البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

نكاح الزانية وأضراره

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. حرمة الزنا وعظم شناعته .
  2. حكم نكاح الزانية .
  3. تفسير آية النور وسبب نزولها .
  4. حكم تحريم نكاح الزانية وإنكاح الزاني. .

اقتباس

وَهَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ حَتَّى تَتُوبَ، وَكَذَلِكَ إِنْكَاحُ الزَّانِي حَتَّى يَتُوبَ؛ فَإِنَّ مُقَارَنَةَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، أَشَدُّ الِاقْتِرَانَاتِ وَالِازْدِوَاجَاتِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ دَعَا إِلَى الزَّوَاجِ، وَحَثَّ عَلَى اخْتِيَارِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، اخْتِيَارًا قَائِمًا عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْعِفَّةِ؛ لِمَا لِذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ الْحَسَنَةِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَسَلَامَةِ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الرَّذِيلَةِ وَتَبِعَاتِهَا الْمَقِيتَةِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- شَرَعَ الزَّوَاجَ صَوْنًا لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَنْ رُكُوبِ فَاحِشَةِ الزِّنَا الَّتِي هِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، كَمَا هِيَ بَوَّابَةٌ لِدُخُولِ الْكَوَارِثِ وَالْمَصَائِبِ، وَطَرِيقٌ إِلَى جَلْبِ الْعَارِ وَخَرَابِ النُّفُوسِ وَالدِّيَارِ.

 

يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي حُرْمَةِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 32].

 

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: "مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟" قَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَسُولُهُ؛ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ: خِصَالٌ خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَنَزَلْنَ بِكُمْ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ"(رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَحِينَمَا كَانَ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ: حُصُولُ الْعَفَافِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَصَوْنُهُمَا عَنْ فَاحِشَةِ الزِّنَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَدْ حَرَّمَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا رَجُلًا مَعْرُوفًا بِالزِّنَا، وَحَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً عُرِفَتْ بِالزِّنَا؛ فَقَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[النُّورِ: 3].

 

وَالْمَعْنَى: "أَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الشَّخْصَ الزَّانِيَ لَا يَتَزَوَّجُ إِلَّا زَانِيَةً مِثْلَهُ أَوْ مُشْرِكَةً، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الزَّانِيَةُ لَا تَمِيلُ -بِطَبْعِهَا- إِلَّا إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ رَجُلٍ زَانٍ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ رَجُلٍ مُشْرِكٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ -بِطَبْعِهِ- يَنْفِرُ مِنَ الزَّوَاجِ بِالْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ تَأْنَفُ مِنَ الزَّوَاجِ بِالرَّجُلِ الزَّانِي، فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَحْكِي -بِأُسْلُوبٍ بَدِيعٍ- مَا تَقْتَضِيهِ طَبِيعَةُ النَّاسِ فِي التَّآلُفِ وَالتَّزَاوُجِ، وَتُبَيِّنُ أَنَّ الْمُشَاكَلَةَ فِي الطِّبَاعِ عِلَّةٌ لِلتَّلَاقِي، وَأَنَّ التَّنَافُرَ فِي الطِّبَاعِ عِلَّةٌ لِلِاخْتِلَافِ. وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يَقُولُ: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"(التَّفْسِيرُ الْوَسِيطُ).

 

وَقَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)؛ أَيْ: "التَّزْوِيجُ بِالْبَغَايَا، أَوْ تَزْوِيجُ الْعَفَائِفِ بِالْفُجَّارِ مِنَ الرِّجَالِ"(تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ).

 

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: "وَهَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ حَتَّى تَتُوبَ، وَكَذَلِكَ إِنْكَاحُ الزَّانِي حَتَّى يَتُوبَ؛ فَإِنَّ مُقَارَنَةَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، أَشَدُّ الِاقْتِرَانَاتِ وَالِازْدِوَاجَاتِ، وَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)[الصَّافَّاتِ: 22]؛ أَيْ: قُرَنَاءَهُمْ، فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرِّ الْعَظِيمِ، وَفِيهِ مِنْ قِلَّةِ الْغَيْرَةِ، وَإِلْحَاقِ الْأَوْلَادِ، الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الزَّوْجِ، وَكَوْنِ الزَّانِي لَا يُعِفُّهَا بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِ بِغَيْرِهَا، مِمَّا بَعْضُهُ كَافٍ لِلتَّحْرِيمِ"(تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي نَصَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ وَإِنْكَاحِ الزَّانِي؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ امْرَأَةً كَانَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ، وَكَانَتْ مُسَافِحَةً، كَانَ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ وَتَشْتَرِطُ لَهُ أَنْ تَكْفِيَهُ النَّفَقَةَ، فَسَأَلَ رَجُلٌ عَنْهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيَتَزَوَّجُهَا؟ فَقَرَأَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الْآيَةَ..."(رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ).

