الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أخ لا يكلم أخاه من سنين، عم لا يكلم أبناء أخيه من سنين، أخت لا تكلم أختها، علاقات مقطوعة بين أقارب من سنين حتى امتد الشر للزوجة والأولاد، فحرام عليهم أن يدخلوا بيت عمهم أو بيت خالهم. عجبًا والله!! إخوة خرجوا من بطن واحد وظهر واحد انقطعت علاقتهم من سنين، كيف يحدث هذا؟! كيف أصبح الدم ماءً؟! لأجل ماذا؟ لأجل ميراث؟! لأجل طريق بينهم؟! لأجل بضعة أمتار؟! لأجل كلمة أو موقف مضت عليه سنوات؟! لأجل ظن سيئ وحمل للكلام على غير محمله أو تصديقًا لكلام زوجة لم تراقب ربها؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، أحاط بكل شيء علمًا وهو على كل شيء شهيد، فسبحانه من إله عظيم لا يماثل ولا يضاهى، ولا مفر منه ولا محيد، خضعت الأكوان لعظمته، وذلت الصعاب لسطوته، وذابت الجمادات من هيبته، وهي تميد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ضد ولا نديد، شهادةً أدخرها لهول يوم يشيب من هوله الوليد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا.
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون..
يصلي الصلوات الخمس في المسجد، يصوم رمضان، ويصلي التراويح والقيام، حريص على أركان الإسلام، يزور المرضى، ويتبع الجنائز، ويحافظ على الأذكار، ويقرأ القرآن ومع هذا هو من أهل النار، أظنكم تقولون من هذا البائس، وأقول: إن هذا البائس موجود في هذا المسجد، بل ما أكثر هؤلاء البؤساء، إنه قاطع الرحم والذي تقحم النار على بصيرة –عياذًا بالله-.
في الصحيحين عن جبير بن مطعم –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة قاطع"، هذه تكفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومع هذا فهذه ليست العقوبة الوحيدة لقاطع الرحم، قاطع الرحم ملعون تتوالى عليه اللعنات، اقرءوا قول الله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23].
قاطع الرحم لم يقطع رحمه، بل قطع ما بينه وبين الله، فأيّ خير يرجو بعد أن قطعه جبار الأرض والسموات، في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟! قال: بلى، قال: فذاك لك".
وفي الصحيحين عن عائشة –رضي الله عنها قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله".
يا قاطع الرحم، أبشر بالعقوبة العاجلة في الدنيا مع ما ينتظرك من عذاب الله في الآخرة إن لم تتب، قال –عليه الصلاة والسلام-: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم".
قاطع الرحم يعيش في ظلام فقد سُدت دونه أبواب السماء، قال الأعمش: كان ابن مسعود –رضي الله عنه- جالسًا بعد الصبح في حلقة، فقال: أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة أو مغلقة دون قاطع الرحم.
نصوص تخلع القلوب لكن بعض القلوب أقسى من الحجارة والحديد، وما خُلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية.
يا قاطع الرحم! تدارك ما فات قبل الرحيل وقبل الممات، فقد فرطت في أمر عظيم وصى الله به في أعظم كتاب، فقال –جل وعلا-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام) [النساء: 1].
وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) [الإسراء: 26].
وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) [النساء: 36].
وقال –عليه الصلاة والسلام-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" (متفق على صحته).
صلة الرحم باب من أبواب الجنة، قال ربنا –جل وعلا-: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الرعد: 19 - 21]، يصلون أرحامهم لأنهم (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد: 21].
في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله، أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: "لقد وُفِّق أو قال: لقد هُدِي، كيف قلت؟ فأعادها الرجل، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك" فلما أدبر قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إن تمسك بما أُمر به دخل الجنة".
صلة الرحم سبب لسعة الرزق وطول العمر، في الصحيحين عن أنس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه".
وقال –عليه الصلاة والسلام-: "صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء".
وقال –عليه الصلاة والسلام-: " صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار".
وقال –عليه الصلاة والسلام-: "صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل" صححها جميعًا الألباني –رحمه الله-.
عباد الله: ومع هذه النصوص العظيمة التي تحدثت عن صلة الرحم ترغيبًا فيها، وحذرت من قطيعة الرحم ترهيبًا منها، لا نزال نسمع عن أرحام تُقطع من كثير من الناس، أخ لا يكلم أخاه من سنين، عم لا يكلم أبناء أخيه من سنين، أخت لا تكلم أختها، علاقات مقطوعة بين أقارب من سنين حتى امتد الشر للزوجة والأولاد، فحرام عليهم أن يدخلوا بيت عمهم أو بيت خالهم.
عجبًا والله!! إخوة خرجوا من بطن واحد وظهر واحد انقطعت علاقتهم من سنين، كيف يحدث هذا؟! كيف أصبح الدم ماءً؟! لأجل ماذا؟ لأجل ميراث؟! لأجل طريق بينهم؟! لأجل بضعة أمتار؟! لأجل كلمة أو موقف مضت عليه سنوات؟! لأجل ظن سيئ وحمل للكلام على غير محمله أو تصديقًا لكلام زوجة لم تراقب ربها؟
لأننا لا نعرف حسن الظن وخلق الاعتذار لمن قصر في حقنا؛ تقطع الأرحام ويفرق بين الأقارب ويسكن الغل والحقد القلوب..
ألا قاتل الله الطمع! ألا قاتل الله حب الدنيا! ألا قاتل الله سوء الظن! ألا قاتل الله تحميل الأمور ما لا تتحمل!
أحبتي في الله: تسامحوا وتصافحوا وتغافروا، فغدًا ترحلون، غدًا ترحلون وتندمون، ولن تأخذوا من الدنيا شيئًا، وربما رحل من قطعتم وندمتم حين لا ينفع الندم.
أحدهم مات أخوه وكانا متخاصمين، فلما علم بوفاته انطلق إلى المغسلة فقابله أبناء أخيه يقولون: ما الذي تريد؟! ما الذي جاء بك اليوم؟ لقد مات، لقد مات، وأنت لا تكلمه، ما أقساها من كلمة!!
والآخر لما دُفن أخوه سقط يبكي عند قبره ينثر دموع الندم، لقد أدرك اليوم أن الحياة رخيصة، وكأنما يقول: يا ليتني لم أفعل ما فعلت، يا ليته يعود وليأخذ من الدنيا ما شاء.
يبكي على قبر أخيه، وكأنه يقول لمن حوله من الأقارب المتخاصمين: لا تكونوا مثلي
كأنه يقول لهم: أفيقوا ما دمتم أحياءً، فقد أفقت لكن بعد فوات الأوان.
كأنه يقول: تغاضوا عن زلات إخوانكم وأحبابكم، فإن الفراق صعب ولا يطاق.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد الله الملك العلام، أحمده سبحانه حرَّم قطيعة الأرحام، وجعلها من أعظم الكبائر والآثام، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ما أشرقت شمس بعد ظلام.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين: بعض الناس لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه، وهذا لا يعد صلةً بل مكافأةً، قال –عليه الصلاة والسلام-: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (رواه البخاري).
وذلك لأن أبعد الناس إذا وصلته وصلك، فالواصل الحقيقي من يصل مَن قطعه، ويحسن لمن أساء له، يرجو الأجر من الله لا يرجو أن يقابل بالمثل.
وليعلم أن العاقبة له، وأن الله معه، فقد جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ، فقال –عليه الصلاة والسلام-: "إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ – أي: تؤكلهم الرماد الحر- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" (رواه مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه-).
أيها الكرام: قد يبتلى الإنسان بقريب لا يهتم بفضيحة، ولا يبالي أن تصبح أنت وهو حديثًا لكل مجلس، لا يرضى إلا أن يأخذ ما أراد، فاحرص على احتوائه وإرضائه ولو وضعت من حقك، فإن ذلك رفعة لك في الدنيا والآخرة، وإن وقع الخلاف بينكم فليس معنى هذا أن تقع القطعية حتى لو وصل الأمر للقضاء.
أحبتي في الله: صلوا الأرحام واحذروا القطيعة فإنها من أعظم الآثام، واستحضروا دائمًا ما أعد الله للواصلين من الثواب العظيم، وللقاطعين من النكال والعذاب الأليم، جعلني الله وإياكم ممن يصل الأرحام ويحسنون إلى محسنهم، ويتجاوزن عمن أساء بفعل أو كلام.
اللهم اجعلنا ممن يصلون ما أمر الله به أن يوصل، اللهم اجعلنا ممن يصلون ما أمر الله به أن يوصل، اللهم اجعلنا ممن أفشى السلام وأطعم الطعام، ووصل الأرحام وصلى بالليل والناس نيام.
اللهم اجعلنا ممن يصل من قطعه، ويعطي من حرمه، ويحسن إلى من أساء إليه، اللهم ارزقنا قلوبًا سليمةً، اللهم ارزقنا قلوبًا سليمةً تعفو وتصفح لا تعرف الغل والحقد والانتقام.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا في حلب، اللهم كن لإخواننا في الموصل، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظهيرًا.
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك وعنايتك، اللهم أعدهم سالمين غانمين منصورين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم جللنا سحابًا كثيفًا قصيفًا ضحوكًا دلوقًا، اللهم اسق البلاد والعباد، اللهم اسق البلاد والعباد، اللهم اسق البلاد والعباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا أرحم الراحمين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً في الآخر حسنةً وقنا وعذاب، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.