السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
"مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ" أي سليم الجسد، معافى البدن، لا يشكو من الأمراض، ولا يعاني من الأسقام، يحرك رأسه ويديه ورجليه، ويبصر ويسمع، ويأكل ويشرب، ويُحِسُّ بالأشياء من حوله؛ نعمَةٌ من كُبْرَياتِ نِعَمِ الله، ولا يَفْطِن لها إلا من حُرِمَ العافِيَة.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
روى البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه، وابن ماجة في سننه من حديث عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" [والحديث حسنه الألباني].
نِعَمٌ كُبرَى من أعظم نِعَمِ الله -تعالى-، مَنْ كَمُلَت له فكأَنَّما هو مَلِك من الملوك الدنيا، فتأملها -يا رعاك الله-، وحافظ عليها، أدِم شُكْرَ الله عليها.
يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ" يأمَنُ على نفسه، ويأمَنُ على أهله، ويأمَنُ على ماله، قد سكَنَت نفسه واطمأن فؤاده، فلا يخاف اعتداءًا، ولا يهاب عدوانًا؛ نعمةٌ من أجلِّ نِعَمِ الله، ولا يعرفُ قَدْرَ نِعمة الأمن إلا مَن فَقَدَها.
"مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ" أي سليم الجسد، معافى البدن، لا يشكو من الأمراض، ولا يعاني من الأسقام، يحرك رأسه ويديه ورجليه، ويبصر ويسمع، ويأكل ويشرب، ويُحِسُّ بالأشياء من حوله؛ نعمَةٌ من كُبْرَياتِ نِعَمِ الله، ولا يَفْطِن لها إلا من حُرِمَ العافِيَة.
"مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ" قد ساق الله إليه ما يكفيه لقوت يومه من لذيذ الطعام وسائغ الشراب، فهو يستمتع به، وقد ضمن الله -تعالى- لكل مخلوق على وجه الدنيا أن يحصل على رزقه المكتوب له كاملًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "وإِن رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا".
وإن بعض الناس يصيبهم الهم والقلق عند أدنى حدث، فيخشى ضياع رزقه ونقصان حقِّه، ويغفُل عن قول الله -تعالى-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22]، فيجب على العبد أن يتجمل بالصبر والرضا بأقدار الله -تعالى-، وأن يطلب الأمور بطرقها المشروعة.
عباد الله: تلك نعم من الله قد أنعم الله بها علينا، ولا يشعر بها إلا من فقدها.
وانظروا في البلاد حولنا: خوف، وهلع، وجوع، أمراض، حوادث مفجعة، وأحداث موجعة، لا يأمن أحدهم على نفسه ولا أهله ولا ماله، ولا يجد ما يطعمه به صغاره، ويفتقر إلى ما يعالج به مريضه.
فعلينا -عباد الله- أن نشكر الله -تعالى-، وأن نوحِّدَه، فقد ضرب الله لنا مَثلًا بالأمم قبلنا فقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
وإن من أعظم الشكر: القيام بعبادته تعالى حق القيام: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3 - 4].
ومن حقق عبادة الله -تعالى-، والتزم بشرعه؛ فأقام الصلاة، وأدى حقوق الله، وحقوق العباد، ولم يتعد حدود الله؛ أمنَّه الله في الدنيا والآخرة: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ: (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].
عباد الله: إنَّ مِنْ أسباب الحفاظ على الأمن في الأوطان: اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والبعدُ عن أسباب الفرقة والاختلاف، ففي صحيح مسلم مِن حديثْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ" أي بالسعي في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن، وغيرها.
لذا -عباد الله- يجب أن نحذر ممن يثيرون الفتن والفرقة بين ولاة الأمر ومن تحت ولايتهم، لا نسمع لهم ولا نركن لكلامهم، بل نأخذ الأمور بتعقل، ونرجع بها إلى شرع ربنا بسؤال العلماء الربانيين؛ كما قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].
أَلا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى رَسُولِ الهُدى؛ كَمَا أَمَرَكُمْ جَلَّ وَعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وارْضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارْض اللهم عنَّا معهم بمنِّك وجودك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين.
اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعِينا وحافظاً ومؤيِّدا.
اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
الَّلهُمَّ إنا نعوذ بك من الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.
اللهم إنا نعوذ بك من البلاء والغلاء وسيء الأدواء.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.
الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، واحفظ اللهم جندنا المرابطين في الثغور، وأيِّدهم وانصرهم على عدوهم، ورُدَّهم لأهليهم سالمين غانمين.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَواصِيهم لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُم سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، اللهم وفق لهم وزراء حق وعدل وخير وصلاح يرشدونه للخير ويعينونه عليه.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقَّه وجِلَّه، أوَّله وآخره، علانيته وسره.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [البقرة: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].