السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
من لم يعبد الله صار عبداً للشيطان؛ قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) من لم يعبد الله صار عبداً لهواه؛ قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ). من لم يعبد الله صار عبداً لدنياه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الخميصة، تعيس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض"
الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق لعبادته، وأمر بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أكمل الخلق عبودية لله وأعظمهم خشية له، دعا إلى الله وجاهد في الله حق جهاده، وقام على قدميه الشريفين حتى تفطَّرتا من طول القيام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتفكروا لماذا خلقتم وبماذا أمرتم، إنكم خلقتم لعبادة الله وحده لا شريك له وبها أمرتم – قال الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات 55: 56] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21] وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5]
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وهي بهذا التعريف تشمل كل ما يصدر من العبد من الأعمال القلبية والبدنية والمالية المشروعة؛ حتى العادات تتحول إلى عبادات إذا قارنتها نية صالحة؛ فالنوم -مثلاً- إذا قُصد به التقوي على الصيام أو على قيام الليل يكون عبادة، واتصال الرجل بأهله إذا قصد به التعفف عن الحرام - يكون عبادة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي بُضعِ أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدُنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتُم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" رواه مسلم.
وقد صح الحديث بأن نفقة الرجل على أهله صدقة؛ وفي صحيح مسلم عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ نفقتك على عيالك صدقة".
وخرج الإمام أحمد من حديث المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أطعمتَ نفسك فهو لك صدقة" وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما مِن مسلم يغرسُ غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه، فهو له صدقة، ولا يَنْقُصُهُ أحد إلا كان له صدقة" وفي رواية له أيضاً: "فلا يأكل منه إنسان ولا دابة ولا طائر إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".
عباد الله: والعبادة قسمان: قسم واجب، وقسم مستحب؛ فالقسم الواجب منه ما يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات؛ كالصلوات الخمس. ومنه ما يتكرر كل أسبوع؛ كصلاة الجمعة. ومنه ما يتكرر كل عام؛ كصيام رمضان، وأداء الزكاة. ومنه ما يجب مرةً واحدة في العمر؛ كالحج والعمرة من المستطيع، ونوافل الصيام فيما عدا الأوقات المنهي عن الصلاة فيها وعن صيامها. ومن نوافل العبادة ما يطلب كل وقت؛ كذكر الله بالقلب واللسان؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)،[الأحزاب 41: 42] وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران:191] وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]
وهكذا نرى أن عمر المسلم لا تمر منه فترة بغير عبادة قولية أو فعلية، ومن فرط في فترة من عمره فتركها تمر بغير عبادة خسرها يوم القيامة.
أيها المسلمون: والعبادة لا تسمى عبادة وتنفع صاحبها عند الله إلا إذا كانت خالصة لله ليس فيها شرك ولا رياء ولا سمعة؛ قال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) [الزمر:2] وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[البينة:5] وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون 4: 7] وقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110]
وفي الحديث: "يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركته" وكما يشترط في صحة العبادة الإخلاص كذلك يشترط فيها المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
أيها المسلمون: إن عبادة الله هي أول الواجبات على العبد وهي حق الله عليه المقدم على سائر الحقوق، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء:36] وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [الإسراء:23] الآيات في هذا كثيرة.
وفي حديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟" قلتُ: الله ورسوله أعلمُ، قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحقُّ العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً".
وعبادة الله واجبة على الإنسان العاقل من حين يبلغ سنّ التكليف إلى أن يموت، قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99] وقال عن عيسى عليه السلام: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا) [مريم:31]
عباد الله: من لم يعبد الله صار عبداً للشيطان؛ قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس60: 61] من لم يعبد الله صار عبداً لهواه؛ قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثية 23] من لم يعبد الله صار عبداً لدنياه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الخميصة، تعيس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض".
وعبادة الله وحده لا شريك له هي التي يحصل بها التمكين في الأرض، والأمن من المخاوف الدنيوية والأخروية؛ قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55]
أيها المسلم: إنك تعاهد الله في كل ركعة من صلاتك حينما تقرأ قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تعاهد الله أن لا تعبد إلا إيّاه ولا تستعين إلا به. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) [النحل:91]
بارك الله لي لكم في القرآن العظيم.