الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
الانحراف في الشبهات أخطر من الانحراف في الشهوات؛ لأن صاحب الشهوة، يرى أنه على خطأ وخطر، ويسأل الله أن يمن عليه بالتوبة ويشعر بالذنب والتقصير، ويسأل الله الهداية لنفسه، وتفيد معه المواعظ والزواجر...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أما بعد:
فيا عباد الله: تمر الأمة الإسلامية بظروف حرجة.
نسأل الله الكريم بقوته وعزته أن يصلح أحوالها، وأن يجمع كلمتها على الكتاب والسنة، وأن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يبطل كيد عداء الإسلام.
أيها المؤمنون: إن الشيطان -أعاذنا الله وإياكم منه- يحاول أن يغوي الإنسان بالوقوع في الشبهات أو الشهوات، ويتسلط عليه، ويظفر به ولو بشيء يسير.
والانحراف ينقسم إلى قسمين: انحراف في الشبهات، وانحراف في الشهوات بشتى صورها، أعني الانحراف بالشهوات، له صور كثيرة، وكذلك الانحراف في الشبهات له صور كثيرة.
والانحراف في الشبهات؛ أخطر من الانحراف في الشهوات؛ لأن صاحب الشهوة، يرى أنه على خطأ وخطر، ويسأل الله أن يمن عليه بالتوبة ويشعر بالذنب والتقصير، ويسأل الله الهداية لنفسه، وتفيد معه المواعظ والزواجر.
أما الانحراف في الشبهات؛ هو خطير جدا؛ لأنه انحراف في العقيدة، وصاحب الانحراف في الفكر يرى أنه على صواب، وأنه محق، وأن غيره قد أخطأ الطريق.
فما هي أسباب الانحراف في الشبهات؟ وما خطرها؟
أما أسبابها؛ فأذكر من أهمها: البعد عن الكتاب والسنة، وعدم فهمها على فهم السلف الصالح، على فهم الرعيل الأول، البعد عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وعدم التضلع منها، فهي الأمان؛ لأنها مبنية على كتاب الله وعلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وعلاج ذلك -يا عباد الله-: أن نغرس في النشأ الصالح، أن نغرس في قلوبهم العقيدة الصحيحة، أن يفهموها فهما حقيقيا صحيحا.
والسبب الثاني: عدم الفقه في دين الله -جل وعلا-، فالذي عنده انحراف في الفكر تجد أنه بضاعتها مزجاه لا يعرف الأحكام الشرعية، ويصدر الأحكام على الناس، يبدع هذا ويفسق ذاك، ويكفر الآخر بشبهة وبغير دليل ولا برهان.
وعلاج ذلك -يا عباد الله-: أن نعنى بالعلم الشرعي، والله -جل وعلا-، قال على لسان رسوله: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمً) [طه: 114].
والله -جل وعلا- أمر رسوله أن يتزود من العلم، بقوله: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمً) [طه: 114] فلم يأمره ربه -جل وعلا- ولم يطلب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزيادة إلا من العلم.
والله -جل وعلا- يقول: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9]، ويقول سبحانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].
ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الصحيحين: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
فمنطوق الحديث: أنك إذا رأيت الشاب، إذا رأيت المسلم يسلك طريق العلم والعلماء، فهذه بشرى عاجلة على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن الله أراد به خيرا.
ومفهوم المخالفة للحديث: أن الذي لا يريد به خيرا يصرفه عن العلم وعن العلماء.
ومن أسباب -يا عباد الله- الانحراف في الشبهات: وسائل الإعلام، كالإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها وأنواعها.
وهذا الإنسان غير مسلح بالعلم الشرعي، فيتلقى هذا الشاب هذه الشبه ويتبناها، ويعتقد صحتها، ثم ينحرف بفكره ثم بسلوكه، وعلى من يكتب في هذه الوسائل أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن يراقبه ربه في سره وفي علانية، وإن رمز لاسمه برموز لا تعلم عند البشر، لكن رب البشر يعلم السر وأخفى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].
يوجه سهامه، ويثير الفتن، يوجه سهامه للعلماء والولاة، ويطعن بهذا ويشكك بهم، وهذا يتنافى مع دين الإسلام: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فيكتب ويثير الشبهـات، فيتلقى هذا الشاب هذه الشبه، ثم تصبح عنده من المعتقدات ومن المسلمات.
ومن أسباب الانحراف: العلم من غير أهله، أن يأخذ العلم من غير أهله من حدثاء الأسنان، من حدثاء السن الذين لم يعرفون بعلم، وإنما دافعهم الحماس والعاطفة، فيأخذ منهم العلم، وربما زهدوه بالعلماء وبطلاب العلم المتضلعين والراسخين في العلم.
ويقول عن هؤلاء: إنهم لا يفقهون الواقع، ولا يفهمون من الواقع شيئا، بل ربما طعن بالعلماء الكبار من شابت لحاهم في العلم والتعليم، نعم هذا من أسباب الانحراف، أو من أهم أسباب الانحراف.
