الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
فإذا جاهدت قيام الليل هداك لسبل الخير التي لم تكن تخطر على بالك, وتنشَّطت للقياك بأعمالٍ صالحة, واكْتسابِ علومٍ نافعة, وأرزاقٍ مُدرّة, ولذائذ وسعادةٍ وراحة نفسية عجيبة. وما إنْ تُجاهد نفسك مُدة وتتكلف قيام الليل, حتى تأنس بعد ذلك بقيام الليل وتتحرى وقته, بل وتتمنى ألا يطلع الفجر من شدة أنسك وسعادتك, وطمأنينتك بترتيل آيات ربّك, وقربك من خالقك وخلوتك به سبحانه, فأيّ سعادة وراحة في الدنيا تُساوي هذه السعادة والراحة؟ وأيّ شعور بالأمان والإيمان أعظم من ذلك؟
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله - معاشر المسلمين- واعلموا أنَّ الحديث في جمعةٍ مضتْ كان عن فضل قيام الله, وبقي الحديث عن الأسباب الْمُعينة على ذلك, منها:
أولاً: دعاءُ الله والإلحاحُ عليه بأن يُعينك على القيام.
فادع الله في سجودك وجميع أحوالك أن يُعبنك على قيام الله, واجعل قيام الليل همَّك ومُنْيتك, ولن يُخيّب الله عبدًا صدقه, ولن يردّ الله عبدًا أكثر من قرع بابِه.
ثانيًا: تبييتُ النية قبل النوم للقيام آخر الليل, والله تعالى إذا علم صدق العبد أعانه ووفقه.
ولا تقل في نفسك: إنْ وجدتُ نشاطًا وكفايةً في النوم قمت وصلّيت, بل اعقدِ النيةَ الجازمةَ على ذلك.
ثالثًا: عدمُ الإكثار من العشاء, وعدمُ النوم بعده مُباشرة.
ومن المعلوم أن تأخير العشاء أو كثرَتَه مُثبِّطٌ عن قيام الليل, لأنّ النوم على شبَعٍ يُصيب الجسم بالخمول والكسل, وربما آذاه الشِّبَعُ فنام مُتأخرًا, واسْتيقظ ثقيلاً خاملاً, قد أرهقه العشاءُ وتبعاتُه.
رابعًا: وضع الأسباب الحسية المعينة على الاستيقاظ, فضع منبّهًا بالقرب منك, ومنبّهًا قويًّا بعيدًا عنك, حتى لا يتركك تنام, وإذا قمت لإطفائه ذهب عنك النوم.
خامسًا: مُجاهدة النفس على قيام الليل, وإكراهها وعدمُ الاستجابةِ لرغباتها وشهواتها, والله تعالى وعد وهو أصدق من وعد, أنه سيهدي ويُرشد ويُعين من جاهد وصبر, قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]
أَيْ: لنُبَصِّرَنَّهم طُرُقَنَا النافعة اليسيرةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فإذا جاهدت قيام الليل هداك لسبل الخير التي لم تكن تخطر على بالك, وتنشَّطت للقياك بأعمالٍ صالحة, واكْتسابِ علومٍ نافعة, وأرزاقٍ مُدرّة, ولذائذ وسعادةٍ وراحة نفسية عجيبة.
وما إنْ تُجاهد نفسك مُدة وتتكلف قيام الليل, حتى تأنس بعد ذلك بقيام الليل وتتحرى وقته, بل وتتمنى ألا يطلع الفجر من شدة أنسك وسعادتك, وطمأنينتك بترتيل آيات ربّك, وقربك من خالقك وخلوتك به سبحانه, فأيّ سعادة وراحة في الدنيا تُساوي هذه السعادة والراحة؟ وأيّ شعور بالأمان والإيمان أعظم من ذلك؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: اعلم - عِلْمَ إنسانٍ مُجَرِّب- أنك إذا أكرهتَ نفسكَ على طاعة الله أحببتَ الطاعة وألفتها، وصرتَ بعد ما كنتَ تكرهها تأبى نفسُك إذا أردتَ أنْ تتخلف عنها. ا.ه
سادسًا: النوم المبكر, وكيف يرجو قيامَ الليل من ينام مُتأخرًا, وهو يعلم أنّه سيصعب عليه القيام؛ لإرهاقه وعدمِ اكتفائه بنومه؟
وينبغي للمسلم ألا يحرص على الاجتماعات بعد صلاة العشاء, فقد ثبت في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا.
