الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | أحمد بن عبدالله بن أحمد الحزيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
همُ الذينَ قاتلُوا الصَّحَابَةَ -رضيَ اللهُ عَنْهُمْ- فِي مَعْرَكَةِ النَّهْرَوَانِ، حَيْثُ قَاتَلُوا أَصحابَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الذينَ همْ خِيارُ النَّاسِ بعدَ الأَنبياءِ. إِنَّهُمْ الذينَ قتلوا الخلِيفتينِ الرَّاشدينِ: عُثمانَ بنَ عفَّانٍ وهوَ يقرأُ القرآنَ، وَعَليًّا بنَ أبي طالبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- وهوَ في طريقِهِ للصلاةِ. إِنَّهُمُ الذينَ شَغَّبُوا على الخلفاءِ وتعطَّلَ الجهادُ بِسَبَبهمْ في كثيرٍ منَ الأزمانِ.
الخطبة الأولى:
أما بعدُ:
فأُوصيكُمْ -أيُّها الناسُ- بتقوى اللهِ -سبحانَهُ- والاستمساكِ بعروتِهِ الوثقى، والاعتصامِ بحبلِهِ المتينِ، ولُزومِ جماعةِ المسلمينَ، فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، وإياكُم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٍ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٍ: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].
عبادَ اللهِ: دخل نفر من الخوارج بلدةً كان فيها عبد الله بن خباب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج فزِعاً يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ روُعْتُمُونِي، قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ، حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُحَدِّثُنَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، قَالَ: "فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ، فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، قَالَ أَيُّوبُ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ"، قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ مَا ابْذَقَرَّ، وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا" [رواه الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط].
عبادَ اللهِ: هَؤُلاءِ همُ الخوارِجُ الذينَ عَانتْ منهمُ الأمةُ في قديمِ عصرِهَا وحديثهِ، فهمُ الذينَ قاتلُوا الصَّحَابَةَ -رضيَ اللهُ عَنْهُمْ- فِي مَعْرَكَةِ النَّهْرَوَانِ، حَيْثُ قَاتَلُوا أَصحابَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الذينَ همْ خِيارُ النَّاسِ بعدَ الأَنبياءِ، إِنَّهُمْ الذينَ قتلوا الخلِيفتينِ الرَّاشدينِ عُثمانَ بنَ عفَّانٍ وهوَ يقرأُ القرآنَ وَعَليًّا بنَ أبي طالبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- وهوَ في طريقِهِ للصلاةِ.
إِنَّهُمُ الذينَ شَغَّبُوا على الخلفاءِ وتعطَّلَ الجهادُ بِسَبَبهمْ في كثيرٍ منَ الأزمانِ.
انظروا إلى أفعالِهمْ في الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فكمْ صفُّوا من رُؤوسِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقِيَادَاتِ الْجِهَادِ فِي الشَّامِ، وأئمةِ المساجدِ والدعاةِ إلى اللهِ، وَاستحلُّوا دماءَهُمْ، ثُمَ عَمدُوا في كثيرٍ منْ بلادِ الإسلامِ فكفَّرُوا وفجَّرُوا وقَتَلُوا وخرَّبُوا.
بينما لا نجدُهُم يُوجهونَ سِهامَهمْ إِلى دولةِ اليهُودِ وهيَ بجُوارِهِمْ، ولا إِلى الدَّولةِ الصَّفويةِ الإِيرانِيَّةِ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عنِ الخـوارجِ: "المؤمنونَ منهـمْ في تعبٍ، والمشركونَ منهمْ في راحةٍ".
أيُّها المؤمنونَ: إنَّ مما جاءتْ بِهِ الشريعةُ المباركةُ -شريعةُ الإسلامِ-: تحريمُ الدماءِ والتهديدُ والوعيدُ في ذلكَ والتشديدُ في هذا الأمرِ، فإنَّ مِنْ أعظمِ الذنوبِ بعدَ الشركِ باللهِ: قتلُ مسلمٍ بغيرِ حقٍّ، قدْ قالَ تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، ليسَ في دماءِ الآدميينَ فقطْ، بلْ حتى في دماءِ البهائمِ؛ عنِ المغيرةِ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- مرَّ بنفرٍ منَ الأنصارِ يرمونَ حمامةً، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "لا تَتَّخِذُوا الرُّوحَ غَرَضًا" [رواه الطبراني]، فإذا كانَ الوعيدُ قدْ وردَ في قتلِ بهيمةٍ بغيرِ حقٍّ، فكيفَ بقتلِ الآدميِّ؟! وكيفَ بقتلِ المسلمِ؟!
ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ" [رواهُ الترمذيُّ وصححَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الترمذيِّ]، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "والمسلمُ في عافيةٍ منْ أمرِهِ ما لمْ يُصِبْ دمًا حرامًا".
فإنْ أصابَ دمًا حرامًا وقعَ في بليةٍ عظيمةٍ ورزيةٍ جسيمةٍ لا مخلَصَ لهُ منهَا، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" [رواهُ البخاريُّ].
وكما في الحديث عن ابن عباس قال: "وَلَقَدْ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يَجِيءُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آخِذًا رَأْسَهُ، إِمَّا قَالَ: بِشِمَالِهِ، وَإِمَّا بِيَمِينِهِ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ، فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا: فِيمَ قَتَلَنِي؟" [رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة].
عبادَ اللهِ: إنَّ التفجيرَ والتخريبَ, وقصدَ المعصومينَ بالتخويفِ والترويعِ، والإيذاءِ والقتلِ، وقصدَ المساجدِ ما هوَ إلا ضربٌ منْ ضروبِ الفسادِ في الأرضِ، وفاعلُهُ قدْ أتى جرمًا عظيمًا، وعلَّقَ في رقبتِهِ دماءً معصومةً.
عبادَ اللهِ: إنَّ على العلماءِ والمفكِّرينَ وأصحابِ الرأيِ والقلمِ مسؤوليّةً كبرى في توجيهِ الشبابِ وتثقيفِهمْ وتوعيَتِهمْ وحمايَتِهمْ منَ الانسياقِ وراءَ أصحابِ الأفكارِ الشاذَّةِ والمنحرفةِ، وأصحابِ الأغراضِ والأهواءِ، لا بدَّ منْ حسنِ التوظيفِ للمنابرِ ووسائلِ الإعلامِ والنشرِ، والسعيِ الجادِّ نحوَ حِفظِ الدينِ والأمَّةِ والديارِ، لا بدَّ منْ قيامِ مبادراتٍ لتحصينِ الشبابِ منْ هذا الفكرِ بأسلوبٍ مؤثرٍ تُستخدمُ فيهِ أساليبُ الإقناعِ والحوارِ.
عبدَ اللهِ: أمَّا أنتَ فمسؤوليتُكَ كبيرةٌ في حفظِ منْ تحتَ يدِكَ منَ الأبناءِ والإخوةِ والأخواتِ، إني أعيذُكَ باللهِ أنْ يكونَ أحدُ أبنائِكَ وقودًا لهذا الفكرِ الضالِّ, لا تنتظرُ اتصالًا منْ ولدِكَ يخبرُكَ أنَّهُ الآنَ في بلدِ كذَا وكذَا منَ البلادِ ينتشرُ فيها هذا الفكرَ.
باللهِ عليكمْ كمْ ستكونُ الصدمةُ ساعتَئذٍ؟
واللهِ إنَّها مصيبةٌ كبيرةٌ وبلاءٌ عظيمٌ!
إذًا، سارعْ لتحصينِ منْ تحتَ يدِكَ منَ الأبناءِ والإخوةِ وذلكَ بالحوارِ الهادئِ وبالجلوسِ معهمْ والسفرِ بهمْ وناقشهمْ بالتي هيَ أحسنُ حاولِ اكتشافَ ذلكَ بالحديثِ حولَ هذا الفكرِ زودْهمْ ببعضِ المقاطعِ التي تكشفُ عوارَ هذا الفكرِ الضالِّ المضلِّ، ويفضحُ أسرارَهُ ويعري أفكارَهُ، وانظرْ ردةَ الفعلِ، فإنْ رأيتَ تعاطفًا أوْ ثمةَ تبريرٍ لهذهِ الأفعالِ، فبادرْ بعلاجِ ذلكَ بالحوارِ والنقاشِ الهادئِ في دحضِ هذهِ الشبهِ بعيدًا عنِ الشتمِ واللطمِ والأيمانِ المغلظةِ.
هذا إنْ كنتَ تملكُ ذلكَ أمَّا إنْ لمْ تكنْ ذلكَ فافزعْ إلى منْ يجيدُ ذلكَ ويتقنُهُ حتى تنكشفُ الغُمةُ عنهمْ -بإذنِ اللهِ-.
إذًا، فالوسيلةُ الأنفعُ في ذلكَ هيَ الحوارُ، وهيَ الواردةُ عنِ النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فلقدْ حاورَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- ذَا الخويصرةِ، وقالَ لهُ: "فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ" قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" [متفق عليه].
وكذلكَ حاورَ ابنَ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- الخوارجَ فرجعَ منهمْ ألفانِ.
ولا شكَّ أنَّ أسلوبَ الحوارِ في هذهِ المشكلةِ هوَ منْ أنفعِ الأساليبِ معَ الدعاءِ الصادقِ لهمْ بأنْ يحفظَهمْ منْ مضلاتِ فتنِ الشهواتِ والشبهاتِ.
باركَ اللهُ لي ولكمْ بالقرآنِ العظيمِ وبهديِ سيدِ المرسلينَ.
أقولُ قولي هذا...
الخطبةُ الثانيةُ:
عباد الله: إن ما حدَثَ في هذه البلادِ المُبارَكة -حرسَها الله- خلال أيام رمضان المُبارَك وفي آخره على وجه التحديد، من تفجيرٍ وسَفكٍ للدماء، وترويعٍ للآمِنين، حتى وصلَ الأمرُ إلى حرَمِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلمَ- لهُو فاجِعةٌ بكل المقايِيس لكل مُسلمٍ غَيورٍ مُحبٍّ للحرمَين الشريفَين، وداهِيةٌ مُحزِنةٌ مُؤلِمةٌ، ومُحيِّرةٌ مُقلِقة في آنٍ واحدٍ، مُحزِنةٌ ومُؤلِمةٌ لأنها حصلَت في بلاد الحرمَين، مأرِز الإيمان ومهبِط الوحي.
وقد راحَ ضحيَّتَها مُسلِمون أبرِياء، ورجالُ أمنٍ أوفِياء -نحسبُهم شُهداء عند الله، رحمةُ الله عليهم جميعًا-، وكادَت أن تصِلَ إلى مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلمَ-، لولا عنايةُ الله ثم جُهود رِجال الأمن -قوَّاهم الله-.
وهي كذلك مُحيِّرةٌ ومُقلِقة؛ لأن كل العُقلاء يتساءَلون: من أين أتى هؤلاء المُعتَدون الجهلَة، الذين لا يرقُبُون في مُؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة، وانتهَكُوا الحُرُمات والمُقدَّسات والأزمِنة الشريفة، وكيف وصَلُوا إلى هذه المرحَلة الخطيرَة من الاستِخفافِ بالدمِ والحُرُمات؟ هل يعُقل أن يصل إجرام أُولئكَ الأغرارُ الذينَ غَشِيَتُهم ظُلماتُ الجهلِ والهوى حَتى رَانَتْ عَلى قُلوبِهِم، وَأفْسَدَتْ عُقُولَهُم فَاسْتَحَلُوا دِمَاءَ أَرْحَامِهِم وَأَقارِبَهُم، وَقَصَدُوا قَتْلَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِم، ثُمَّ استَبَاحُوا الغَدْرَ بِالصَائمينَ فِي خِتَامِ رمضانَ، في حَرَمِ المدينةِ النبويةِ، على مقربة من مرقده الشريف وَقدْ لَعنَ اللهُ -تَعالى- مَنْ أَحْدثَ فِيها حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَكيفَ بِحَدثٍ جَمعَ الغَدْرَ واستِحْلَالَ أَنُفسِ الصَائِمينَ بِقُربِ حرمِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلمَ-، وَروَّعَ المُجاورِين والمُصلِّين.
وَلكنَّها القلوبُ الفَاسدةُ إِذَا أُشْرِبتْ الفِتَنَ فَلَا يُسْتَغربُ عَلَى أَصْحابِهَا أَيُّ جُرْمٍ مَهْمَا كَانَ عظيمًا قَبيحًا.
نَسألُ اللهَ -تَعالى- أنْ يَكْبِتَهُم، وَيَكْفِيَ المُسلمين شَرَّهُم، وَيَحفظَ أَولادَ المسلمينَ ممن يُريدُ إِغْواءَهُم وَإِضْلَالَهُم.
وثبتَ في الصحيحينِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ" [متفق عليه].
لا إلهَ إلا هوَ, يغضبُ رَسُولُ اللهِ -صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لامْرَأَةٍ كافرةٍ قُتلتْ في ساحاتِ الحربِ! وقدْ تكونُ ساعدتْهُمْ بالمداواةِ ونحوِهَا, ومعَ ذلكَ ينهى عنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟
إنَّ ما قامَ بهِ هؤلاءِ منِ استباحةِ الدمِ المعصومِ، خروجٌ على وليِ الأمرِ، وهوَ منْ أفعالِ الخوارجِ الذينَ قالَ عنهمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتَهُمْ فَاقْتُلْهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [متفق عليه]، فإنَّ كلَّ عمَلٍ تخرِيبيٍّ يستهدِفُ الآمِنينَ، ومَعصومِي الدماءِ والنفوسِ المحرمةِ محرَّمٌ بالإجماعِ، مخالفٌ لأحكامِ شرعِ اللهِ، فكيفَ إذا كانَ القتلُ والتخريبُ والإفسادُ والتدميرُ في بلدِ التوحيدِ، بلدٍ يُعلِي كلمةَ اللهِ، وترتفِعُ فيهِ رايةُ الدِّينِ والدعوةِ، وحُكمُ الشرعِ؟! ومهبطُ الوحيِ، ومبعَثُ الرِّسالةِ، وفيهِ أقدسُ المقدّساتِ، فبلادُنا هيَ دارُ الإسلامِ، ودارُ الإيمانِ التي يأرِزُ إليها الإسلامُ والإيمانُ؟! إنَّ ذلكَ كلَّهُ يزيدُ الحرمَةَ حرمةً والإلحادَ إلحادًا.
فحسبُنَا اللهُ ونعمَ الوكيلُ! فكَمْ منْ نفسٍ معصومةٍ أُزهِقتْ؟! وكَمْ مِنْ أموالٍ وممتَلكاتٍ محتَرمَةٍ أُتلِفتْ؟! وكَمْ منْ نفسٍ آمنةٍ رُوِّعتْ؟! مفاسدٌ عظيمةٌ، وشرورٌ كثيرةٌ، وإفسادٌ في الأرضِ، وترويعٌ للآمنينَ، ونقضٌ للعهودِ، وتجاوزٌ على إمامِ المسلمينَ..
أَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَأَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كَيْدِ الْحَاسِدِينَ، مِنْ أَعْدَاءِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ.
اللَّهُمَّ مَنْ قَصَدَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَتْلِ وَالتَّرْوِيعِ، وَرَامَ الْإِفْسَادَ فِي بِلَادِهِمْ، وَالتَّخْرِيبَ فِي أَوْسَاطِهِمْ فَاهْتِكْ سِتْرَهُ، وَاكْشِفْ أَمْرَهُ، وَاكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ; إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ اهْدِ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَصْلِحْ شَبَابَهُمْ وَشَيْبَتَهُمْ، وَرِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَفُكَّ أَسْرَاهُمْ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَعَافِ مُبْتَلَاهُمْ.
الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ...) [النحل: 90].