البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الأمطار آداب وأحكام (2)

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات
عناصر الخطبة
  1. آثار رحمة الله على عباده بالأمطار .
  2. تحذير من أمور تمس العقيدة في نزول الأمطار .
  3. آداب وسنن ينبغي مراعاتها عند نزول المطر .
  4. تنبيه لأمور مهمة تتعلق بأخطار الأمطار .

اقتباس

فحق للناس أن يتحرّوا المطر وينتظروه، وحق لهم أن يتناقلوا أخباره، وحق لهم إذا سُقوا أن يفرحوا، ومن منا لا يفرح بأثر رحمة الله -تعالى- في عباده؟! (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [الروم:48-50].

الخطبة الأولى:

إن في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد، عبرةً لأولي الأبصار، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) [الفرقان:48-50].

فبالمطر تحيا الأرض وتزدان، ويفرح الناس به والأنعام، فهو أثر لرحمة الرحمن الرحيم في عباده؛ به يزيل الله -تعالى- يأسهم، ويذهب رجزهم، ويجلي همّهم. فنزول الأمطار من النعم العظيمة، كيف لا وهو من أهم مصادر المياه العذبة في الأرض؟! فمن غيثه المبارك نشرب، ومن نتاجه نأكل، وبه نتطهر: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:10-11].

فحق للناس أن يتحرّوا المطر وينتظروه، وحق لهم أن يتناقلوا أخباره، وحق لهم إذا سُقوا أن يفرحوا، ومن منا لا يفرح بأثر رحمة الله -تعالى- في عباده؟! (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [الروم:48-50].

أيها الإخوة في الله: كلنا يعلم بأن الذي ينزل المطر من السماء هو الله -عز وجل-، ولكن هناك بعض الأفلام الكرتونية التي تعرض في بعض القنوات الفضائية تعلم أبناءنا الصغار غير ذلك؛ لأن الذي يصمم هذه الأفلام ما هو إلا وثني أو ملحد أو كتابي يجسد عقيدته وفكره الضال في هذه الأفلام، فإذا طبعت هذه الصورة في ذهن الصغير حتى يكبر معتقدا بأن الذي ينزل المطر هم تلك الأشكال -عياذا بالله- فلن يكون هناك لجوء صادق إلى الله -تعالى- بطلب الغيث؛ لذلك فلننتبه من بعض القنوات الفضائية المضللة التي تحاول إفساد عقيدة أبنائنا.

وبعض الناس ينسب نزول المطر إلى النجم الفلاني أو الكوكب الفلاني، وهذا أمر محرم، وإنما ينبغي أن ينسب إلى الله -عز وجل-، وأن يقال: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ. فقد روى زيدُ بن خالد -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟"، قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي" رواه البخاري.

أيها الإخوة في الله: هناك بعض الآداب والسنن التي ينبغي العمل بها إذا نزل المطر.

أولا: فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا نزل أول المطر حسر رأسه ليصيبه شيء من المطر، قَالَ أَنَسُ بن مالك –رضي الله عنه-: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟، قَالَ: "لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ -تعالى-" رواه مسلم.

قال النووي: ومعنى "حديث عهد بربه"، أَيْ: بِتَكْوِينِ رَبّه إِيَّاهُ ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَطَر رَحْمَة، وَهِيَ قَرِيبَة الْعَهْد بِخَلْقِ اللَّه -تعالى- لَهَا فَيَتَبَرَّك بِهَا. اهـ.

ثانيا: يستحب الدعاء عند نزول المطر لتأكد استجابته، فقد روى مكحول الشامي -رحمه الله تعالى- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "اُطْلُبُوا استجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ" رواه الحاكم.

فكثير من الناس لا يغتنمون فرصة نزول المطر بسؤال الله من فضله، لأنه موطن إجابة، خاصة تحت المطر، إذ يتأكد إجابة الدعاء إذا كان الدعاء تحت المطر؛ لما رواه سهل بن سعد –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر" رواه أبو داود.

ومن السُنَّة إذا نزل المطر أن نقول: اللهم صيبا نافعا، فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا" رواه البخاري.

وإذا كثر المطر وخفنا ضرره، فمن السُنَّة أن نقول ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالْجِبَالِ، وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ، وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ" رواه البخاري.

ثالثا: وإذا نزل المطر وآذى الناس جاز لهم الجمع بين المغرب والعشاء، وإذا اشتد المطر عند دخول وقت الصلاة، فمن السُنَّة أن ينادي المؤذن بدلا من حي على الصلاة، أن يقول: صلوا في رحالكم، وهذه سُنَّة يجهلها كثير من الناس.

ومن أخطاء بعض أئمة المساجد أنهم يجمعون المغرب والعشاء لمجرد نزول المطر، حتى لو كان خفيفا لا يؤذي، والأولى أن يكون الجمع عندما يكون المطر مؤذيا ومبللا للثياب.

ومن صلى في مسجد جمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر ثم ذهب إلى مسجده فوجدهم لم يجمعوا، فلا ينبغي أن يشك في صحة صلاته وجمعه، ولا يشرع له إعادة صلاة العشاء معهم، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن إعادة الفريضة مرتين، حيث روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تُصَلُّوا صَلاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ" رواه أحمد وأبو داود.

وإذا جمع الرجال بين المغرب والعشاء بسبب المطر، فلا يشرع للنساء الجمع بين الصلاتين في بيوتهن لعدم وجود العذر، ومتى ما جمع المرء بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فله أن يصلي سنة المغرب ثم سنة العشاء بعدها، ويجوز له أن يصلي الوتر أيضا بعد ذلك.

وعند نزول المطر ينبغي احترام المارة في الطرقات، وعلى قائد السيارة أن يحترم المشاة على جانبي الطريق أو على الأرصفة عندما تكون الشوارع مليئة بمياه الأمطار كي لا يلوث ثيابهم، خاصة إذا اختلطت تلك الأمطار بالمجاري.

فهناك صنف من الناس يسير مسرعا في مثل هذه الشوارع ولا يبالي بمن يمشي على جانبي الطريق فيرش على المشاة مياه الأمطار بسيارته، وقد يدعون عليه فيستجيب الله دعاءهم، وقد حذر المصطفى –صلى الله عليه وسلم- من إيذاء الناس في الأماكن العامة فقال: "من آذى الناس في طرقهم وجبت عليه لعنتهم" ومعنى هذا الحديث أنه من آذى المسلمين في طرقهم العامة فلعنوه - وإن كان اللعن غير مشروع- فإن دعاءهم ولعنتهم تقبل فيه.

وعند نزول المطر واشتداد البرد كثيرا ما تدخل القطط في ماكينة السيارة بحثا عن الدفء، لذلك يستحسن استخدام منبه السيارة قبل تشغيل سيارتك إذا علمت أن قططا تحوم دائما حول سيارتك، لئلا تفرم قطة وأنت لا تدري، وقد شاهدنا مثل ذلك في بعض مقاطع اليوتيوب.

وعند نزول المطر يحذر رجال الدفاع المدني من خطورة استخدام أجهزة الاستقبال، وخاصة الهواتف الجوالة أثناء حدوث الرعد والصواعق وهطول الأمطار كون هذه الأجهزة ذات قدرة عالية على جذب الشحنات الكهربائية التي تحملها الصواعق، مما يتسبب في تعرض مستخدميها لإصابات قد تصل إلى حد الوفاة في أحايين كثيرة.

أسأل الله -تعالى- أن يسقينا من عنده ماء غدقا، وأن يجعله صيبا نافعا غير ضار، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ غافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزّل البركات، وواهب الخيرات، ومحيي الأرض بالمطر بعد الموات. وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ صلى الله عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أما بعد: فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا رأى سحابا خاف أن يكون فيه عذاب، فإذا نزل منه المطر فرح وزال خوفه، فقد روت عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كَانَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ" رواه البخاري، وروت أيضا -رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ الْعَمَلَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلاةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا"، فَإِنْ مُطِرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا" رواه أحمد وأبو داود.

لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يفرح بنزول المطر، وأصبح كثير من الناس يخافون من نزول المطر خشية أن تقع سياراتهم في حفر أو في بيارات مفتوحة وهم لا يشعرون، أو أن يطفأ محرك السيارة بسبب ارتفاع منسوب مياه الأمطار في بعض الشوارع لسوء تصريف المياه، وكم تحولت الأمطار في بعض المدن إلى سيول جارفة، جرفت معها الأخضر واليابس، رغم إنفاق الدولة مليارات الريالات على تصريف الأمطار، ولكن غش بعض المقاولين وعدم أمانتهم حوّل أمطار الخير إلى سيول وكوارث وعذاب أليم، أُزهقت فيها أرواح، وأُتلفت فيها أموال. فمتى نسمع عن محاسبة لكل من كان سببا في مثل هذه الكوارث والمصائب التي أضرت بسمعة البلد؟.

أسأل الله -تعالى- أن يحفظنا في ديارنا، وأن ينعم علينا بالأمن والأمان. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.