 

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ وَيَأْتِي بِهِمُ الْمَدِينَةَ قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ، وَأَنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلًا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ: فَجَاءَتْ عَنَاقُ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عُرِفْتُ فَقَالَتْ: مَرْثَدٌ؟ فَقُلْتُ: مَرْثَدٌ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا. هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، فَقُلْتُ: يَا عِنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا"... إِلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: "يَا مَرْثَدُ: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يَقُولُ: "لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: "وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَا، وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِهَا: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ".

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- السَّلَامَةَ مِنَ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلَّهِ -تَعَالَى- حِكَمًا عَظِيمَةً فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ وَإِنْكَاحِ الزَّانِي، فَمِنْ ذَلِكَ:

أَنَّ حُصُولَ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَاسْتِقْرَارِ النَّفْسِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى فِرَاشِ الْعِفَّةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرُّومِ: 21]؛ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرَ عَفِيفٍ فَإِنَّ الْخَوْفَ وَالشَّكَّ سَيُسَيْطِرَانِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، خَاصَّةً إِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِسَفَرٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنَ الْمَنْزِلِ، فَأَيُّ حَيَاةٍ زَوْجِيَّةٍ هَذِهِ الْحَيَاةُ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟!

 

وَلَنْ تَسْتَقِرَّ حَيَاةٌ أُسَرِيَّةٌ بَيْنَ زَوْجَيْنِ أَحَدُهُمَا عَفِيفٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ عَفِيفٍ، وَصَدَقَ اللَّهُ: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)[النُّورِ: 26].

 

وَمِنْ حِكَمِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ: الْحِفَاظُ عَلَى سَلَامَةِ النَّسَبِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِ نَسْلِهِ، وَكَمْ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ مِنْ مَفَاسِدَ!.

 

وَمِنْ حِكَمِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ وَإِنْكَاحِ الزَّانِي: أَنَّ عَفَافَ الْإِنْسَانِ عُنْوَانٌ لِصَلَاحِ سُلُوكِهِ وَاسْتِقَامَةِ أَحْوَالِهِ، وَفَاحِشَةُ الزِّنَا تُفْسِدُ الْقَلْبَ وَالسُّلُوكَ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فَلَيْسَ فِي الذُّنُوبِ أَفْسَدُ لِلْقَلْبِ وَالدِّينِ مِنْ هَاتَيْنِ الْفَاحِشَتَيْنِ؛(يَعْنِي: الزِّنَا وَاللِّوَاطَ)، وَلَهُمَا خَاصِّيَّةٌ فِي إِبْعَادِ الْقَلْبِ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا انْصَبَغَ الْقَلْبُ بِهِمَا بَعُدَ مِنَ اللَّهِ الطَّيِّبِ الَّذِي لَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ إِلَّا الطَّيِّبُ"(إِغَاثَةُ اللَّهْفَانِ).

 

وَمِنْ حِكَمِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ وَإِنْكَاحِ الزَّانِي: أَنَّ الْوَالِدَيْنِ قُدْوَةٌ لِلْأَوْلَادِ فِي الْعِفَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ غَيْرَ عَفِيفٍ فَقَدْ يَنْحَرِفُ سُلُوكُ الْأَوْلَادِ نَحْوَ الْفَاحِشَةِ؛ الِابْنُ يَقْتَدِي بِأَبِيهِ، وَالْبِنْتُ بِأُمِّهَا!.

 

قَالَ الشَّاعِرُ:

مَشَى الطَّاوُوسُ يَوْمًا بِاخْتِيَالٍ

فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ

فَقَالَ: عَلَامَ تَخْتَالُونَ؟! قَالُوا: بَدَأْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا

عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: تَخَيَّرُوا الْمَنَاكِحَ الْكَرِيمَةَ، وَاحْرِصُوا عَلَى الْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَالْجَمَالُ؛ فَفِي الْعِفَّةِ جَمَالٌ لَا يُضَارِعُهُ جَمَالٌ، وَيَا أَوْلِيَاءَ النِّسَاءِ: لَا تَغْتَرُّوا بِمَالِ الرَّجُلِ أَوْ جَمَالِهِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ وَظِيفَتِهِ مَعَ خَدْشِ عِفَّتِهِ، وَتَصَدُّعِ صِيَانَتِهِ، فَفِي الْخَاطِبِ الْعَفِيفِ مَا يُغْنِي كَرِيمَتَكُمْ بِحُسْنِ أَخْلَاقِهِ، وَجَمِيلِ خِلَالِهِ، وَاسْتِقَامَةِ سُلُوكِهِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ لُزُومَ التَّقْوَى، وَالْبَقَاءَ عَلَى حِصْنِ الْعَفَافِ وَالْغِنَى.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].