الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عبده نعمان العواضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن الحديث عن الخاتمة حديث تشرئبُّ إليه الأعناق المؤمنة، وتقف له القلوب الحية؛ لأنه حديث عن النهاية، وحديث عن المرحلة الأخيرة من سفر الدنيا، وحديث عن الحال التي سيقابل بها كل إنسان ربه، فهي الصفحة الأخيرة من دفتر الحياة، وعليها ختم السعادة أو الشقاوة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله أول الأمر وآخره، وباطنه وظاهره، أحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزِنة عرشه، ومدادَ كلماته.
وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرسول المأمون، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء1]. (يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وقُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم ويَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً) [ الأحزاب70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إن الله -تعالى- جعل لكل إنسان عمراً واحداً من عمر هذا الزمن الدنيوي، وأبهم عنه مقدار نصيبه من هذه الحياة الموقوتة؛ ولهذا يظل المسلم اليقظ دائمَ الانتباه، حاضر الاستعداد لملاقاة أجله، واستيفاء عمره على هذه الدنيا فيما ينفعه حين رجوعه إلى ربه.
هذا الحس الساهر يبعده عن سِنة الغفلة، ونعاس الفتور، والقعود عن التهيؤ ليوم المعاد؛ فيكون عند ذلك من المسارعين على الصراط المستقيم، فإذا بقي هذا الشعور حياً ساق صاحبه إلى حسن الخاتمة.
عباد الله: إن الحديث عن الخاتمة حديث تشرئبُّ إليه الأعناق المؤمنة، وتقف له القلوب الحية؛ لأنه حديث عن النهاية، وحديث عن المرحلة الأخيرة من سفر الدنيا، وحديث عن الحال التي سيقابل بها كل إنسان ربه، فهي الصفحة الأخيرة من دفتر الحياة، وعليها ختم السعادة أو الشقاوة.
فلأجلها بقيت سبل الخير آهلة بالعاملين، وظل المؤمن قريباً من ربه يتقرب إليه، ويتضرع بين يديه، ولأجلها شمّر المشمرون، وجدّ العابدون، ولأجلها حلّق المؤمنون في آفاق العمر على جناحي الخوف والرجاء: يرجون رحمة الله وفضله، ويخافون عقوبته وتحويل القلوب عنه. فكم ذرفت لها من دموع، وهجرت جنوبٌ النومَ واللذائذ والهجوع!.
كان سفيان الثوري -رحمه الله- يبكي فيشفق عليه أهله وقالوا: أتبكي الذنوب؟ فقال: "الذنوب أهون عليّ من هذه -وأشار إلى تبنة بيده- إنما أخاف سوء الخاتمة!". قال -تعالى-: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة217].
أيها الناس: إن الناظر إلى حال بعض الناس ليرى الغفلة المطبقة عن الاهتمام بالخاتمة الحسنة، فهناك لهو ولعب، وتضييع وهجران لأعمال الآخرة، مع جد ونصب وحرص على أعمال الدنيا وملهياتها.
والمستقبل الذي يفكرون به: بلوغ الأماني والآمال الدنيوية فحسب. أو كما قال القائل:
إنما الدنيا طعام | وهيام ومُدام |
فإذا فاتك هذا | فعلى الدنيا السلام! |
ولهذا تأتي خاتمة الغافلين لتكشف عن سِجِلِّ حياتهم، وتلخّص رحلة عمرهم، وتبدي للناس ما يشغل بالهم، ويسيطر على تفكيرهم، وتعلن عن أعظم اهتماماتهم في مسيرة عمرهم؛ فهذا يختم كتاب عمره بمعصية ليبعث عليها يوم القيامة، وذاك ينهي عمره بالحديث عما شغله في الدنيا عن الآخرة من مال أو جاه أو عقار أو نحو ذلك، والآخر يودع الحياة والأحياء صامتاً لم يستطع أن يقول: لا إله إلا الله، ويستطيع قول غيرها من الكلام!.
فشتان بين هؤلاء وبين المستعدين للآخرة طول حياتهم! فإذا جاءهم الموت خُتم لهم بخير، فمِن ميتٍ يموت على عمل صالح، ومن يقول الشهادة عند الاحتضار وتكون آخر كلامه من الدنيا، ومن يجيئه الموت على أثر طاعة أنجزها فتكون آخر عهده من الدنيا.
مات أبو ثعلبة الخشني ومجاهد بن جبر وهما ساجدان لله -تعالى-، وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان يخرج من بيته إلى المسجد فيصلي الضحى وتقبض روحه في المسجد، ويحيى بن عمار يموت وهو يفسر سورة القيامة، وأبو زرعة المحدِّث يفارق الدنيا وهو يسرد سند حديث، وعبد الحميد كشك الذي أحب يوم الجمعة اغتسل في آخر جمعة له في الدنيا وتطيّب وتهيأ للذهاب إلى المسجد فصلى ركعتين وفي الركعة الثانية قبضت روحه، رحمة الله عليهم أجمعين. قال -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم27].
أيها المسلمون: إن الصالحين من عباد الله ينظرون إلى الخاتمة بعين الاهتمام والاعتناء؛ خشية أن يتخبطهم الشيطان في أعقاب أيامهم، وقبيل غروب شمس حياتهم؛ فيظلون عاملين خائفين، فالقلوب بيد علام الغيوب يقلبها كيف يشاء، والنفوس أمارة بالسوء تتربص بالإنسان دوائر الشر، وفتن الشبهات والشهوات كثيرة تقف على كل طريق، والناجون قليل، والهالكون كثر.
عن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، قالت: قلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال: "يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ"، فتلا معاذ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران:8]. رواه الترمذي.
عباد الله: إنما يخشى أهل الإيمان عمل الخاتمة؛ لأنه "من مات على شيء بعث عليه"، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيما روى أحمد والحاكم. وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: "وإنما الأعمال بالخواتيم" رواه البخاري. قال ابن رجب -رحمه الله-: أي: "صلاحها وفسادها، وقبولها وعدمه، بحسب الخاتمة".
وقصَتْ رجلاً راحلتُه وهو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يغسلوه بماء وسدر، وأن يكشفوا وجهه ورأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة وهو يُهل" رواه مسلم.
ولهذا كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يدعو فيقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم.
أيها المسلمون: من أراد حسن الخاتمة، وطيَّ آخر صفحة من صحيفة العمر ليلقى ربه سعيداً؛ فليكن صافي العقيدة، خالص النية، صالح القلب. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار" متفق عليه.
ومن أراد حسن الخاتمة فليداوم على الأعمال الصالحة، وليقلع عن الأعمال السيئة، فإن جاءه الموت أتاه على خير حال، وانتقل إلى ربه أحسن انتقال. قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. والمعنى: داوموا على الإسلام حتى الموت تُقبضوا عليه.
ومن الأعمال: الصلوات الخمس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى البردين دخل الجنة" متفق عليه. ومعنى ذلك: أن من حافظ على صلاتي الفجر والعصر فهُو لبقية الصلوات أحفظ، ومن حافظ على الصلوات كلها رُزق حسن الخاتمة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر" رواه أصحاب السنن .
ومن أراد حسن الخاتمة فليكثر من الدعاء بالثبات على دين الله، والدعاء بحسن الخاتمة، مثل قوله -تعالى-: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران8]. ومثل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" رواه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم.
كان عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا صلى رفع يديه قائلاً: "اللهم أسألك المِيتة الحسنة"، فقال أبناؤه: وما هي المِيتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني وأنا ساجد، فقام وصلى فقبض الله روحه وهو ساجد. رحمه الله.
معشر المسلمين: هناك الكثير من المسلمين يرجون حسن الخاتمة، ويدعون بذلك، ولكن؛ كيف يرجو حسن الخاتمة من هو منهمك في الخطايا، بل ويجاهر بها ويدعو إليها؟!
إن الاستمرار على الذنوب والإدمان عليها يحول بين المسلم وبين حسن الخاتمة، فالمعصية قد تخون صاحبها وتحضره في أحلك الظروف وأشد المواقف، ولا أضرَّ على العبد من حضورها حين مغادرة الحياة الدنيا إلى الآخرة.
ولا يعني هذا أن الإنسان يصبح من المعصومين من الذنب، إنما المراد أن يجاهد نفسه عن قربانه، فإذا وقع فليسارع بالتوبة النصوح.
وكيف يرجو حسن الخاتمة من طال أمله وساء عمله، وهو يمنِّي نفسه بالعمل الصالح، والأوبة إلى الله من العمل السيئ عندما يشيب، أو يترك الوظيفة، أو يتزوج، أو يرجع إلى وطنه؟ فمن يضمن للإنسان أن يصل إلى هذه الأماني؟ فإن المنية كثيراً ما تسبق الأمنية، والتسويف وطول الأمل يفسد على المسلم دينه في الحاضر والمستقبل.
وكيف يرجو حسن الخاتمة -يا عباد الله- من يتكل على رحمة الله دون أن يعمل ويقول: الله غفور رحيم، وينسى أن عذابه هو العذاب الأليم! وينسى -كذلك- أن رحمته لا ينالها إلا أهل طاعته، كما قال -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:156]. قال بعض الصالحين: "رجاؤك مَن لا تطيعه من الخذلان والحمق!".
وكيف يرجو حسن الخاتمة مَن لا يحب الصلاح والصالحين، وإنما يحب الفساد والمفسدين؛ لأن أحباب الإنسان قد يأتون حبيبهم عند الموت، فأصدقاء الطاعة يذكّرونه بالآخرة، وبكلمة التوحيد، وبسعة رحمة الله -تعالى-، وبأعماله الصالحة التي كان يعملها؛ لعله يعظم رجاؤه بها، ويدعون له بالتثبيت.
دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك"؟ قال: والله! يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.
أما أصدقاء المعصية، فإن حضروا عند رفيقهم فإنما يذكرونه بالدنيا، وبمعصية الله -تعالى-، ولا ينفعونه؛ بل قد يضرونه في هذا الموقف العصيب. عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ دخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أي عم، قل: لا إله إلا الله، أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فنزلت: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [التوبة:113]. متفق عليه.
نسأل الله حسن الخاتمة، وحسن المنقلب، وكرم نُزل الرب الكريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير النبيين، وسيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المسلمون، إن هناك علامات تحدث عند موت بعض المسلمين، ينكشف بها حسن قدوم تلك النفس على ربها -تبارك وتعالى-، جعلت تلك الأمارات مرائي ناصعة للميت وللأحياء يرون من خلالها حسن المصير والمنقلب إن شاء الله -تعالى-.
فمن تلك العلامات التي تدل على حسن الختام: أن يقول الإنسان عند موته: لا إله إلا الله، فإذا نطق بها بنفسه، أو سمعها من الحاضرين فقالها ومات عليها -ولو طال الوقت من قولها حتى خرجت الروح- فقد حسنت خاتمته. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة" رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
وهذه الكلمة -عباد الله- لا تحضر على فم الإنسان وعقله في ذلك الموقف الرهيب إلا إذا كان يعمل بها في حياته، فإذا كان بعيداً عنها فلن يستطيع أن يقولها. كما قال ذلك الرجل المحتضر حينما قيل له: قل: لا إله إلا الله؛ فقال إنه يستطيع أن يقول كل كلمة إلا هذه الكلمة. والسبب أنه لم يعش لأجلها.
ومن العلامات المبشرة: أن يموت الإنسان غازياً أو مرابطاً في سبيل الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران:169].
ومن العلامات: أن يكون صالحاً فمات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" رواه أحمد والترمذي. أما إذا كان غير صالح فلا بشارة له بذلك، إذا مات ليلة الجمعة أو يومها.
ومن العلامات: الموت بعرق الجبين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن يموت بعرق الجبين" رواه أحمد والترمذي والنسائي.
عباد الله، من البشارات عند الموت: أن يقتل المسلم دفاعاً عن الدين أو النفس أو المال أو العرض. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" رواه أهل السنن.
ومن العلامات -أيضاً-: موت المسلم صابراً على مرض من الأمراض كالطاعون، وداء البطن، أو السل، أو الموت بحرق أو غرق أو هدم، وموت المرأة في نفاسها. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله -عز وجل-" متفق عليه. وفي رواية: "وصاحب ذات الجَنْب شهيد، وصاحب الحَرق شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة" رواه النسائي وهو صحيح. "بجمع"، أي: المرأة تموت من الولادة وولدها في بطنها قد تم خَلْقه. وقيل: إذا ماتت من النفاس سواء ألقت ولدها وماتت، أو ماتت وهو في بطنها.
عباد الله: ينبغي أن نعلم أن المسلم إذا مات على إحدى هذه العلامات فلا يصح أن يُجزم بأنه من أهل الجنة قطعاً وجزماً، ولكن يُرجى له ذلك، والمسلم يحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
وكذلك إذا تخلفت هذه العلامات عند موت مسلم لا يعد ذلك علامةَ خسران وحكماً بالنار؛ فالعلامة المميزة في الحقيقة هي سيرة الإنسان في حياته، وعمله في عمره، فالاستقامة مع الإخلاص وحدها علامة من علامات حسن الخاتمة، وإن لم يحصل لصاحبها واحدة من العلامات المذكورة.
فيا أيها المسلمون: لنجعل شغلنا الشاغل وهمنا الأكبر إحسان القدوم على الله -تعالى-، بملازمة الطاعات بدون تأجيل، وهجر المعاصي من غير تسويف للتوبة منها.
ولنكن مخلصين في أقوالنا وأعمالنا؛ لأن النفاق والرياء قد يكونان سببين من أسباب سوء الخاتمة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنه من أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة" متفق عليه.
وعندنا تذكير يومي بالخاتمة -لو عقلناه- وهو من علامات حسن الخاتمة، وهو أن نقول صباحاً ومساء دعاء سيد الاستغفار، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيد الاستغفار: اللهم، أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت". قال: "من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" رواه البخاري.
وعلينا أن نعي هذه الحكمة: من عاش لشيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
فاللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وثبت اللهم على دينك قلوبنا، وعلى صراطك أقدامنا، واختم بالصالحات أعمالنا، يا سميع الدعاء.
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير...