البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

التغيير (6)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. أهمية الأخلاق وكيفية اكتسابها وثمرات التغيير والإصلاح .
  2. تحذير الإسلام من التفرق وتصديه لبواعثه .
  3. توحد أوروبا رغم اختلافاتها الضخمة تحقيقا للمصالح .
  4. دور المنافقين والجُهّال والمفسدين في تفريق المسلمين .
  5. ردٌّ على مخترعي العلل المانعة لتوحيد المسلمين .

اقتباس

فالإسلام حذّر من التنازع والتحزب والتفرق؛ لأنه يفضي إلى الفشل، والتمزق، وضياع الأمن والاضطراب؛ ولهذا أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس بن مالك فقال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

تناول حديثنا عن التغيير أربعة أمور: النية، والأخلاق، بما فيها العدل والانضباط، والصدق.

معاشر الإخوة: هل من الممكن أن نتخيل مجتمعا ناجحا انعدمت فيه مكارم الأخلاق؟ كيف لأمة أن تُوسد الأمر إلى أهله من دون خلق الأمانة؟ كيف تكون أمة قادرة على إنشاء حضارة مثلى زاكية لولا فضائل التآخي والتعاون والمحبة والإيثار؟ كيف تكون أمة مؤهلة لبناء مجد عظيم لولا فضيلة الشجاعة والإقدام في رد عدوان المعتدين وظلم الظالمين؟ كيف لأمة أن تكسب ثقة أفرادها لولا فضائل العدل والرحمة والإحسان والدفع بالتي هي أحسن التي يتحلى بها الولاة والرعية؟ كيف يكون الإنسان مؤهلا للارتقاء في مراتب الكمال الإنساني إذا كانت أنانيته مسيطرة عليه، صارفة له عن كل عطاء وتضحية وإيثار؟ كيف؟.

أيها المسلمون: في الحديث: "إنما العلم بالتعلّم، وإنما الحلم بالتحلّم". الأخلاق تكتسب بالإصرار، وإذا تخلى أكثر الناس عن الأخلاق السيئة، واجتهدوا في ذلك أشد اجتهاد، وتمسكوا بالأخلاق العالية، والتزموا بها في أنفسهم، حازوا العلو والرقي الحضاري؛ لأن القيادة إنما هي للأمة التي يتمسك أفرادها ونظامها بالأخلاق الأساسية، وأولها العدل.

فالتغيير والإصلاح يبدآن من الداخل بتغيير أخلاق السوء مما في النفس والمجتمع،كالتفرق، والتحاسد، والتباغض؛ واستبدالها بأخلاق التراحم والتلاحم، والود والولاء.

وهنا نقف قليلا عند هذا الخلق الذي يحتاج إلى مراجعة بالضرورة، إنه خلق التلاحم والاجتماع والتوحد، فالأمة بلا تلاحم أمة فاشلة لا قوة لها ولا ريح لها؛ ولهذا قال -سبحانه- بوضوح: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].

فالتنازع والتفرق عنوان الفشل، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102-103].

فالإسلام حذّر من التنازع والتحزب والتفرق؛ لأنه يفضي إلى الفشل، والتمزق، وضياع الأمن والاضطراب؛ ولهذا أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس بن مالك فقال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا".

وشدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من يحاول بث الفرقة، وعدّ كل ما يترتب على تفريق كلمة المجتمع من مظاهر الجاهلية المقيتة التي نهى الإسلام عنها، لا بل وحاربها، ففي صحيح مسلم من حديث جابر، قال جابر: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! فسمع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟"، قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها منتنة".

  

وهكذا هو الحال في كثير من المواقف تجد الأمور طيبة وكلٌ يحتفي بالآخر ولا يفرق بينه وبين الآخر، فإذا حدث شيء ما، مباراة كرة، نزاع على رأي ما، كلمة هنا كلمة هناك، عادت تلك المشاعر الجاهلية لتحتل المشهد.

ضرب ذلك الرجل من المهاجرين رجلا من الأنصار: يا للمهاجرين! يا للأنصار! فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يستدرك عليهم هذا الأمر: "ما بال دعوى الجاهلية؟"، "إنها منتنة". نسأل الله السلامة.

في هذه النصوص برهان ساطع، ودليل قاطع، على أهمية الوحدة، وضرورة الاتحاد والاجتماع، فالإسلام يجمع ولا يفرق، ويؤلف ولا يمزق، ويبني ولا يهدم، ويحقق الأمن والاستقرار. هكذا تبنى الحضارة في صورتها الصحيحة.

معاشر الإخوة: يجب أن تتغير العقلية التي تدعو إلى التنازع وتدعو إلى التقاطع المبني على الفخر بالجنسية مثلا، يجب أن ينقشع الحسد الذي عشش في صدور الكثيرين بسبب رؤيتهم بما أنعم الله به على إخوانهم سواء من بلادهم أو من أهل الخليج أو غيرها من المناطق، ذلك الحسد الذي نجده عند بعضهم. في صحيح الجامع قال -صلى الله عليه وسلم-: "سيصيب أمتي داء الأمم"، قالوا: وما داء الأمم؟ قال: "الأشر والبطر والتكاثر والتشاحن في الدنيا، والتباغض والتحاسد، حتى يكون البغي والهرج".

ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".

يجب أن تتغير العقلية التي تنفث في العصبية القبلية منها والوطنية، وهذا حضري وهذا بدوي وهذا فلان، هذا يتعصب لهذا القطر وذاك لذلك القطر، وهذا يرد عليه والآخر يهزأ من الاثنين وينفخ في أصله! وربما كانوا جميعا في دين واحد ولغة واحدة، بل وأصل واحد!.

هذا تناحر جاهلي وعصبية حمقاء تسعد الأعداء، بل وتضحكهم علينا؛ ولقد جاء في صحيح الجامع من حديث أبي مالك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"...

قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم". لا فلان ولا فلان ولا من هذا ولا من ذاك القطر، لكن قال أتقاهم هو أكرم الناس.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، فاجر شقي هين على الله". هكذا وزع النبي -صلى الله عليه وسلم- المراتب. يجب أن تغير العقلية التي تستأثر وتشح وتبخل وتنأى بكل مقدراتها عن أقرب الناس لها.

ولقد صح في مسلم من حديث جابر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية".

هذا هو منهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو من قبل منهج القرآن، الذي يرفع أهله عن سفاهة من قبلهم، بقوله -سبحانه-: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) [آل عمران:105].

أيها الإخوة: ما زال الناس يتّحِدون، ونحن نمعن في التفرق، وأوربا ذات الأعراق المختلفة والأديان والمذاهب المختلفة لما أدركت فضيلة الاجتماع والتوافق والاعتصام بحبل المصلحة توحدت، وأمتنا ما زال كل واحد منا في واديه، ولا أعني الحكومات وإنما أعني الشعوب قبلها، وأعني كذلك الإعلام الفاسد الذي يؤجج التباعد والتكبر على الآخر، بل ويستغل حتى المباريات الرياضية ليلهب جرح التباعد والتفرق بين أبناء الدين الواحد.

لقد كنا يوما ما جسدا واحدا فتغيرنا للأسوأ فغيرنا الله للأسوأ، نسأل الله -عز وجل- فرجا قريبا، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال:53].

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد: فإن من خصال المنافقين العمل على إيقاع الفتنة في المجتمع المسلم من خلال التنازع وإيغار الصدور؛ ولذلك كره الله -تعالى- انبعاث المؤمنين مع المنافقين، قال -سبحانه-: (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة:46].

ثم بين أثر خروجهم لو خرجوا مع المؤمنين، فقال -سبحانه-: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة:47].

هذه الآية تنبه السمّاعين الذين يسمعون قول المنافقين لنداءات التفرق، وتقول لهم: احذروا! فإنما هي نداءات مشبوهة مريضة.

أيها الإخوة: سيظل أناس -برغم كل هذه الشواهد وغيرها- سيظلون على ما هم فيه من حب التقاطع والفرقة، وسيخترعون عللا كثيرة لمنع التوحد، ولتبرير وجهة نظرهم؛ ولكن أقول لهم ولأمثالهم: إذا كانت خطوات الائتلاف سليمة، مبنية على العدل، وعلى دفع المخاطر المتوقعة، وجلب المصالح الشرعية والدنيوية؛ فإنها بهذه الاحتياطات خطوات مباركة بإذن الله -تعالى-، لا سيما وأن القرآن يدعو إليها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بها، في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح قال -عليه الصلاة والسلام-: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه".

ومن حديث النعمان بن بشير في صحيح مسلم قال -عليه الصلاة والسلام-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

نسأل الله -عز وجل- أن يؤلف بين قلوبنا...