البحث

عبارات مقترحة:

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الجنة والنار

العربية

المؤلف علي عبد الرحمن الحذيفي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. الجزاء الحقيقي في الآخرة .
  2. الجزاء من جنس العمل .
  3. فضل الطمع في الجنة والخوف من النار .
  4. الحاجة إلى ذكر الجنة والنار .
  5. وصف نعيم الجنة .
  6. وصف عذاب النار .
  7. التحذير من الركون إلى الدنيا . .
اهداف الخطبة
  1. التذكير بنعيم الجنة وعذاب النار
  2. التحذير من الركون إلى الدنيا .

اقتباس

والجزاءُ بالجنّة على الأعمالِ الصالحة والعقابُ بالنار على الأعمالِ الشّرِّيرة في غايةِ المناسَبَة والمجانسة، فإنّ الجزاءَ من جِنس العمَل، فلمّا كانَت الأعمالُ الصّالحة تتنوّعُ في حقائقِها ومنافِعِها كان نعيمُ الجنّة منوَّعًا في حقائقِه ومنافِعه وطُعومِه ولذّاتِه، ولما عَبَد أهلُ الجنّةِ ربَّهم بالغَيب ولم يرَوه تجلَّى الله لهم، فأكرَمهم بلذَّة النظر إلى وجهِه الكريم، وأسمَعهم جلالَ كلامِه العظيم، ولمّا علِم الله مِنهم العَزمَ والتَّصمِيم والإرادةَ الجَازِمة على دَوام عبادةِ الله وطَاعتِه أدامَ الله عليهم النّعيمَ المقيمَ كما قالَ تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) الكهف:107، 108.

أمّا بَعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ تقواه، وتمسَّكوا بها، فنِعمَ العملُ والذُّخر والفَوز في دنيا العبدِ وأخراه.
أيّها المسلمون، لقَد خلقَ الله الخَلقَ لتنفُذَ فيهم قدرتُه وتجرِيَ عليهم أحكامُه الشَّرعيّة والقدَريّة، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:18]، خلَقَ الكونَ بالحقِّ ليُطاعَ الربُّ جلّ وعَلا ويُعمَر الكونُ بالصَّلاح والإصلاح، وجعَل الله للمكلَّفين مشيئةً واختِيارًا أناطَ به التّكليفَ، ولا يخرُج العبدُ بتلك المشيئةِ عن قدرةِ الله ومشيئتِه، فمَن وافقَ مرادَ الله المحبوبَ لَه وعمِل بالحقّ الذي لأجلِه خلَقَ الكونَ وأطاع ربَّه جَزاه الله الجزاءَ الحسَن في الدنيا وفي الآخرة كمَا قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]، ومَن ضادَّ مُرادَ الله المحبوبَ له وعارَضَ شريعةَ الإسلام وعصَى ربَّه عاقبَه الله في الدنيا والآخرة، قال عزّ وجل: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:123، 124].

وأعمالُ العِباد مُحصاةٌ عليهم صَغيرُها وكبيرُها ليُجازَوا عليها كما قَال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31].

فالجزاءُ الحَقِيقيّ الدّائمُ في الآخِرة، وأمّا في الدّنيا وإن كان فيها جَزاءٌ على الخير أو على الشرّ فإنّه جزاءٌ قليل وجزاء منقطِع، تتصرّم أيّامُه وتسرِعُ ساعاتُه حتّى إنّ عُمرَ الدنيا كلِّها يراه العُصاةُ مِقدارَ ساعةٍ من نهارٍ كما قال تبارك وتعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم:55]، (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) [يونس:45]، ولكنَّ الجزاءَ الأبديَّ السّرمديّ الذي لا ينقطِع في الآخرةِ؛ إمّا دارُ نعيم وإمّا دار جحيم.

والجزاءُ بالجنّة على الأعمالِ الصالحة والعقابُ بالنار على الأعمالِ الشّرِّيرة في غايةِ المناسَبَة والمجانسة، فإنّ الجزاءَ من جِنس العمَل، فلمّا كانَت الأعمالُ الصّالحة تتنوّعُ في حقائقِها ومنافِعِها كان نعيمُ الجنّة منوَّعًا في حقائقِه ومنافِعه وطُعومِه ولذّاتِه، ولما عَبَد أهلُ الجنّةِ ربَّهم بالغَيب ولم يرَوه تجلَّى الله لهم، فأكرَمهم بلذَّة النظر إلى وجهِه الكريم، وأسمَعهم جلالَ كلامِه العظيم، ولمّا علِم الله مِنهم العَزمَ والتَّصمِيم والإرادةَ الجَازِمة على دَوام عبادةِ الله وطَاعتِه أدامَ الله عليهم النّعيمَ المقيمَ كما قالَ تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) [الكهف:107، 108].

