البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

بين الإرجاء والتكفير- خطبة عيد الأضحى لعام 1428هـ

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. الحج وتعظيم شعائر الله .
  2. من أحوال الحجاج .
  3. الحج واجتماع كلمة المسلمين .
  4. التحذير من فتنتي التكفير والإرجاء .
  5. علاج التكفير والإرجاء . .
اهداف الخطبة
  1. بيان أثر الحج على الحجاج
  2. التحذير من فتنتي التكفير والإرجاء وبيان علاجهما.

اقتباس

نتيجة لهذا التفرق والاختلاف بلغ ضعف المسلمين مداه، وقرب عجزهم من منتهاه؛ حتى سبَّ الكافرون دينهم، ودنسوا قرآنهم، وسخروا من أحكام شريعتهم، واعتدوا على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بالتنقص والازدراء والاتهام، والمسلمون لا يملكون حيال ذلك أكثر من الشجب والاستنكار.

(الحَمْدُ لله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1]
الحمد لله؛ خالق الخلق، وقاسم الرزق، ومدبر الأمر، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب.
(الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء:111].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر ما هل هلال وأدبر، الله أكبر ما حج حاج واعتمر، الله أكبر ما لبى ملب وكبر.

الله أكبر عدد من وقفوا بعرفات، الله أكبر عدد ما رُفع لله تعالى من الدعوات، الله أكبر عدد ما قضى سبحانه من الحاجات.

الله أكبر، كم من قلب لله تعالى خشع! وكم من عين من خشيته دمعت! وكم من دعوة إليه رفعت!
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ حج حجة واحدة سميت حجة الوداع.

سار عليه الصلاة والسلام في جموع غفيرة من المسلمين يريدون الائتمام به، ومعرفة المناسك منه، فكانوا مدَّ البصر رجالا وركبانا، بين يديه وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه، فحج بهم، وعلمهم مناسكهم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أتقى هذه الأمة قلوبا، وأزكاهم أعمالا، أثنى الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، ورضي عنهم وإن رغمت أنوف مبغضيهم من أهل الرفض والشرك والنفاق، ورضي عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحمدوه على ما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ هداكم للإيمان، وعلمكم الشرائع والأحكام، وفرض عليكم ما يصلحكم في الحال والمعاد..

ومن عظيم نعمته عليكم، وكبير إحسانه إليكم أن بلغكم هذه العشر المباركة، وخاتمتها هذا اليوم الأغر، الذي سُمِّي في القرآن: يومَ الحج الأكبر، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه أعظم الأيام عند الله تعالى.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الناس: في مكة والمشاعر المقدسة ضيوفُ الرحمن، وحجاجُ البيت الحرام، قد وقفوا بالأمس في عرفات، يعبدون ربا واحدا، ويلبسون لباسا واحدا، ويلبون تلبية واحدة..قد تباعدت بلدانهم، ولكن تقاربت في المناسك قلوبهم، اختلفت لغاتهم وألوانهم وأجناسهم فجمعتهم رابطة الإيمان؛ فجاءوا من شتى بلدانهم لهدف واحد، وغاية واحدة هي: تعظيم شعائر الله تعالى في المشاعر المقدسة، وأداء مناسك الحج والعمرة، فما ظنكم -يا عباد الله- برب جواد كريم يعطي العطاء الجزيل على العمل القليل، ويغفر الذنب العظيم..

ما ظنكم به سبحانه وقد وقف الحجيج في عرفات شعثا غبرا، تجردوا من لباسهم، وحسروا رؤوسهم ذُلاً له وتعظيما، ورفعوا أيديهم يسألونه باكين راجين متضرعين، أترونه يردهم وهذه حالهم، وهو الجواد الكريم؟!
كم من عبد طرح بالأمس نفسه على باب ربه، يتذكر ذنوبه فيخاف ويشفق، ثم يتذكر كرم ربه عز وجل وعفوه ورحمته التي وسعت كل شيء فيرجو ويرغب؟!

كم من عبد أظهر بعرفة من الذل لله تعالى، والندم على ما سلف من ذنوبه، والبكاء على خطيئته ما كان سببا في مغفرته ورحمته؟!
كم من عبد رفع يديه لله تعالى في عرفة فكان عفو الله تعالى ورحمته أسرع إليه من إرسال يديه حين أرسلها؟!
كم من عبيد لله تعالى ما غربت عليهم شمس الأمس إلا وقد غُفرت ذنوبهم، وحُطت خطاياهم، وقَبِل الله تعالى توباتهم؛ فغسل حوباتهم، واستجاب دعواتهم.

جاء في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم يُرَ يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة" رواه أبو يعلى وصححه ابن حبان.

كم من عبيد ما خرجوا بالأمس من عرفة إلا وقد نالوا من الرحمن مرادهم، والبارحة باتوا ليلتهم في مشعر مزدلفة، ووقفوا فجر هذا اليوم عند المشعر الحرام يذكرون الله تعالى ويعظمونه، ويسألونه ويرجونه، وهم الآن في طريقهم إلى الجمرات؛ ليرموها مكبرين الله تعالى ومعظمين، ثم يتقربون إلى الله تعالى بهداياهم كما تتقربون أنتم اليوم إليه سبحانه بضحاياكم، ثم يُحلون إحرامهم، ويطوفون بالكعبة الشريفة (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) [الحج:29] .

فما أجلها من شعائر! وما أعظمها من مناسك!! فاللهم اقبل منا ومن الحجاج ومن سائر عبادك المؤمنين.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: في هذا اليوم العظيم تراق الدماء شكرا لله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ) [الحج:34].

أنعام وهبنا الله تعالى إياها، وسخرها لنا، ورزقنا أثمانها، وهدانا إلى التقرب إليه بها ، ثم ننتفع بلحمها، وهي لنا، ولا يأخذ ربنا منها شيئا، ثم يأجرنا عليها، فما أوسع كرم ربنا علينا! وما أكثر إحسانه إلينا! وما أشد رحمته بنا! (وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ) [الحج:36-37] وقد أمرنا عز وجل بنحرها في هذا اليوم العظيم عقب الصلاة فقال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2] وقد قال بعض العلماء بوجوبها لمن قدر عليها، فامتثلوا أمر الله تعالى، واحمدوه على هذه النعمة العظيمة، واشكروه عليها، وكبروه كما أمركم، وطيبوا بها نفسا، واختاروا أطيبها وأسمنها وأنفسها؛ فإنها قربة لله تعالى، ثم هي عائدة إليكم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: في هذه الأيام العظيمة قد جمع الله تعالى الحجاج في صعيد واحد، وبمنسك واحد، ولباس واحد، وإن تباعدت بلدانهم، واختلفت ألسنتهم وألوانهم، وتباينت ثقافاتهم وعاداتهم، وهذا الاجتماع في المشاعر؛ لأداء الشعائر والمناسك، وعلى هذه الهيئة الواحدة مُشْعِرٌ بلزوم اجتماع كلمة المسلمين، ودالٌ على وجوب تآلفهم وتكاتفهم؛ فإن رابطة الإيمان أقوى رابطة (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].

كيف؟! وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بذلك فقال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103] وفي الآية الأخرى (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].

إن اجتماع كلمة المسلمين مطلب ديني، وواجب شرعي، وهو سبب العز والنصر والقوة، فواجب على المسلمين أن يسعوا إليه، ويعملوا به، ويجتنبوا أسباب الفرقة والاختلاف والتنافر والبغضاء، وإن أعداء الإسلام في القديم والحديث ما نالوا من المسلمين إلا بعد أن دسوا الدسائس فيهم، وسعوا بالوشاية بينهم، وأشعلوا فتيل الفتنة في أوساطهم، فكان التفرق والاختلاف، ونتج عنه تباغض القلوب وتنافرها، ومن ثم الاحتراب والاقتتال.

ونتيجة لهذا التفرق والاختلاف بلغ ضعف المسلمين مداه، وقرب عجزهم من منتهاه؛ حتى سبَّ الكافرون دينهم، ودنسوا قرآنهم، وسخروا من أحكام شريعتهم، واعتدوا على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بالتنقص والازدراء والاتهام، والمسلمون لا يملكون حيال ذلك أكثر من الشجب والاستنكار.

لقد احتل الغاصبون أراضيهم، وعبثوا بأعراضهم، ونهبوا ثرواتهم، وأهانوا إخوانهم، وتطاولوا على مقدساتهم، ولهم مشاريع إجرامية خبيثة في تمزيق بلاد المسلمين، والاستيلاء عليها، تُعْرَفُ بالشرق أوسطية والشرق الأوسط الكبير ثم الجديد، ولا يملك أكثر المسلمين إزاء ذلك إلا الانتظار والترقب عما تسفر عنه الأحداث، وهذا منتهى الضعف وغاية العجز.

وقد نتج عن هذه المحنة العظيمة فتنتان كبيرتان هما: فتنة الإرجاء، وفتنة التكفير.
أما فتنة الإرجاء فحمل لواءها مبتدعة استهانوا بحرمات الله تعالى، وعظموا البشر أكثر من تعظيمهم للرب جل جلاله، وقدموا أقوالهم على نصوص الشريعة، وحرفوا المحكمات لإشباع أهوائهم، وإرضاء غيرهم..
يقتاتون بأعراض الصالحين والمصلحين، ويرتزقون بأذيتهم، ويحاولون الصعود على أكتاف غيرهم..
فيهم من الحمق والغفلة، والحقد والضغينة ما اسودت به قلوبهم، وغشي على أبصارهم، وغطى عقولهم فلم يميزوا صديقا من عدو، ولا ناصحا من مخادع، نعوذ بالله تعالى من الحمق والغفلة والضلال والهوى.

واستغلهم منافقون حاقدون لهم مشاريع تخريبية في بلاد المسلمين، يسعون بجِدٍّ ومكر في تغيير دينهم، وإبطال شريعتهم، وإفساد نسائهم وأولادهم، ولهم حبال ممتدة مع أعداء الخارج..

قد اجترؤوا في هذا العصر على حمى الشريعة فتطاولوا علىها، وسخروا منها ومن حملتها، وطعنوا فيما لا يوافق أهواءهم الفاسدة، وآراءهم الكاسدة، فسلطوا ألسنتهم وأقلامهم على القضاء الشرعي، وعلى الاحتساب على الناس بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولم تسلم من شرهم الجمعيات الخيرية ولا حلقات تحفيظ القرآن الكريم ولا الدعوة إلى الله تعالى ولا المنابر ولا حجاب المرأة وعدم اختلاطها.

إنه تحالف شيطاني، وتآزر نكد، تواصى فيه أهل الإثم والبغي والعدوان بالمنكر فيما بينهم، وتعاونوا فيه على أهل الخير والصلاح والإصلاح، ولن يجدوا عاقبة أمرهم إلا خسرا، ودين الله تعالى عزيز منصور ولو تخلوا عنه، أو تأكلوا به، أو حاربوه؛ فإنهم الأذلون، وإن المصلحين منصورون (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ) [المجادلة:20].

وروى أَبو عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيُّ رضي الله عنه عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ في هذا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ في طَاعَتِهِ) رواه ابن ماجه, فليموتوا بغيظهم فإن ما يسوؤهم باق لهم بحمد الله تعالى.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أما الفتنة الثانية وهي فتنة التكفير فقد حمل لواءها قوم لم يأخذوا من العلم والحكمة حظهم، وكان فيهم من حماس الشباب وتهورهم ما أدخلهم المضايق، وانتهى بكثير منهم إلى المهالك، فكفَّروا الحكومات، ولم يُصغوا إلى العلماء، ولا راعوا المصالح والمفاسد، ثم أَتَبَعُوا التكفير بالتفجير، فعمدوا إلى بلدان المسلمين الآمنة فأفسدوا فيها وفجروا، وراح ضحيةً لأعمالهم الخاطئة، وآرائهم الفاسدة أناس لا ذنب لهم! فيهم رجال وأطفال ونساء، قد عصم الله تعالى دماءهم بالإسلام، فأهدروها هم بلا حق.

وكانوا من حيث لا يشعرون عونا لأعداء الإسلام من الكفار والمنافقين على الطعن فيه، والنيل من عباد الله الصالحين، وما تكاد تقع بلية منهم في بقعة من البقاع المسلمة الآمنة إلا طار بها فرحا الكفار والمنافقون، ووجل منها المؤمنون والمصلحون.

وقد نتج عن تخريبهم في بلاد المسلمين مفاسد جمة، وتعطلت به مصالح عظمى، ومن له علم بالشريعة يرفض ذلك ويأباه؛ لأن الشريعة جاءت برعاية المصالح وتحصيلها، ودرء المفاسد وتعطيلها.

وواجب على المسلم طاعة إمامه الذي بايعه في المعروف، والنصح له، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، والتعاون معه على البر والتقوى، والصبر على الأذى في ذلك.

وحرام عليه أن يشق عصى الطاعة، أو يفارق الجماعة، روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خَلَعَ يَدًا من طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يوم الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ له وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" رواه مسلم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة المؤمنون: هاتان الفتنتان العظيمتان -أعني فتنتي الإرجاء والتكفير- متقابلتان، فلا توجد إحداهما في بلد من البلدان إلا وجدت الأخرى في إثرها، وواجب على المسلمين أن يسعوا في القضاء عليهما جميعا.
إن التكفير لا يعالج بالإرجاء كما يظن ذلك المبتدعة والجهلة ومن في قلوبهم مرض، ولا يُقضى عليه بتسويغ الموبقات، والتشريع للمنكرات، وإيجاد المعاذير الباهتة للمخالفات، بل إن ذلك مما يزيد نار التكفير اشتعالا إلى اشتعالها.

وكذلك لا يعالج الإرجاء بالتكفير؛ فإن ما يقع من مخالفات، وما يُجاهِر به أهل السوء من منكرات، وما يُظهره أهل النفاق يعالج بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ذلك.

إن هاتين الفتنتين العظيمتين: التكفير والإرجاء تعالجان بتعظيم الشريعة وتحكيمها، وحماية جنابها من عبث العابثين، وفتاوى النفعيين المضلين، ومن سخرية الأراذل والمنافقين، والأخذ بنصوصها جميعا بلا اجتزاء ولا انتقائية..

إنهما تعالجان باجتناب الهوى، واتباع الحق، وسلوك سبيل أهل العلم والعدل، واجتناب أراء أهل الجهل والهوى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ) [ص:26].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إنكم بعد صلاتكم هذه ستتقربون إلى الله تعالى بضحاياكم، فاشكروا الله تعالى على ما هداكم وأعطاكم، وأخلصوا له في أعمالكم، واعلموا أن مشروعية ذبح الأضاحي تستمر إلى غروب شمس يوم الثالث عشر، وهو آخر أيام التشريق.

وأيام التشريق أيام عظيمة جاء ذكرها في القرآن العظيم في قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203] وخُصت بذكر الله تعالى؛ كما جاء في حديث نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لله تعالى" رواه مسلم,  فاعرفوا لها فضلها، واقدروها حق قدرها، واعمروها بذكر الله تعالى.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: افرحوا بعيدكم، وأطيعوا فيه ربكم، وطهروا قلوبكم، واحذروا المنكرات في هذه الأيام العظيمة، فليس من شكر الله تعالى على نعمه وفضله أن يُعصى في أيام ذكره وشكره.

بَرْوا والدِيكم، وصلوا أرحامكم، وأكرموا جيرانكم، ولينوا لإخوانكم،ولا تنسوا المجاهدين والمرابطين والمهاجرين من صالح دعائكم؛ فإنهم أحوج ما يكونون إليه.

أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين جميعا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله تعالى منا ومنكم صالح الأعمال.

(إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].