المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | صالح بن مقبل العصيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
وَعِندَمَا رَاسَلَهُ بَعْضُ الأَخيار،ِ مُسْتَفْسِرِينَ عَمَّا أَشَاعَهُ الوشَاةُ والأَفَّاكُونَ مِنْ أَبَاطِيلَ حَوْلَ مُعْتَقَدِهِ؛ أجَابَـهُمْ بِـهَذِهِ الرسَالَةِ، التِـي تُوضِّحُ بِـجَلَاءٍ مُـجْمَلَ مَا يَعْتَقِدُهُ الإِمَامُ مُـحَمَّد بنُ عبدِ الوهَّابِ، رحمه الله رَحِـمةً واسعة،ً وَهَذَا نَصُّ الرسَالَةِ: ...
الخطبةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِباَدَ اللهِ: لَا يَـخْفَى عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا الْعَصْرِ -خَاصَّةً فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ- عَظَّمَ اللهَ، وَوَحَّدَهُ، وَنَفَى عَنْهُ النِّدَّ وَالنَّظِيـرَ، وَالْمَثِيلَ وَالشَّرِيكَ، وَوَقَّرَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، مَا لِلْإِمَامِ الْمُجَدِّدِ شَـيْخِ الإِسْلَامِ مُـحَمَّد بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْـمَةِ، مِنْ دَوْرٍ عَظِيمٍ فِي ذَلِكَ التَّوْحِيدِ الْعَظِيمِ، بَلْ وَفِي تَصْحِيحِ عَقَائِدِ كَثِيـرٍ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَزَمَانِنَا، وَظَهَرَتْ آثَارُ دَعْوَتِهِ الْمُبَارَكَةِ عَلَى غَالِبِ الصِّقَاعِ وَالبِقَاعِ فِي زَمَانِهِ، وَمِنْ بَعْده، فَرَحمَ اللهُ بِهِ كَثِيـرًا مِنَ النَّاسِ، حَيْثُ حَـمَاهُمْ -بِفَضْلِ اللهِ، ثُمَّ بِفَضْلِ دَعْوَتِهِ الْـمُبَارَكَةِ- مِنَ الشِّرْكِ، وَإِنزَالِ غَيـرِ اللهِ مَنزِلَةَ اللهِ.
لَقَدْ كَانَ -رحمه الله- مِـمَّنْ يَرجُونَ للهِ وَقَارًا؛ فَنَافَحَ عَنِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ السُّنِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ السَّلِيمَةِ مُنَافَحَةً عَظِيمَةً، بِدَعْمٍ وَتَأييدٍ مِنْ إِمَامِ زَمَانِهِ، وَحَاكِمِ عَصرِهِ وبِلَادِهِ، مُؤَسِّسِ الدَّولَةِ السُّعُودِيَّةِ الْـمُبَارَكَةِ، الإِمَامِ مُـحَمَّد بنِ سُعُودٍ، رحمه الله رَحِـمةً واسعة،ً فاتَّفقَ الحاكمُ والعالِـمُ علَى حَثِّ الناسِ علَى تَـجرِيدِ تَوحِيدِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الشِّرْكِ، وجعلهُ خَالِصًا للِه -جَلَّ وَعَلَا-، وَتَـخلِيصِ النَّاسِ مِنْ شَوَائِبِ الشَّرْكِ وَأَدْرَانِهِ، فنَفَعَ اللهُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ بتلكَ الدعوةِ الْـمُبَارَكَةِ نفعًا عظيمًا، واستمرَّ خيـرُهَا، وآتتْ أُكُلَهَا، منْ يَوْمِهِ إِلَى يومِنَا هَذَا، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ؛ مَعَ مَا لاقَوْهُ مِنْ أذًى وكذِبٍ عَلَيْهِ، وافتِـرَاءَاتٍ بَاطِلَةٍ؛ مِنْ ذَلِكَ اليومِ إِلَى يومِنَا هَذَا.