ومنها: أيضا الجلساء، فعلى الانسان أن يُعنى بجليسه، إذا رأى صاحب الشبهة يبعد عنه فإنه سيمرض قلبه ويورده المهالك.
أما المخاطر، فمن أهمها -يا عباد الله-: أن يُشكل الانسان على نفسه الخطر، ويشكل الخطر على أبيه وعلى أمه وأهل بيته وجيرانه، بل يشكل خطرا على مجتمعه، ربما يقدم على أفعال مشينة، ربما يقتل نفسه، ويفجر نفسه، ربما يستبيح الدماء، ويقتل الأبرياء، وربنا -جل وعلا- يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
ومن قتل نفسه -يا عباد الله- فإنه يعذب نفسه بما قتلها به يوم القيامة، فيقدم على هذه الأفعال المشينة، يقول ربنا -جل وعلا-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].
فاعلموا جاهد -رحمه الله- أي بالإثم -والعياذ بالله-، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الحديث الذي رواه ابن عمر في صحيح البخاري: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".
ويقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "لزوال الدنيا أهون من قتل رجل مسلم".
فالأمر عظيم، فهذا شكَّل خطر على نفسه وعلى مجتمعه، وقد يؤدي به ذلك إلى سوء الخاتمة -والعياذ بالله-.
ومن أخطار الانحراف في الشبهات: إثارة الفتن، والمصائب في بلاد المسلمين، وأن يستعدي المسلم أهله، ويجلب لبلده وأهله الفتن والمصائب، ويحقق ذلك شاء أم أبى أهداف أعداء الإسلام الذين يريدون أن ينالوا من بلاد المسلمين.
وما حصل -يا عباد الله- في شمال المملكة من قتل لرجال الأمن إلا لانحراف الفكري، وإلا كيف يقدم المسلم على قتل معصوم الدم، ويقتل نفسه؟
رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا".
ماذا يقول من أقدم على هذه الجريمة الشنعاء ومن أعانه ومن ساعده ومن برر له هذا الصنيع؟
نسأل الله السلامة والعفو والعافية والهداية لجميع المسلمين.
بارك الله لي ولك في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات الذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفره إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا يليق بجلاله الله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، لك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واشكروه على نعمه، اشكروه على نعمة الأمن والاستقرار، وحافظوا عليها: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج: 41 ].
وتعاونوا -يا عباد الله- على الخير: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
واحرصوا -يا رعاكم الله- على جمع الكلمة، وتأليف القلوب، واحذروا من النزاع والخلاف والشقاق: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].
اشكروا الله على نعمة الأمن: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3ـ-4].
إذا اختل الأمن -يا عباد الله-: لا يستطيع المسلم أن يؤدي الواجبات، أن يؤدي الحقوق، لا من حج ولا من صلاة ولا من غيرها من العبادات، انظروا إلى البلاد التي اختل بها الأمن واسألوا أهلها ماذا حصل لهم؟
أسأل الله الكريم في هذ الساعة المباركة الذي يرانا ويسمع كلامنا، ويعلم سرنا ونجوانا، أن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا، يا رب، يا من أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة، نسألك أن تحفظ علينا عقيدتنا وديننا وأمننا واستقرارنا.
اللهم اجمع قلوبنا على الكتاب والسنة يا رب العالمين.
اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء يا رب اللهم أشغله بنفسه، اللهم أبطل كيده، اللهم اجعل تدبيره في تدميره، اللهم أدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين، اللهم احفظ بلاد الحرمين وسائر بلاد المسلمين من كيد الحاقدين، اللهم أبطل كيدهم يا رب العالمين، اللهم احفظ مكة وسائر بلادنا يا رب العالمين، وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعد الأمن إلى سائر بلاد المسلمين، أعده يا رب في العراق وفي اليمن وفي الشام وفي كل بلدان المسلمين.
اللهم انشر الأمن يا حي يا قيوم، يا رب إن البرد نزل بإخواننا في بلاد الشام وأنت أرحم الراحمين، تعلم ما حل بهم من البلاء، اللهم أنزل عليهم رحمتك، أنزل عليهم فرجك، اللهم أنزل عليهم فرجك.
اللهم سخر لهم عبادك يا رب العالمين، اللهم انصف كل مظلوم من المظلومين، وفرج هم كل مهموم من المسلمين، واشف كل مريض يا رب العالمين، اللهم كما جمعتنا في بيت من بيوتك، اللهم اجمعنا في أعلى الجِنانْ مع سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-.
اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
اللهم اهد شباب المسلمين، يا رب نسألك أن تهد شباب المسلمين، اللهم نور بصائرهم بالقرآن والسنة يا رب العالمين، اللهم نور قلوبهم بالكتاب والسنة يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.