الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
الاستقامة أساس للسعادة، وسبيل للفلاح والرفعة في الدنيا والآخرة، الاستقامة -عباد الله- لزوم لهدي الله، وثبات على دين الله، ومحافظة على أوامر الله، وبعد عن نواهيه -جل وعلا-، الاستقامة -عباد الله- حفظ للأوامر بفعلها، وحفظ للنواهي باجتنابها وتركها...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- جماع الوصايا، وأساس السعادة، وهي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه، كما قال -جل وعلا-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم.
ثم اعلموا -رعاكم الله- أن أعظم ما يجب على العبد أن يُعنى به في هذه الحياة الاستقامة على طاعة الله، ولزوم صراطه المستقيم، وعدم الحيدة والانحراف عنه ذات اليمين وذات الشمال، قال الله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: 112]، وقال -جل وعلا-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6]، وقال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13]، وقال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30].
وفي الحديث الصحيح أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم".
معاشر المؤمنين: الاستقامة أساس للسعادة، وسبيل للفلاح والرفعة في الدنيا والآخرة، الاستقامة -عباد الله- لزوم لهدي الله، وثبات على دين الله، ومحافظة على أوامر الله، وبعد عن نواهيه -جل وعلا-، الاستقامة -عباد الله- حفظ للأوامر بفعلها، وحفظ للنواهي باجتنابها وتركها، الاستقامة -عباد الله- أن يكون نظر العبد إلى الآخرة، طامعًا في ثواب الله -تبارك وتعالى-، خائفًا من عقابه، يعلم أن أمامه جنة ونارًا، وحسابًا وعقابًا، فيستقيم على طاعة الله إلى أن يلقى الله -جل وعلا- وهو راضٍ عنه غير ساخط.
عباد الله: الاستقامة مطلب عظيم، ومقصد جليل، ولا بد فيها من مجاهدة للنفس، واستعانة بالله -تبارك وتعالى-: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله".
عباد الله: وللاستقامة قاعدتان عليهما قيامها، فلا قيام للاستقامة إلا عليهما، ألا وهما: استقامة القلب، واستقامة اللسان، وتأملوا هذا -رعاكم الله- فيما رواه الإمام أحمد بسند ثابت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه". فهاتان -عباد الله- قاعدتان للاستقامة لا بد منهما: استقامة القلب، واستقامة اللسان.
أما استقامة القلب -عباد الله- فبعمارته بالإيمان بالله، والخوف منه، ورجائه -تبارك وتعالى-، وحسن التوكل عليه، والثقة به، ومحبته -جل وعلا-، ومحبة ما يحبه من الأعمال والأقوال، والعناية بإصلاح القلب تزكيةً ونقاءً وصلاحًا، وإذا استقام القلب على هذه الحال تبعته الجوارح كلها في الاستقامة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، فوجب على كل مسلم -عباد الله- أن يُعنى بقلبه إصلاحًا له، وتنقية له، واجتهادًا في تزكيته وتطهيره: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 9، 10].
الأمر الثاني -عباد الله-: استقامة اللسان، وذلك بصيانته وحفظه عن كل أمر يسخط الله، وشغله بكل نافع مفيد، وبكل قول سديد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب: 70].
وإذا استقام اللسان تبعته الجوارح؛ لأنها فرع عنه، ونتيجة من نتائجه، ولهذا صح في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتَّقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإذا استقمت استقمنا، وإذا اعوججت اعوججنا".
وكل ذلكم -عباد الله- يؤكد على أهمية العناية بهاتين القاعدتين للاستقامة: استقامة القلب، واستقامة اللسان، وهاهنا -عباد الله- تأتي المجاهدة للعبد الصادق الناصح لنفسه، يجاهد نفسه أولاً على إصلاح قلبه، وإقامته على طاعة الله، وشغله بمحبته ورضاه، وإبعاده عن كل أمر يسخط الله، وشغل لسانه بالكلمات النافعة، والأقوال السديدة، والكلمات المفيدة، فإذا كانت حاله هذه الحال استقام أمره، وصلح إيمانه، وتحققت له سعادته في الدنيا والآخرة.
فإن قال قائل: فما الذي يعيننا على ذلك؟! ففي هذا نقاط عديدة أعرضها مجملة:
الأول: الدعاء؛ فهو مفتاح كل خير وسعادة ورفعة في الدنيا والآخرة، فعليك بالإلحاح على الله -جل وعلا- وكثرة سؤاله، أن يثبتك على دينه القويم، وأن يهديك صراطه المستقيم، وقد كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب: ثبت قلبي على دينك".
الأمر الثاني: العناية بالعلم النافع؛ فالعلم نور لصاحبه وضياء، ولن يتحقَّق لعبدٍ استقامة إلاَّ بعلم نافع، يستضيء به، ويعرف به طريق الاستقامة، فإن من لا علم عنده لا يميز الخبيث من الطيب، ولا يفرق بين الصالح والنافع؛ إذ لا يفرَّق بين ذلك إلاَّ بالعلم.
الأمر الثالث -عباد الله-: تخير الجلساء واختيار الرفقاء، وقد قال في هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
الأمر الرابع: أن يتذكر العبد دائمًا وأبدًا أنه سيقف يومًا بين يدي الله، وأن الله -جل وعلا- سيحاسبه على ما قدم في هذه الحياة، فمن عمل خيرًا أثيب عليه، ومن عمل شرًّا عوقب عليه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) [الزلزلة: 7، 8].
الأمر الخامس: مجاهدة النفس، وإلزامها وأخذها إلى سبيل الاستقامة؛ فإن النفس حرون، والأهواء عديدة، والشهوات متعددة، فلا بد من حزم وعزم، مع الاستعانة على ذلك بالله -جل وعلا-.
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ووفِّقنا -يا إلهنا- على الاستقامة على دينك القويم، وجنبنا -يا ذا الجلال والإكرام- من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير دينه ودنياه.
عباد الله: من جاهد نفسه على الاستقامة مستعينًا بالله -تبارك وتعالى-، فهو ولابد بإذن الله بالغ تمام الاستقامة أو مقارب، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلاَّ غلبه، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا"، فجعل البشارة -عليه الصلاة والسلام- لمن سدد أو قارب، والمسدد -عباد الله- هو الذي أصاب الاستقامة في تمام حقيقتها وأبهى صورها وأتم حللها، والمقارب -عباد الله- هو الذي يجاهد نفسه على بلوغ تمام الاستقامة ولمَّا يكملها، وهو قريب من الكمال، فلا يزال مجاهدًا نفسه على ذلك، فعلينا -عباد الله- أن نجاهد أنفسنا على السداد، وهو كمال الاستقامة، ومن لم يبلغ السداد فعليه بالمقاربة، وليحذر أشد الحذر من الانحراف عن طريق الاستقامة.
والكيس -عباد الله- من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع شرعك، وتحكيم سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا تُسمع.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.