البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الصواعق المرسلة

العربية

المؤلف أحمد بن مسفر المقرحي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. شوق النبي –صلى الله عليه وسلم- لرؤية أمته .
  2. تذكير المسلمين بحالهم ومصيرهم عند ملاقاتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة .
  3. بعض المظاهر المخالفة لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخزي المرتكبين لها .
  4. التذكير بالموت والاستعداد له .

اقتباس

هذه الخطبة بعنوان: "الصواعق المرسلة"، والصاعقة الأولى عن نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- حبيبنا وشفيعنا وقدوتنا وعزنا وفخرنا القائد -صلى الله عليه وسلم-: "وددت أنني قد لقيت إخواني"، قال الصحابة -رضي الله عنهم-: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

عباد الله: هذه الخطبة بعنوان: "الصواعق المرسلة"، والصاعقة الأولى عن نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- حبيبنا وشفيعنا وقدوتنا وعزنا وفخرنا القائد -صلى الله عليه وسلم-: "وددت أنني قد لقيت إخواني"، قال الصحابة -رضي الله عنهم-: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني" [رواه أحمد].

نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- يتمنى رؤيانا، ويشتاق للقيانا، ونحن كل يوم نخالف سنته، ونتفنن في محاربة شريعته، ونبغض المتمسكين بمنهجه، ونعدهم من المتشددين والمتزمتين والمتنطعين.

عباد الله: تخيلوا أن في هذه اللحظة المباركة ونحن في هذه الفريضة العظيمة أن هذا الباب أو ذاك فتح بشكل ملفت للانتباه، فانصرفت أنظارنا جميعا نحو ذلك الباب الذي فتح، فإذا بالمناد ينادي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله جاء زائرا لكم، فألهمنا يقينا من الله أن ذلك صحيح.

وفجأة أطل حبيبنا وقدوتنا وشفيعنا بطلعته البهية، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! فرددنا بلسان واحد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا رسول الله.

ثم أشار إلينا بالجلوس فجلسنا، ثم توجه تجاه المنبر لينظر إلى أتباعه وأحبابه وأنصاره، لينظر إليهم من أمامهم، فلما وصل إلى المنبر، ونظر بوجهه صلى الله عليه وسلم ليرى أمامه، ويلقى لنا خطبة من خطبه العصماء، فوقف مليا ينظر إلينا، ويدقق فينا النظر، ثم أخذ يقلب فينا ببصره صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ يقلب بصره في جنبات المسجد يمنة ويسرة، ثم سكنت هنيهة، ثم قال: أين أتباعي؟ فقمنا قومة رجل واحد لنعلن له أننا جميعا أتباعه صلى الله عليه سلم وسلم، فقال: اجلسوا، ولا يقم أحد حتى أطلب منه القيام، فجلسنا جميعا، فقال: اعلموا أن الله سيخبرني بمن كذب علي، ثم قال: من كان متبعا لي قوله وعمله فليقم، ومن كان خلاف ذلك فليجلس؟

يا ترى هل يوجد بيننا من يقوم أم أننا سنكتفي بالجلوس في أماكننا؟ يا ترى من سيقوم منا ونحن نعرف من تقصيرنا ما لا يعلمه غيرنا؟

فأخذ يقلب النظر صلى الله عليه وسلم فلم يقم أحد، وبدأت الأمور تتأزم علينا، وبدأنا نكتشف أخطائنا وتقصيرنا، وبعدنا عن سنة نبينا، فقال مخففا علينا: لعلكم فهمتم أنني أقصد سنتي الخلقية والقولية والفعلية، قلنا: نعم يا رسول الله، نعم فهمنا هذا، فقالت: ذلك قصد، ولكن من كان يحافظ على الصلوات الخمس في وقتها مع جماعة المسلمين فليقم.

وهنا يا ترى كم سيقوم من هذه الجموع الغفيرة؟ وكم سيقوم من هذه الصفوف الكثيرة مع أن المحافظة صلى الله عليه وسلم تعني أنه لم تفته صلاة مع جماعة المسلمين طوال العام في بيت من بيوت الله.

وعندما يقوم منا اثنان أو ثلاثة فرضا إذا به يقول: من كان منكم، والخطاب للقائمين، من كان منكم يجد لذة في الصلاة كما كنت أجدها ويجدها أتباعي، ويجد شوقا لها، وخشوعا فيها، فليبق قائما ومن لا يجد ذلك فليجلس.

وهنا حتما أننا سنجلس جميعا فيقول: يا معشر المسلمين وصل الخلل إلى الصلاة التي هي أحب الأعمال إلى الله، وأحب الأعمال إلى رسوله، والتي هي عمود الإسلام، وذروة سنامه، يقول هذا ونحن قد طأطأت رؤوسنا، وضعفت حجتنا، وخابت آمالنا.

ثم سكت صلى الله عليه وسلم قليلا ثم قال: أما بلغكم أصحابي وأتباعي بأهميتها؟ أما قام فيكم علماء يحفظون كتاب الله وسنتي، ويبينون لكم منهجي وطريقتي، ويحثونك على التمسك بشريعتي؟

واعترفنا بصمتنا بكل ما قاله نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ثم قلب النظر فينا قليلا، ثم قال: يا معشر المسلمين ما لي أراكم بلا لحى؟ أما قيل لكم إنني قلت: "حفوا الشوارب، واعفوا اللحى؟" أما بلغكم أنني قلت: أبقوا اللحى، وأخبركم أنها من سنتي؟ أما أخبركم أحد عن شخصيتي؟ أما علمتم أنها وصيتي فكيف تجرأتم على مخالفتي؟

فسكتنا سكوت المنهزم، وأخذنا نذرف دموع الندم، فلما رأى ذلنا، ولما رأى ضعفنا، ولما رأى ضعف حجتنا، قال: يغفر الله لكم، يغفر الله لكم، يغفر الله لكم.

