البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الطهارة والنظافة في الإسلام

العربية

المؤلف علي باوزير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الطهارة
عناصر الخطبة
  1. أسباب اهتمام الإسلام بالنظافة .
  2. مكانة الطهارة في الإسلام .
  3. من مظاهر اهتمام الإسلام بالنظافة والطهارة .
  4. حفظ حقوق الآخرين في نظافة طرقهم وأماكنهم العامة .

اقتباس

قضية الطهارة والنظافة بالنسبة لنا معاشرَ المسلمين هي قضية دين وقربة وطاعة، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم يقول: "الطهور شطر الإيمان"، أي: نصف الإيمان، وهذا يدل على المكانة العظيمة للطهارة في دين الإسلام.

الخطبة الأولى:

وبعد: أيها المسلمون عباد الله، يتميز دين الإسلام بأنه شامل لجميع نواحي الحياة، دين يتسوعب كل القضايا التي يحتاج إليها الإنسان في حياته، كما قال بعضهم: من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية؛ فهو دين كامل تام، جاء ليحقق للبشر السعادة وليوفر لهم الراحة والعيشة الطيبة الهنيئة في هذه الدنيا.

فلا عجب حين تجد في نصوص القرآن أو في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاما عن قضايا ربما تبدو في أعين بعض الناس صغيرة حقيرة لا تحتاج إلى الحديث عنها، حتى إن بعض المشركين لما سمعوا بعض النصوص النبوية في بعض القضايا التفصيلية جاءوا يقولون لبعض الصحابة: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! أي: حتى كيفية قضاء الحاجة، وهذا حق، قد صدقوا فيه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين للناس كل شيء فيه صلاحهم وخيرهم، وحذرهم من كل شيء فيه شرهم وفسادهم.

من القضايا التي تكلم عنها الإسلام كثيرا وشرع لها كثيرا من الأحكام وتميز بها عن غيره من الأديان قضية الطهارة والنظافة، هذه القضية التي اهتم بها الإسلام كثيرا لأجل أن يكرم هذا الإنسان ويميزه عن البهيمة والحيوان، فالحيوان الذي لا يعقل لا يهتم بهذا الأمر ولا يبالي به أبداً، أما الإنسان الذي كرمه الله -سبحانه وتعالى- فإنه ينبغي أن يكون عند هذا التكريم؛ فيكون طاهرا نظيفا جميلا حسنا.

ولا تعجب -أيها الحبيب- حين تعلم أنه في ثاني سورة نزلت في كتاب الله -تبارك وتعالى- جاء الأمر بالطهارة، ففي سورة المدثر، وهي ثاني سورة نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاطب الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- فيقول له: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر:1-5]، فيأمره ربه وهو في بدايات الوحي وفي أوائل الدعوة قبل كثير من الأوامر الشرعية يأمره بالطاهرة فيقول: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، أي: النجاسة بكل أنواعها من النجاسات الحسية والمعنوية، (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، أي: ابتعد عنه ولا تقترب منه أبداً.

وليس هذا فحسب أيها الكرام، بل إن الإسلام جعل الطهارة شرطا لصحة أعظم فريضة وأجلّ عبادة فيه وهي عبادة الصلاة، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة بغير طهور"، أي: لا تصح الصلاة إذا صلاها المرء بغير طهارة.

وهذه الطهارة على نوعين: طهارة كبرى، وطهارة صغرى.

أما الطهارة الكبرى فتكون بالاغتسال من الأسباب الموجبة لها من الجنابة أو الحيض والنفاس بالنسبة للنساء، وإذا تأملت قليلا تجد أنه لا يمكن أن يمر على المسلم مدة طويلة إلا ويغتسل؛ لأن هذه الموجبات وهذه الأسباب التي توجب الغسل تتكرر باستمرار بالنسبة للبالغين فلا يمكن أن تجد في المجتمع المسلم ما يسمع عند الآخرين من أن بعضهم ربما يمكث الأشهر أو السنوات فلا يغتسل أبداً، هذا لا يوجد في مجتمع مسلم، وإنما قد يوجد من بعض من فرط في دينه  وتساهل في أحكامه.

بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل من الحقوق على المسلم أن يغتسل على الأقل مرة واحدة في كل سبعة أيام، فيقول -كما في الصحيحين-: "حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده"، أي: غسلا كاملا، سواء كانت المنطقة التي يعيش فيها منطقة باردة أو كانت منطقة حارة.

وإذا قرأت التاريخ ورجعت إليه قليلا فستجد أن محاكم التفتيش التي أقامها الأسبان للمسلمين في بلاد الأندلس لأجل تعذيبهم واضطهادهم كانت هذه المحاكم تكتشف المسلمين عن طريق الاغتسال، فقد كان كثيرا من المسلمين يخفون إسلامهم خوفا من الاضطهاد والتعذيب، فكانوا يعرفونهم بكثرة اغتسالهم؛ لأن النصارى كانوا لا يغتسلون إلا قليلا.

وأما الطهارة الصغرى التي لا تصح الصلاة إلا بها فهي غسل الأعضاء الظاهرة من الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس، والحكمة في هذا لا تخفى؛ فإن هذه الأعضاء غالبا ما تكون مكشوفة غير مستورة بلباس، فتتعرض للأوساخ والأتربة وغير ذلك، فيأتي الوضوء ليطهرها وينظفها ويزيل ما بها من أوساخ وأقذار. فما أعظمه من تشريع! وما أجله من دين!.

وإذا فتحت أي كتاب من كتب الفقه الإسلامي على أي مذهب كان من المذاهب تجد أن أول ما تقرؤه في هذا الكتاب كتاب الطهارة، أي: المسائل المتعلقة بالطهارة قبل الكلام عن الصلاة وقبل الكلام عن الصيام وقبل الكلام عن الزكاة، أول ما يبدؤون يبدؤون بالكلام عن الطهارة، يتكلمون عن طهارة الماء وعن طهارة الآنية وعن اللباس وعن النجاسات وأنواعها وأصنافها وكيفية التطهر من هذه النجاسات: كيف يطهر الجسد من النجاسة؟ كيف تطهر الملابس من النجاسة؟ كيف تطهر الأرض والفرش من النجاسة؟ وغير ذلك من المسائل التفصيلية التي تتحدث بكل تفصيل ودقة عما يتعلق بمسائل الطهارة والنظافة.

ومن مظاهر النظافة التي أمر الإسلام بها تنظيف الجسد من أي شيء يؤدي إلى اجتماع الأوساخ فيه، فأمر بإزالة شعر الإبط والشعر الذي يكون حول العورة، وأمر بتقليم الأظافر وأمر بالختان وقص الشارب؛ لأن هذه الأماكن تجتمع فيها النجاسات إذا تركت؛ لهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "الفطرة خمس"، أي: هذه الخصال الخمسة هي من الفطرة التي توافق تكريم الإنسان وتفضيل الإنسان الذي اصطفاه الله -سبحانه وتعالى- به، "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد –أي: إزالة شعر العورة-، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب".  وهذه من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها.

من مظاهر النظافة -كذلك- التي أمر بها الإسلام وحث عليها: "الحفاظ على السواك"، الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "السواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب". وقبل أن تعرف البشرية فرش الأسنان بأنواعها كان المسلمون ينظفون ويطهرون ويطيبون أفواههم؛ اتباعاً لهذه السنة النبوية الكريمة.

ومن مظاهر النظافة- كذلك- الحفاظ على الماء من تلويثه أو تقزيره، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البول في الماء الراكد، لأن البول فيه يؤدي إلى تلويثه؛ بل أكثر من هذا، في الصحيحين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثة؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". بمعنى أن النائم حين ينام  لا يشعر بحركة يده، ولا بما قد يصيبها، فربما علق بيده شيء من القذر أو شيء من النجاسة، فإذا استيقظ من نومه وذهب إلى الإناء ووضع يده فيه مباشرة ربما أدى هذا إلى تلويث الماء، فشرع له أن يغسل يده قبل ذلك ثم يغمس يده في الإناء بعد أن يطهرها وينظفها.

