القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
العربية
المؤلف | عبد الرحيم المثيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
إن أحوال الناس يوم القيامة تختلف وتتابين على حسب أعمالهم وإيمانهم؛ فمنهم صنف: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء: 103]، وصنف يسحبون على وجوههم إلى جهنم: (أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 34]، وهناك أصناف من الناس لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فمن هؤلاء؟...
الخطبة الأولى:
أمَّا بعدُ:
فاتقوا الله -أيها الناس-، (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ) [البقرة: 281].
عباد الله: إن أحوال الناس يوم القيامة تختلف وتتابين على حسب أعمالهم وإيمانهم؛ فمنهم صنف: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء: 103]، ثم يتفيؤون ظلال الرحمن (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس: 62]، يحاسبون حسابا يسيرا، ثم ينصرفون إلى منازلهم في جنات النعيم، فلا يقيلون إلا في قصورهم -جعلني الله وإياكم منهم-.
وصنف يسحبون على وجوههم إلى جهنم: (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [القمر: 48]، (أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 34].
وهناك أصناف من الناس لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فمن هؤلاء؟ وما هو الذنب الذي حال بينهم وبين رحمة ربهم فحلت بهم العقوبات وحرموا من تلك النفحات من رب الأرض والسموات؟!
أول هؤلاء: أقوام تعلموا العلم فقرؤوا القرآن العظيم، وفهموا الشرع المبين، ولكنهم لم يبلغوا شرع الله، وكتموا ما أنزل من الكتاب، كتموا علمهم واعتاضوا عنه بعرض من الدنيا زائل، قال الله عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة: 174 - 175]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 159 - 160]، وهذه الآيات وإن نزلت في علماء اليهود إلا أن فيمن فسد من علماء المسلمين شبه بهم؛ كما حكى ذلك غير واحد من أهل التفسير.
الصنف الثاني: رجل ينفق أمواله يتصدق بها على الفقراء والمساكين وذوي القربى والأرحام ولكنه يمن عليهم، ويذكرهم بما أعطاهم في كل وقت وحين، بمناسبة وبغير مناسبة؛ عن أبي ذر -رَضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إِليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم"، قال: فقرأها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ- ثلاث مرات، فقلتُ: خابوا وخَسِرُوا، مَنْ هُم يا رسول الله؟ فذكر منهم: "المنان بما أعطى"، وفي رواية: "والمنان الذي لا يُعطِي شيئا إِلا مِنَّة".
فاتقوا الله -عباد الله- واستجيبوا لأمر الله إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 264].
الثالث: المسبل إزاره: إن الذي آمن بالله حقا وبرسوله صدقا علم علم اليقين أنه عبد لله يأمره مولاه بما يشاء، وينهاه عما يشاء، فإن أطاعه نال ثوابه وجزاءه بفضله ورحمته، وإن عصاه نال عقابه وجزاءه بعدله وحكمته.
والله -جل وعلا- قد نهى على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلمَ- عن إسبال الثياب تحت الكعبين، وتوعد على ذلك بعذاب النار، فقال صلى الله عليه وسلمَ: "ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" [أخرجه البخاري]؛ فإن جر ثوبه كبرا وخيلاء فالأمر أشد وأعظم، فهو يدخل في هؤلاء في حديث أبي ذر: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إِليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم"، قال: فقرأها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ- ثلاث مرات، فقلتُ: خابوا وخَسِرُوا، مَنْ هُم يا رسول الله؟ فذكر منهم: "المسبل إزاره!".
وسواء كان هذا الإزار ثوبا أو بنطالا أو ثوب نوم أو عباءة، أي مشلح ونحوه، فحكمها واحد.
فارفع ثوبك -أخي المسلم- فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك، وافخر باتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلمَ-، فقد كان ثوبه إلى نصف ساقه.
الرابع: المنفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب: يحلف بالله أيمانا مغلظة ومكررة أن سيارته التي يريد بيعها أو أرضه أو بيته أو غنمه قد سيمت منه بكذا وكذا من الريالات، يغش أخاه المسلم يحلف بالله كاذبا فويل له ثم ويل له، وفي الحديث السابق ذكر منهم: "المنفق سلعته بالحلف الكاذب"، وفي رواية: "وَرَجُل بايَعَ رجُلا سِلْعَة بعد العصر، فَحَلف له بالله لأَخَذَها بكذا وكذا، فصدّقه، وأخذها وهي على غير ذلك"، وفي أخرى: "أربعة يبغضُهُمُ الله: البَيّاعُ الحلافُ".
فليتق الله من كان هذا شأنه وحاله وليتذكر يوم العرض الأكبر: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ) [الشعراء: 88].
الخامس: رجل قد طال عمره حتى شاب رأسه، لكنه انتكست فطرته، وأشرب قلبه الشهوات، فلا يزال يتشبب بالنساء، ويواقع الزانيات.
حري -والله- بمن قد بلغ من العمر عتيا أن يُعرف مكانه في الصف الأول في المسجد بين صلاة ودعاء وذكر لله -جل وعلا- فما بقي من العمر قدر ما ذهب.
وإنما خص بهذا الوعيد الشديد؛ لأن مثله قد ذهبت قوته، وضعفت شهوته، وزالت قدرته، وهو لا يزال في غيه وسكرته، عن أبي هريرة -رَضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ثلاثة لا ينظر الله إِليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان"، وفي رواية: "أشيمط زان".
السادس: رجل قد منَّ الله عليه بالملك والسلطان والوزراء والحرس والأعوان، فهو ليس في حاجة إلى الكذب إلا أنه لضعف شخصيته وانتكاس فطرته وفرط استخفافه بمعصيته لجأ إلى الكذب على الناس فاستحق هذه العقوبة العظيمة، وهذا العذاب الأليم، عن أبي هريرة -رضي َالله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ثلاثة لا ينظر الله إِليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، ومَلِك كذاب، وعائل مستكبر" [أخرجه مسلم].
السابع: فقير مُعدِم ليس عنده ما يسد جوعته، ولا ما يستر عورته، ويسد خلته، يتكفف الناس يسألهم حاجته، ويلح عليهم بمسألته؛ لكنه مع ذلك كله يستكبر: "عائل مستكبر" على أي شيء تكبر؟!
لا مال عنده يدعوه إلى البطر، ولا جاه ولا منصب يدعوه إلى احتقار من يحتقر.
وإن كان الكبر محرم للفقير والغني، روى مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- أنه قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" [أخرجه مسلم].
ولكنه في حق الفقير أشد وأعظم؛ عن أبي هريرة -رَضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ثلاثة لا ينظر الله إِليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: عائل مستكبر" [أخرجه مسلم]، وفي رواية: "الفقير المختال".
الثامن: المرأة المترجلة: وهي المرأة تنسلخ من جبلتها، وتستنكر أنوثتها وطبيعتها, وتنزع جلبابها وتلبس ما ليس لها، فترى نفسها رجلاً لا امرأة، تتشبه بالرجال في كلامها ومشيتها، أو في ملبسها وهيئتها، أو في ذلك كله، ولا يخفى أن هذا الصنف من النساء الملعونات على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- فيما رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَعَن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ- المُخَنَّثِينَ من الرجال، والمُتَرَجِّلاتِ من النِّساء"، وفي رواية: "لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء".
لا يخفى أن هذا الصنف قد انتشر في أوساط النساء وبين الفتيات خاصة في المدارس والجامعات، وهو ما يسمى بالبويات، فليحذر الآباء والأمهات والمعلمات والمربيات، وليتعاونوا جميعاً على محاربة هذه الظاهرة قبل أن يستفحل أمرها، ويكثر وجودها، فيتسع الخرق على الراقع، قال صلى الله عليه وسلمَ: "ثلاثة لا ينظر الله إِليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأة المترجِّلة والديوث" [أخرجه النسائي].
التاسع: رجل على فضل ماء فمنعه ابن السبيل: الماء -يا عباد الله- نعمة من الله امتن به على عباده سواء منه ما نزل من السماء وما نبع من الأرض، قال جل وعلا: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68 - 70]، (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18].
وقد حرم الشرع منع فضل الماء وحرم بيعه، روى مسلم وغيره عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- "نهى عن بيع الماء"، وفي رواية: "عن بيع فضل الماء"، قال أهل العلم: "المقصود بالماء هنا ما لم يحوزه صاحبه بأن يكون في فلاة أو غدير أو بئر لم يحفرها هو فليس له أن يبيعه على غيره أو يمنعه منه فإن كان الممنوع منه مسافرا ابن سبيل فالأمر أعظم وأشد تحريما، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ثلاثة لا يُكَلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إِليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رَجُل على فَضْل ماء بِفَلاة يمنعه من ابن السبيل..."، فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك".