ثم أذن لنا بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم فكدنا نطير من الفرح، فقال: رويدا يا معشر المسلمين اعلموا أنه من كان لديه مخالفة لدين الله، أو جرأة على معصية الله، أو تقصيرا في حقوق الله، غير ما ذكرنا، فستلصق يده في يدي إذا سلم علي.

لا إله إلا الله، ومن لصقت يده في يدي أذنت له بالخروج من المسجد، ومن لم تلصق يده في يدي أبقيته بجواري لأجلس معه جلست خاصة وأهنئه تهنئة خاصة.

وهنا ما هي الملاحظات التي أستشعرها الآن وتستشعرها أنت الآن ما هي الملاحظة التي ستخاف منها أنت؟ وما هي الملاحظة التي سأخاف منها أنا؟ بل ما هي الملاحظات التي ستخافون منها؟ وما هي الملاحظات التي سأخاف منها؟ وما هي الطوام التي نشفق منها؟ وما هي المصائب والكوارث التي نستحضرها؟

وقد أيقنا يقينا أن الله سيكشفنا له صلى الله عليه وسلم.

فيا ترى من منا يتقدم للسلام على رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-، وهو حبيبنا التي تفطرت قلوبنا شوقا إليه؟ من منا يتمنى أن يتقدم للسلام عليه وهو يعلم أن يده ستلصق في يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مخالفاته؟

ويا ترى هل سيبقى معنا أحد بعد السلام عليه في المسجد؟ أم أنه سيأذن لنا جميعا بالخروج من المسجد؟

والله ثم والله لنتمنى أن نخرج جميعا قبل أن نسلم عليه حتى لا نفضح أنفسنا بين يديه صلى الله عليه وسلم، مع أنه لم يتوعدنا بعقاب، فكيف إن وقفنا بين يدي رب الأرباب -جل في علاه-؟

بعد ذلك قمنا متثاقلين للسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكلٌ منا قد استحضر فجراته، وضاق عليه الأفق بملاحظاته، وعندما استوينا في القيام إذا به ينظر إلينا في دهشة، ويقول: يا معشر المسلمين ما لي أراكم مسبلين ثيابكم؟ أما بلغكم أني قلتم إن أسفل الكعبين في النار؟ أما بلغكم أني قلت: "إزار المؤمن إلى نصف ساقه؟" فوقفنا ننظر في أجسامنا ودققنا النظر في أقدامنا، فإذا بنا مخالفين إلا من رحم الله.

فيا أمة الإسلام: ماذا سنفعل لو سلمنا عليه صلى الله عليه وسلم فتعلقت يد هذا بسبب الربا! وتعلقت يد هذا بسبب الغناء! وتعلقت يد هذا بسبب الزنا! ويد هذا بسبب الغيبة! ويد هذا بسبب النميمة! ويد هذا بسبب أكل الحرام! ويد هذا بسبب النظر إلى الحرام! ويد هذا بسبب الغش! ويد هذا بسبب الخيانة! ويد هذا بسبب العقوق! وماذا أقول لكم؟

ألا فهذه صورة مصغرة لعرضنا على الله حينما يأمر بعرضنا عليه سبحانه، فليتذكر كل منا غدراته وفجراته وهفواته.

وكذلك هي صورة مصغرة لورودنا على حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- حينما يرد أقوام من أمته عن الورود عليه صلى الله عليه وسلم فيقول: "إنهم مني، إنهم مني، إنهم مني!" فتقول الملائكة: "إنك لا تدري ما بدلوا بعدك" [الحديث متفق على صحته].

ألا فهذه ذكرى أزفها لكم كما قال جل وعلا: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].

ألا ف (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم: 8].

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

لو تفاجئنا بمتحدث يتحدث في وسط هذا المسجد، فيقول بصوت عال يسمعه كلٌ منا، فيقول: أنا ملك الموت، وقد أمُرت أن أقبض روح كل من في هذا المسجد، وقد ألقى الله في روعنا أنه ملك الموت حقيقة؟

فيا ترى ما هي الطاعات التي نتمنى أننا تزودنا منها؟ وما هي الذنوب التي نتمنى أننا تبنا منها؟

تذكروا هذا الآن، استشعروه الآن، ما هو الذنب الذي تتمنى لو تبت منه قبل الآن؟

إذاً أعلنها الآن.

وما هو العمل الذي تتمنى لو تزودته منه قبل الآن؟

إذًا أعلن من الآن فإنها لحظة حاسمة جاءتنا على غرة لم نحسن حسابها!

فكل منا -يا عباد الله- يفتش في خبايا نفسه، ما هو الذنب الذي يتمنى أن يعطي فرصة ليتوب منه؟ وما هو العمل الذي يتمنى أن يعطى فرصة ليتزود منه؟

فتذكر -أيها المؤمن- هذه اللحظة، واجعلها نصب عينيك، واعمل لها فإنها الآن صورة، وعما قريب حقيقة، تتمنى أنك عملت لها، فلا يشغلنك طول الأمل بالتسويف في العمل، والإصرار على الخطأ والزلل.

صلوا وسلموا على ما أمركم بالصلاة عليه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض الله عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.