلمون: مِنْ أعظمِ ما يبعثُ الطُّمَأنينَةَ في نفوس المؤمنين الموقنين: أن المُستقبل للإسلام, وأن من توكل على الله كفاه حتى لو كادَ له أهلُ الأرضِ كلُّهم, وأَن مَن تعرَّف على الله في الرخاء عَرَفَه اللهُ في الشِّدّة, وأن التوبةَ والصدقةَ واللجوءَ إلى الله مِن أعظم أسباب رفع البلاء. وأن من اتقى الله جعل له مخرجا, وجعل له من أمره يُسْرا.
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنه لا نجاة ولا سعادة ولا طُمأنينة ولا أمانَ, إلا بالرجوع إلى الله والفرار إليه. وإن من الفرار إلى الله, عدمَ الاستقلالية في اتخاذِ الموقف الشرعي, حتى ولو كان طالبَ علم, والحرصَ على لزوم منهج أهل السنة في ذلك, ألا وهو الرجوع إلى ولاة الأمر وأهل العلم كي لا تفترق الكلمة ولا يكون لأصحاب الأغراض الفاسدة مدخل في صفوف المسلمين, قال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 83].
ففي هذه الآية تأديب من الله لعباده من أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة التي تتعلق بالأمن أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا ويذيعوه، وأن الواجب أن يردوه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته, وإلى سنته بعد مماته, وإلى أهل العلم والرأي, فإنهم إن فعلوا ذلك صارت عاقبة أمرهم حميدة وسلموا من كثير من الشرور, واتفقت كلمتهم.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كلِّ أرض يُستضعف بها المسلمين، اللهم ليس لهم حول ولا قوة إلا بك اللهم ليس لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز اللهم انصرهم على من ظلمهم وعاداهم.
اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين.
اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].