وَكَانَ -رحمه الله- يُـجِيبُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَألهُ عَنْ عَقِيدتِهِ بِلَا تَكَبُّـرٍ، ولا استعلاءٍ، وَلَا ضِيقِ صَدْرٍ؛ وَكَأَنَّهُ يَتَمَثَّلُ بِقَولِ شيخِ الإسلامِ -رحمه الله-:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي | رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ |
وَعِندَمَا رَاسَلَهُ بَعْضُ الأَخيار،ِ مُسْتَفْسِرِينَ عَمَّا أَشَاعَهُ الوشَاةُ والأَفَّاكُونَ مِنْ أَبَاطِيلَ حَوْلَ مُعْتَقَدِهِ؛ أجَابَـهُمْ بِـهَذِهِ الرسَالَةِ، التِـي تُوضِّحُ بِـجَلَاءٍ مُـجْمَلَ مَا يَعْتَقِدُهُ الإِمَامُ مُـحَمَّد بنُ عبدِ الوهَّابِ، رحمه الله رَحِـمةً واسعة،ً وَهَذَا نَصُّ الرسَالَةِ: أُشْهِدُ اللهَ، وَمَنْ حَضَرَنِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَأُشْهِدُكُمْ؛ أَنِّي أَعْتَقِدُ مَا اِعْتَقَدَتْهُ الفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ، أَهْلُ السُّنةِ والْـجَمَاعَةِ، مِنَ الإِيـمَانِ باللهِ، وملائكتِهِ، وكتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، والبعثِ بعدَ الْموتِ، وَالإيـمَانِ بالقَدَرِ خَيْـرِهِ وَشَرِّهِ، وَمِنَ الإيـمَانِ باللهِ: الإيـمَانُ بِـمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَيْـرِ تَـحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ.
بَلْ أَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيـرُ، فَلَا أَنْفِي عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَا أُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا أُلْـحِدُ فِي أَسْـمَـائِهِ وَآياتِهِ، وَلَا أُكَيِّفُ، وَلَا أُمَثِّلُ صِفَاتِهِ -تَعَالَى- بصِفَاتِ خَلْقِهِ؛ لأَنَّهُ -تعالى- لَا سَـمِيَّ لهُ، وَلَا كُفْؤَ، وَلَا نِدَّ لهُ، وَلَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ؛ فَإِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيرِهِ، وَأَصْدَقُ قِيلًا، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا؛ فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَـمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ مِنْ أَهْل التَّكْيِيفِ والتَّمِثِيلِ، وَعَمَّا نَفَاهُ عَنْهُ النَّافُونَ مِنْ أَهْلِ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ؛ فَقَالَ: (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ * والحمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ).
والفرقَةُ النَّاجِيَةُ وَسَطٌ فِي بَابِ أَفْعَالِهِ -تعالى- بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ، وَهُمْ فِي بَابِ وَعِيدِ اللهِ بَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْوَعِيدِيَّةِ؛ وَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ الإِيمَانِ والدِّينِ بَيْنَ الْحَرُورِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ.
وَأَعْتَقِدُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ مُنَزَّلٌ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَأَمِينِهِ عَلَى وَحْيهِ، وَسَفِيرِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَأُومِنُ بِأَنَّ اللهَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي الْعَالَمِ يَخْرُجُ عَنْ تَقْدِيرِهِ، وَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ تَدْبِيرِهِ، وَلَا مَحَيدَ لأَحَدٍ عَنِ الْقَدَرِ الْمَحْدُودِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ مَا خُطَّ لَهُ فِي الَّلوْحِ الْمَسْطُورِ.
وَأَعْتَقِدُ الإِيمَانَ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأُومِنُ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ، وَبِإِعَادَةِ الأَرْوَاحِ إِلَى الأَجْسَادِ، فَيَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلَا، تَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، وَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، وَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ؛ (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)، وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ؛ فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيمِينِهِ، وَآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ.
وَأُومِنُ بِحَوْضِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- بِعُرْصَةِ الِقِيَامَةِ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، آنِيَتُهُ عَدَد نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَأُومِنُ بِأَنَّ الصِّرَاطَ مَنْصُوبٌ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، يَمُرُّ بِهِ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ.
وَأُومِنُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٌ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَلَا يُنْكِرُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- إِلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ بَعْدِ الإِذْنِ وَالرِّضَا؛ كَمَا قَالَ -تعالى-: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، وَقَالَ -تعالى-: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)، وَقَالَ -تعالى-: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)، وَهُوَ لَا يَرْضَى إِلَّا التَّوْحِيدَ؛ وَلَا يَأْذَنُ إِلَّا لأَهْلِهِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّفَاعَةِ نَصِيبٌ؛ كَمَا قَالَ -تعالى-: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ).
وَأُومِنُ بِأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ، وَأَنَّهُمَا الْيَوْمَ مَوْجُودَتَانِ، وَأَنَّهُمَا لَا يَفْنَيَانِ؛ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ.
وَأُومِنُ بِأَنَّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَلَا يَصِحُّ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ؛ وَأَنَّ أَفْضَلَ أُمَّتِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ الْفَارُوقُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ، ثُمَّ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَي، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ، ثُمَّ أَهْلُ الشَّجَرَةِ؛ أَهْلُ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، ثُمَّ سَائِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَأَتَوَلَّى أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- وَأَذْكُرُ مَحَاسِنَهُمْ، وَأَتَرَضَّى عَنْهُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَأَكُفُّ عَنْ مَسَاوِيهِمْ، وَأَسْكُتُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَأَعْتَقِدُ فَضْلَهُمْ؛ عَمَلًا بِقَوْلِهِ -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
وَأَتَرَضَّى عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطَهَّرَاتِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَأُقِرُّ بِكَرَامَاتِ الأَولِيَاءِ، وَمَالَهْمِ مِنَ الْمُكَاشَفَاتِ؛ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ حَقِّ اللهِ -تعالى- شَيْئًا، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيهِ إِلَّا اللهُ، وَلَا أَشْهَدُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ؛ إِلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- وَلَكِنِّي أَرْجُو لِلْمُحْسِنِ، وَأَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ، وَلَا أُكَفِّرُ أَحَدًا مِنَ الْمُسلِمينَ بِذَنبٍ، وَلَا أُخْرِجُهُ مِنْ دَائِرَةِ الإِسلَامِ، وَأَرَى الْجِهَادَ مَاضِيًا مَعَ كُلِّ إِمَامٍ؛ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ خَلْفَهُمْ جَائِزَةٌ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّجَّالَ؛ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ.
وَأَرَى وُجُوبَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ؛ مَا لَمْ يَأْمُروا بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَاجتَمَعَ علَيهِ النَّاسُ، وَرَضُوا بِهِ، وَغَلَبَهُمْ بِسَيْفِهِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً؛ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ؛ وَحَرُمَ الخُرُوجُ عَلَيهِ، وَأَرَى هَجْرَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمُبَايَنَتَهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا، وَأَحْكُمُ عَلَيهِمْ بِالظَّاهِرِ، وَأَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ فِي الدِّينِ بِدْعَةٌ.
وَأَعْتَقِدُ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ بِالِّلسَانِ، وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ، وَاِعْتِقَادٌ بِالْجَنَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَأَرَى وُجُوبَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ الطَّاهِرَةُ.
فَهَذِهِ عَقِيدَةٌ وَجِيزَةٌ حَرَّرْتُهَا وَأَنَا مُشْتَغِلُ الْبَالِ؛ لِتَطَّلِعُوا عَلَى مَا عِنْدِي، وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ. اهـ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
ثُمَّ قَالَ -رحمه الله-: لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِسَالَةً قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ، وَأَنَّهُ قَبِلَهَا وَصَدَّقَهَا بَعْضُ الْمُنْتَمِينَ لِلْعِلْمِ فِي جِهَتِكُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا افْتَرَى عَلَيَّ أُمُورًا لَمْ أَقُلْهَا، وَلَمْ يَأْتِ أَكْثَرُهَا عَلَى بَالِي.
