السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فكم من الناس لا يبصر وجعلك الله بصيرًا!، وهذه نعمة كبيرة. كم من الناس منومًا في المستشفى من سنوات، وأنت تمشي على قدميك، وفي بيتك وبين أولادك في خير وعافية!، وكم من الناس ليس عنده قوت يومه وأنت لديك قوت يومك...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1](يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: قال الله -عز وجل-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]، إنَّ شكر الله -عز وجل- من مقامات العبادة التي يجب على المسلم القيام بها.
ومعنى الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعِم على وجه الخضوع، وقال ابن القيم: "الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة"، وقيل: الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاك من معروف.
وللشكر أركان ثلاثة، وهي:
1- الاعتراف بالمنعم، ومعنى ذلك أن تُقِرّ بقلبك وتُوقِن وتجزم أن الذي أسدى إليك النعم هو الله -عز وجل-، فلا يجوز أن تنسب النعمة إلى أيّ أحد من الناس؛ فقد يكون هؤلاء أسبابًا، لكن صاحب الفضل الحقيقي هو الله -عز وجل- وهو -سبحانه وتعالى- الذي سخَّر لك أشخاصًا حتى تحقّق ما تريد.
ثم حتى يعلم المسلم نعم الله عليه لا تنظر إلى من هو أكثر وأعلى منك في أي نعمة، بل تنظر إلى من هو أقل منك؛ حتى تعلم أن الله -عز وجل- فضَّلك على كثير من الناس ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهذا أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"(صححه الألباني).
فكم من الناس لا يبصر وجعلك الله بصيرًا!، وهذه نعمة كبيرة. كم من الناس منومًا في المستشفى من سنوات، وأنت تمشي على قدميك، وفي بيتك وبين أولادك في خير وعافية!، وكم من الناس ليس عنده قوت يومه وأنت لديك قوت يومك!، وهكذا فانظر إلى من هو أقل منك حتى تعرف نعم الله عليك فتزيد شكرك لله -عز وجل-.
2- الركن الثاني من أركان الشكر هو: التحدث بالنعم باللسان؛ فتشكر الله -عز وجل- بلسانك دائمًا، وخاصة إذا سألك أحد عن حالك وعن نعمة الله عليك؛ فلا تتذمر من نعم الله عليك، وتقول فلان أحسن مني، بل قل: الحمد لله، والشكر لله بقلبك وبلسانك.
3- الركن الثالث من أركان الشكر: أن تستخدم النعم في طاعة الله -عز وجل- ولا تستخدمها في المعاصي؛ فإذا أكرمك الله بمال استخدمه في طاعة الله من زكاة وإنفاق وصدقات، ولا تستخدمه في حرام ومعاصٍ، ومن رزقه الله ذرية عليه أن يربيهم على الدين.
وشكر الله -عز وجل- بالجوارح أن تستعملها في طاعة؛ فالعينان لا تنظر بها إلى حرام في التلفاز أو وسائل الإعلام الحديثة أو الأسواق؛ فأنت قد عصيت في نعمة البصر؛ لأنك استخدمتها في حرام، وكذلك نعمة السمع لا تسمع بالأذنين إلا حلالاً، وهذا شكر لهذه النعمة؛ فإن استخدمتها في سماع الغيبة والنميمة والأغاني والمحرمات؛ فأنت قد عصيت هذه النعمة، وهكذا اليدان والرجلان وغيرهما من هذه الجوارح.
عباد الله: من صفات المؤمنين أنهم يشكرون في السراء ويصبرون في الضراء، أي البلاء فقد ثبت في الحديث عن صهيب -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر مؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له"(رواه مسلم).
ثم اعلموا أن الشكر سبب لنيل رضا الله -عز وجل- قال -سبحانه-: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)[الزمر:7].
ولذلك الشكر أمان من العذاب (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)[النساء:147]. وسبب في حفظ النعم وزيادتها؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
نسأل الله أن يوقفنا لشكر نعمه ظاهرة وباطنة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وإذا سألنا أنفسنا كيف نكون شاكرين لله -عز وجل-؟ فإن عليك -أخي المسلم- حتى تكون شكورًا لله -عز وجل- عليك بأمور منها:
1-تقوى الله -عز وجل- والعمل بطاعته قال -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران:123].
2-القناعة والرضا بما قسم الله لك؛ فقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم-: "وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ".
وذهب رجل إلى أحد العلماء وشكا فقره.
فقال له العالم: أيسرك أنك أخرس ولك عشرة ألف درهم؟ قال الرجل: لا.
فقال له العالم: أيسرك أنك أعمى ولك عشرة ألف درهم؟ قال الرجل: لا.
فقال له العالم: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة ألف درهم؟ فقال الرجل: لا.
فقال له العالم: أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألف درهم؟ فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أما تستحي أن تشكر مولاك في فقرك وله عندك نعم بخمسين ألفًا؟! فعرف الرجل نعم الله عليه، وظل يشكر ربه، ويرضى بحاله، ولا يشتكي إلى أحد أبدًا.
وعلينا أن نشكر الله ونرضى بما قسم الله لنا، وعلينا أن نهتم بصلاة الضحى؛ لأنها تكفي عن شكر المفاصل.
وأن نقول الدعاء: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وتقول كل صباح ومساء: "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر" في الصباح والمساء.
نسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ألا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة.