المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
إنَّ في خلق السماوات والأرض لآياتٍ عظام وبراهين جسام على عظمة الخالق -جل في علاه-، وتفرده بالجلال والكمال، وأنه سبحانه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه. وفي القرآن الكريم آياتٌ كثيرة تُذكر فيها السماوات والأرض وأنَّ الله جل وعلا تفرد بخلقهما، وله ملكُهما وما فيهما، وأنه سبحانه وتعالى له ما في السماوات وما في الأرض.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وخالقُ الخلق أجمعين، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جل وعلا هي خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله جل وعلا.
أيها المؤمنون: إنَّ في خلق السماوات والأرض لآياتٍ عظام وبراهين جسام على عظمة الخالق -جل في علاه-، وتفرده بالجلال والكمال، وأنه سبحانه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه. وفي القرآن الكريم آياتٌ كثيرة تُذكر فيها السماوات والأرض وأنَّ الله جل وعلا تفرد بخلقهما، وله ملكُهما وما فيهما، وأنه سبحانه وتعالى له ما في السماوات وما في الأرض.
أيها المؤمنون: ومن يقرأ كتاب الله جلَّ وعلا يتكرر عليه ورودًا في الآيات (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؛ يتكرر في مواطن كثيرة في كتاب الله -عز وجل-.
وجديرٌ بكل مسلم أن يقف متأملاً في هاتين الآيتين الباهرتين العظيمتين الدالتين على كمال الرب وعظمته، وأن يتأمل أيضًا فيما يتبع هذا الإيمان بأن لله -عز وجل- ما في السماوات وما في الأرض من لوازم عظيمة وتضمُّنات مهمة هي من هدايات القرآن ودلالاته التي ينبغي للمسلمين أن يهتدوا بها على إثر تدبرهم لكلام الله -جل في علاه-.
أيها المؤمنون: في أعظم آية من كتاب الله -عز وجل- آية الكرسي التي سيق فيها من براهين التوحيد ودلائله ما لم يأت في آية أخرى من القرآن، وكان من هذه البراهين: مُلك الله -عز وجل- للسماوات والأرض (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[البقرة:255]؛ فهذا الملك والتفرد من أعظم براهين وجوب توحيده وإخلاص الدين له -جل في علاه-.
أيها المؤمنون: إنَّ من له ما في السماوات وما في الأرض قد أحاط بالخلق علما وأحصاهم جل وعلا عددا، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا) [النساء:126].
إنَّ من له ما في السماوات وما في الأرض أحاط علمًا ببواطن الأمور وخفايا القلوب وما تكنُّه الصدور فلا تخفى عليه خافية وهو -عز وجل- على كل شيء قدير، قال الله تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:284].
إنَّ من له ما في السماوات وما في الأرض سيقف بين يديه العباد ويكون مصيرهم ومردهم إليه؛ فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [آل عمران:109]، وقال الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31].
إنَّ من له ما في السماوات وما في الأرض تفرد -جل في علاه- بالحكم الجزائي؛ يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء فالأمر أمره والملك ملكه، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:129].
وتأمل أيها المؤمن تأكيد هذه العقيدة وترسيخها وأنت تمشي على الأرض وترى السماوات من فوقك، تأمل ما في القرآن الكريم من هدايات عظيمة تؤكد وتستوجب على من علِم أن ربه سبحانه متفردٌ بملك السماوات والأرض فليعلم -وهو من لوازم هذا الإيمان- أن الواجب على العبد أن يطيعه، وأن يعمل بوصاياه، وأن يتقيه في سره وعلنه، وأن يعلم أن ربه غني عنه -جل في علاه-، وأن يعلم فقره إلى الله -عز وجل- وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله؛ لأن لله ما في السماوات وما في الأرض.
وتأمل في هذه المعاني آيتين في سورة النساء؛ يقول الله -جل وعلا-: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء: 131- 132].
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة.
أيها المؤمنون: إنَّ عقيدة المؤمن بأن لله -عز وجل- ما في السماوات وما في الأرض تثمر في حياته آثارًا عظيمة وأعمالاً جليلة وسلوكاتٍ مجيدة هي من آثاره بإيمانه بربه وتفرده -جل في علاه- وأنه سبحانه له ما في السماوات وما في الأرض؛ وهذا العبد واحدٌ وفردٌ من هذه المخلوقات وهو طوع تدبير خالقه ومولاه ولا غنى له عن ربه طرفة عين، وكلما عمَّق العبد التدبر في هذا المعنى عرف نفسه وعرف ربه وقوَّى صلته بربه ومولاه.
ونسأل الله -عز وجل- أن يصلح أحوالنا أجمعين، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما، وأن لا يكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يجعلنا أجمعين ممن يَصْلُحون على الأرض ويُصلِحون ولا يفسدون إنه ولي التوفيق -جل في علاه-.
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا. اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، اللهم سدِّده في أقواله وأعماله يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجِلَّه، أوله وآخره، علانيته وسرَّه، اللهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلم به منا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم يا ربنا نتوجَّه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا.
اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير رائث، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم إنا نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.