وهذه الكراهية فيما لا مصلحة فيه من الحديث.
وقد ذكر الْعُلَمَاءُ حكمًا, لكراهة الحديث فيما لا مصلحة منه بعد صلاة العشاء: منها:
أولاً: أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ كَفَّرَتْ خَطَايَا المؤمنِ فَيَنَامُ عَلَى سَلَامَةٍ، وَقَدْ خَتَمَ الْكُتَّابُ صَحِيفَتَهُ بِالْعِبَادَةِ، فَإِنْ هُوَ سَمَرَ وَتَحَدَّثَ فَسَيَمْلَؤُهَا بِالْقبيح, وَيَجْعَلُ خَاتِمَتَهَا اللَّغْوَ وَالْبَاطِلَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ.
ثانياً: أنَّ السَّمَرَ فِي الْحَدِيثِ مَظِنَّةُ غَلَبَةِ النَّوْمِ آخِرَ اللَّيْلِ, فَيَنَامُ عَنْ قِيَامِ آخِرِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا يَنَامُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
وهذا أمرٌ مُلاحظ ملموسٌ.
ثالثاً: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، أَيْ يُسْكَنُ فِيهِ، فَإِذَا تَحَدَّثَ الْإِنْسَانُ فِيهِ فَقَدْ جَعَلَهُ فِي النَّهَارِ الَّذِي هُوَ مُتَصَرَّفُ الْمَعَاشِ، فَكَأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى مُخَالَفَةِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَجْرَى عَلَيْهَا وُجُودَهُ, فقد قَالَ تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) [الفرقان: 47].
وقد ذكر أهل الخبرة والطبّ, بأنّ "كلّ ساعةِ نومٍ من بعد العشاء إلى منتصف الليل, تُوازي ثلاثَ ساعاتٍ من النوم العميق, وأما النوم مِن بعدِ مُنْتَصَفِ الليل, إلى قُبيل الفجر بساعتين تقريبًا, فيوجد فيها عشرون بالمائة من النوم العميق النافع, والباقي لا فائدة منه, والساعةُ منه بساعةِ نومٍ فقط.
وأما النومُ مِنْ بعد الفجر, فهو نومٌ غيرُ مفيدٍ أبدًا, وإنك تُلاحظ مَن ينام بعد الفجر, يقوم ولم يشبع من نومه, ولا يزيدُه هذا النومُ إلا خمولاً وكسلاً, وقد ثبت أنه سببٌ في انعدام البركة, وسببٌ في تشويش التفكير وانعدام التركيز".
وذكر الموقعُ الرسميُّ للموسوعة الصحية-وهو موقعٌ عالميّ مُتخصصٌ في الطبّ- الفوائدَ الصحيةَ, التي يجنيها مَنْ يستيقظ مُبكرًا قَبْلَ الفجر, منها أنه يحصلُ على أَعْلَى نسبةٍ لغاز الأوزون في الجو, وهو يَقِلُّ تدريجياً حتى تضمحلَّ عند طلوع الشمس.
وقد تعجّب الأطباء من آثاره العلاجية العجيبة, فهو سببٌ في شفاءِ كثيرٍ من الأمراض النفسية والجسدية.
ولهذا الغازِ تأثيرٌ مفيدٌ للجهاز العصبي, ومنشطٌ للعمل الفكري والعضلي, ولهذا يستشعر الإنسان عندما يستنشق نسيمَ الفجر, الْمعروفَ بريح الصَّبَا: بلذةٍ ونشوة, لا شبيه لها في أيِّ ساعةٍ من ساعات النهار أو الليل.
ومن الفوائد التي ذكرها الأطباءُ أيضًا: أنّ الاستيقاظ الباكر يقطع النوم الطويل, وقد تبيّن أنّ الإنسان الذي ينام ساعات طويلة, وعلى وتيرةٍ واحدةٍ يتعرض للإصابة بأمراض القلب.
وما ذكره هؤلاء الأطباءُ الْمُتخصّصون, هو ما جاءتْ شريعتُنا العظيمة الخالدةُ بتقريره, قال ابن القيم رحمه الله: "مَنْ تَدَبَّرَ نَوْمَهُ وَيَقَظَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَهُ أَعْدَلَ نَوْمٍ، وَأَنْفَعَهُ لِلْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى، فَإِنَّهُ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيَسْتَيْقِظُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي، فَيَقُومُ وَيَسْتَاكُ، وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، فَيَأْخُذُ الْبَدَنُ وَالْأَعْضَاءُ وَالْقُوَى حَظَّهَا مِنَ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَحَظَّهَا مِنَ الرِّيَاضَةِ مَعَ وُفُورِ الْأَجْرِ، وَهَذَا غَايَةُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَنَوْمُ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ، وَيُورِثُ الطِّحَالَ، وَيُرْخِي الْعَصَبَ وَيُكْسِلُ، وَيُضْعِفُ الشَّهْوَةَ, إِلَّا فِي الصَّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ، وَأَرْدَؤُهُ نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ- أي من بعد صلاة الفجر-، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ آخِرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ". ا.ه
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:
إخوة الإيمان: لقد انشغل العالم بما يجري في الولايات المتحدة, من انتخابات ومنافسات بينهم, وكثيرٌ منهم ترقب النتائج, وربما فرح أو حزن بفوز أحدهم, وهذا من قلة الإحاطة بسياستهم, حيث إنهم يسيرون وفق خطط مدروسة, وأنظمةٍ وحدودٍ لا يخرج عنها ويتجاوزها أيُّ رئيسٍ منهم, والفارق بينهم, أنه قد يأتي من يُصرح ببعض مُخططاتهم, ويبوح ببعض نواياهم, ويأتي آخر يُمرر المخططات بمكرٍ وحيَلٍ ونفاق, والأول مهما ظهر منه حقدٌ وكراهيةٌ للإسلام والمسلمين, إلا أنه أقلُّ شرًّا وضررًا من الآخر, حيث نتعامل معه كعدوّ لدود, ويكفُّ الْمُمَجِّدون للغرب عن تقدسيهم والتسبيح بحمدِهم.
ومما يُبَيِّنُ زيفَ العلمانيين وخبثَ المنافقين, أنهم سكتوا عن الْهَمجية, التي حدثتْ عقيب فوز الرئيس الذي انتخبوه, وما أحدثوهُ مِن أعمالِ شَغَبٍ وتكسيرٍ لسياراتِ الشُّرَط, واعتراضِهم على نتائج هذه الانتخابات, ولو حدث مثلُ هذا في دولةٍ مسلمة أو عربية, لسارعتْ أقلامُهمُ المسمومة, وألْسِنَتُهُمُ المسعورة, إلى لَمْزِ الشعوب المسلمة, ورميِها بالتخلف والرجعية, ونسبوا ذلك إلى تديُّنِهم وتمسُّكِهِم بتعاليمِ الإسلام.
ومهما أظهر المنافقون وأسيادُهم الْمَكرَ أو أخفَوْه, فالله تعالى يُملي للظالم ويستدرجه, حتى إذا أخذه لم يفْلته, وهو سبحانه خيرُ الماكرين.
نسأل الله تعالى أن يكفينا شرَّ الأعداء, إنه على كل شيء قدير.