العاشر: ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى له وإلا لم يفِ له: إن البيعة عقد بين الإمام ورعيته يترتب عليها واجبات وحقوق لكل منهما، وحق الإمام في ذلك أعظم سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيساً، فمن بايع إماماً وجب عليه أمران:
الأمر الأول: أن يخلص في مبايعته، بأن تكون ديانة لله، راجيا لثوابه، وجلاً من وعيده، وأليم عقابه؛ فعن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول: "من مات وليس في عُنقه بَيْعةٌ مات مِيتَة جاهليَّة" [أخرجه مسلم]، وفي الحديث الآخر: "مَنْ بَايَعَ إِمَاما فَأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وثَمرَةَ قَلْبِهِ، فَليُطِعهُ مَا استطاعَ" [أخرجه مسلم]، قال ابن الأثير: "صفقة يده" كناية عن البيعة والعهد، "وثمرة قلبه" كناية عن الإخلاص فيما عاهده عليه والتزمه له".
الأمر الثاني: الوفاء للإمام بالقيام بما أوجب الله له عليك وإن لم تعط مالك من حقوق؛ فعن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها" قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم" [أخرجه البخاري ومسلم].
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
الحادي عشر: أخذ أموال الناس بالأيمان الفاجرة: قال صلى الله عليه وسلمَ: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم"، وذكر منهم: "رجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر لِيقتطَع بها مال امرئ مسلم" [أخرجه البخاري ومسلم]، وعندهما عن ابن مسعود -رَضي الله عنه-: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "مَنْ حَلَفَ على مال امرئ مسلم بغير حقّه لقي الله وهو عليه غضبان، قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ- مِصْداقه من كتاب الله -عز وجلّ-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 77]".
الثاني عشر: الديوث: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ثلاثة لا ينظر الله إِليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأة المترجِّلة والديوث" [أخرجه النسائي].
والديوث من الرجال: هو الذي لا غيرة له ولا حمية. هو الذي يقر السوء في أهله. هو الذي لا يغار على أهله. يُدخل الرجال الأجانب على امرأته ويجلسها بينهم تحادثهم وتضاحكهم تخلو بهم وتخالطهم، وكأنها تجلس مع إخوتها وذوي قرابتها. وأعظم من ذلك إذا أطلق لها العنان تسافر معهم وتعمل معهم في خلوة محرمة واختلاط مذموم، قال صلى الله عليه وسلمَ: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" [رواه الترمذي]، وعند البخاري ومسلم: "لا يَخلُونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم"، وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلمَ- قال: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" [البخاري ومسلم].، قال أهل العلم: إنما قال: "الحمو الموت"؛ لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه والخلوة بها فيدخل بدون نكير فيكون الشر منه أكثر والفتنة به أمكن.
الثالث عشر: العاق لوالديه: إن من أكبر الكبائر وأعظم الجحود أن يعق الولد والديه ربياه صغيرا! حملته أمه كرها ووضعته كرها! سهرت الليالي لينام! وتعبت وشقيت ليكون مسرورا! وأبوه سبب وجوده بعد الله أشقى نفسه يكابد مشاق الحياة! يعمل ويكدح ليأتيه بما يشتهي ليلبسه أحسن الثياب ويطعمه أطيب الطعام لكنه كان كفورا! تنكر لهما ونسيا فضلهما! وقال: أف لكما!
والله ما التزم وصية الله بهما، حيث قال جل في علاه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23 -24]، عن أبي بكرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" الحديث [متفق عليه]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "لا يَدخل الجنة منَّان، ولا عاق، ولا مُدْمِن خمر" [أخرجه النسائي].
ألا فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا من هذه الأعمال لئلا تؤولوا بفعلها إلى سوء المآل، فوالله لو حضرت مجلس عظيم من البشر له شأن ومكانة بين الناس فلم يلتفت إليك، ولم يتكلم معك كلاما يسرك؛ لكان لذلك في نفسك حسرة وألم، فكيف بك إذا وقفت بين يدي العظيم -سبحانه- وهو لا ينظر إليك ولا يكلمك ولا يزكيك وقد توعدك بالعذاب الأليم؟ أي حسرة أعظم من هذه؟!
أسأل الله لي ولكم العافية والسلامة...