فَمِنْهَا قَوْلُهُ: إِنِّي مُبْطِلٌ كُتُبَ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ، وَإِنِّي أَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ مِنْ سِتِّمَائَةِ سَنَةٍ لَيسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَإِنِّي أَدَّعِي الاِجْتِهَادَ، وَإِنِّي خَارِجٌ عَنِ التَّقْلِيدِ، وَإِنِّي أَقُولُ: إِنَّ اِخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ نِقْمَةٌ، وَإِنَّي أُكَفِّرُ مَنْ تَوَسَّلَ بِالصَّالِحِينَ، وَإِنِّي أُكَفِّرُ الْبُوصِيرِي؛ لِقَوْلِهِ: يَا أَكْرَمَ الْخَلْقِ، وَإِنِّي أَقُولُ: لَوْ أَقْدرُ عَلَى هَدْمِ قُبَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- لَهَدَمْتُهَا، وَلَو أَقْدِرُ عَلَى الْكَعْبَةِ؛ لأَخَذْتُ مِيزَابَهَا، وَجَعَلتُ لَهَا مِيزَابًا مِنْ خَشَبٍ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- وَإِنِّي أُنْكِرُ زِيَارَةَ قَبْرِ الْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنِّي أُكَفِّرُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ، وَإِنِّي أُكَفِّرُ اِبْنَ الْفَارِضِ وَابنَ عَرَبِي، وَإِنِّي أَحْرِقُ دَلَائِلَ الْخَيْرَاتِ، وَرَوْضَ الرَّيَاحِينِ، وَأُسَمِّيهِ رَوْضَ الشَّيَاطِينِ.
جَوابِي عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ! وَقَبْلَهُ مَنْ بَهَتَ مُحَمَّدًا -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- أَنَّهُ يَسُبُّ عِيسَى ابنَ مَرِيمَ، وَيَسُبُّ الصَّالِحِينَ؛ فَتَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ بِافتِرَاءِ الْكَذِبِ، وَقَوْلِ الزُّورِ. قَالَ -تعالى-: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) الآية. بَهَتُوهُ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- بِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ، وَعِيسَى، وَعُزَيْرًا فِي النَّارِ. فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ).
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الأُخْرَى، وَهِيَ أَنِّي أَقُولُ: لَا يَتِمُّ إِسْلَامُ الإِنْسَانِ؛ حَتَّى يَعْرِفَ مَعْنَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، وَأَنِّي أُعَرِّفُ مَنْ يَأْتِينِي بِمَعْنَاهَا، وَأَنِّي أُكَفِّرُ النَّاذِرَ إِذَا أَرَادَ بِنَذْرِهِ التَّقَرُّبَ لِغَيْرِ اللهِ، وَأَخَذَ النَّذْرَ لأَجْلِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الذَّبْحَ لِغَيْرِ اللهِ كُفْرٌ، وَالذَّبِيحَةُ حَرَامٌ؛ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ حَقٌّ، وَأَنَا قَائِلٌ بِهَا، وَلِي عَلَيْهَا دَلَائِلُ مِنْ كَلَامِ اللهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ- وَمِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَّبَعِينَ كَالأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَإِذَا سَهَّلَ اللهُ -تعالى- بَسَطْتُ الجَوَابَ عَلَيهَا فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إِنْ شَاءَ اللهُ -تعالى-.
ثُمَّ اِعْلَمُوا وَتَدَبَّرُوا قَوْلَهُ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) الآيَةُ. اِنْتَهَى كَلَامُهُ -رحمه الله-.
فَهَلْ رَأَيْتُمْ أَوْضَحَ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَأَنْقَى؟ فَلَا تَعَالِيمَ شَخْصِيَّةً فِيهَا، وَلَا تَعْظِيمَ لِذَاتِهِ، وَلَا مُخَالَفَةَ لِسَلَفِ الأُمَّةِ، وَلَا دَعْوَةً سَمَّاهَا بِاسْمِهِ، أَنْزَلَ اللهُ عَلَى قَبْرِهِ مِنْ رَحَمَاتِهِ، وَحَشَرَهُ مَعَ صَفْوَةِ خَلْقِهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْه وسلّمَ-، وَجَعَلَنَا وَإِيَّاهُ فَي عَلِّيينَ، مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا.
الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.