وهكذا، أمثلة كثيرة تدل على اعتناء الإسلام وحرصه الشديد على قضية الطهارة والنظافة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.

وبعد: أيها الأحباب الكرام، قضية الطهارة والنظافة بالنسبة لنا معاشرَ المسلمين هي قضية دين وقربة وطاعة، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم يقول: "الطهور شطر الإيمان"، أي: نصف الإيمان، وهذا يدل على المكانة العظيمة للطهارة في دين الإسلام.

بل إن ربنا -تبارك وتعالى- في القرآن أثنى على أناس وسماهم رجالاً بسبب قضية الطهارة، فقال: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ)، ماذا يفعلون؟ (يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة:108]؛  فرفع الله شأنهم وأثنى عليهم وذكر من خصالهم هذه الخصلة الحسنة الجميلة: أنهم يحبون أن يتطهروا، وهو -سبحانه- يحب المتطهرين.

وفي سورة البقرة يقول -جل شأنه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]، فالتوبة طهارة معنوية من قاذورات الذنوب والسيئات والآثام، ويحب المتطهرين، أي: الطهارة الحسية التي ينظفون فيها أجسادهم وملابسهم وكل ما يتعلق بهم.

وصاحب الطهارة والنظافة محبوب عند الله، ومحبوب عند الخلق والناس، وهذه القضية -أيها الأحباب- هي مسؤولية فردية ومسؤولية مجتمعية، فالإنسان في نفسه مطالب بأن يحافظ على طهارته، مطالب بذلك شرعا وعرفا وعادة وعقلا، في نفسه وفي ملابسه وفي بيته وفي أهله، وهي -كذلك- مسؤولية مجتمعية، فالمجتمع -كذلك- مطالب ككل بأن يحافظ على النظافة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل هذا من أعمال الإيمان فقال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق". فهذه المسؤولية مطالب بها كل مسلم، أن يزيل الأذى عن الطريق.

وشدد النبي -صلى الله عليه وسلم- جدا في عكس ذلك، في وضع الأذى في طريق المسلمين، فقال، كما في صحيح مسلم: "اتقوا اللعانين"، قالوا: وما اللعانين يا رسول الله؟ "قال: الذي يتخلى -أي: الذي يقضي حاجاته- في طريق الناس، أو في ظلهم"، فهذا يستحق اللعنة، يلعنه الناس على فعله؛ لأنه يفسد عليهم طريقهم فلا يستطيعون أن يسيروا فيه كالمعتاد، ويفسد عليهم أماكن جلوسهم فلا يستطيعون أن ينتفعوا بظل الأشجار ونحوها، فيسبونه ويلعنونه، ويكون بهذا مستحقا لهذا الذم واللعن، "اتقوا اللعانين: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم".

ومثل هذا -بل وأشد- مَن يتعمد وضع القاذورات والقمائم ونحوها في طريق الناس أو بجوار بيوتهم أو في الأماكن العامة، أو يتسبب في سد التصريف الصحي والمجاري أكرم الله السامعين، فتفيض بعد ذلك على الناس وتسبب لهم الحرج والضيق، وربما تتسبب في الأمراض والأوبة التي يعاني الناس منها جميعا، هذا أولى بالدخول في الحديث، وأولى بالدخول فيما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منه.

والمفترض بنا -معاشر المسلمين- أن تكون النظافة بيننا ثقافة سائدة؛ لأن قضية النظافة بالنسبة لنا قضية دين وقربة وعبادة تتعلق بها صحة صلاتنا وعلاقتنا بالله -سبحانه وتعالى-، ويتعلق بها كثير من قضايا العبادات.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أحوالنا كلها، وأن يوفقنا إلى كل ما فيه خير ورشاد وسداد.