ولما كانَت الأعمالُ الشرِّيرة تتنوَّع في حقائِقها المُرَّة ومَضارّها وخُبثِها وشُرورِها كانَ عذابُ النار منوَّعًا في شِدَّتِه وألمِه ومَرارتِه بحسَب الأعمال، ولما حجَبوا قلوبَهم عنِ الهدَى والإيمانِ احتجَب الله عنهم فلا يرَونَه كما قال تعالى: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15]

ولما علِم الله أنّ أهلَ النّار دائمو العَزمِ والإرادة على الكفرِ والمعاصي وأنهم إِن رُدّوا إلى الدنيا عَادوا إلى الكفرِ والعِصيان، لما علِم الله منهم ذلك أدامَ عليهم العذابَ الأليمَ، قال تبارك وتعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الأنعام:27، 28].

عبادَ الله، إنَّ أصفَى ساعاتِ المسلم وأفضلَها وأرقى درجاتِه أن يستوليَ على قلبه الطمَعُ في الجنةِ والخوفُ من النار، وقد كان السّلفُ الصالح رضي الله عنهم يغلِب على قلوبهم الخوفُ من النّار والطمعُ في الجنّة في كلِّ حالٍ من الأحوال، فصَلحت أعمَالهم واستقامَت لهم أمورهم.

هذا عبدُ الله بنُ رواحة رضي الله عنه يودِّع أصحابَه في غزوةِ مؤتَة فيبكِي ويقال له: ما يبكِيك؟ فقال: والله، ما أبكي صَبابةً بِكم ولاَ جزَعًا على الدّنيا، ولكن ذكَرتُ قولَ الله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) [مريم:71]، فكيف لي بالصَّدرِ بعد الورود؟!. وعُمير بن الحمام رضي الله عنه لما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ بَدر: "قوموا إلى جنّةٍ عرضُها السموات والأرض" كان في يدِه تمراتٌ، فرمى بهنّ وقال: لئِن بقيتُ حتى آكلَ تمراتي هذه إنها لحياةٌ طَويلة، فقاتل حتى قُتِل رضي الله عنه. وأنسُ بن النّضر رضي الله عنه قال: إني لأجِدُ ريحَ الجنّةِ مِن دونِ أُحُد، وذَلك في غَزوةِ أُحُد، فقُتِل رضي الله تعالى عنه.

والكلامُ عنهم في هذا يطول، ونحن بحاجةٍ إلى ذكر الجنة والنّار في قلوبِنا ونوادينا وفي ليلنا ونهارنا لتستقيمَ أحوالنا وتصلح أعمالُنا، ولا سيّما في هذا العصرِ الذي طغت فيه المادّة، وتظاهرت الفتَن وانتشرت، وقلَّ الناصحُ، وضعُف الإيمان، وتزيّنت الدنيا بزُخرفها وزهرَتها، وأثقلتِ الكواهلَ بكثرةِ مطالبها، وأرهقتِ الأعصابَ بتشعُّب حاجاتها، حتى صار التحابُّ من أجلِها والتباغُض من أجلها والتواصُلُ لها والتقاطُع لها إلا من شاء الله تعالى، فكانت أكبرَ ما يصُدُّ عن الآخرة، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يونس:7، 8].

الطّمَع في الجنّة قائِد، والخَوفُ من النّار زاجِرٌ وسائق. الجنّة حُقَّ أن يطلبَها المسلمُ جُهدَه، ففيها ما لا عينٌ رأَت ولا أذُنٌ سمعَت ولا خطَر على قَلبِ بَشَر، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هَل مشمِّرٌ للجنة، فإنّ الجنةَ لا خَطَر لها، هي ـ ورَبُّ الكعبةِ ـ نورٌ يتلألأ وريحانَة تهتزّ وقَصرٌ مَشيد ونهر مُطَّرِد وثمرةٌ نضيجَة وزوجةٌ حسناء جميلة وحُلَلٌ كثيرة ومَقامٌ في أبَد في دارٍ سليمَة وفَاكهةٍ وخُضرة وحَبرة ونِعمَة في محَلَّةٍ عالية بهيَّة"، قالوا: نعَم يا رسولَ الله، نحن المشمِّرون لها، قال: "قولوا: إن شاءَ الله"، فقال القوم: إن شاء الله. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي.

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِناءُ الجنة لبنةُ ذهَب ولبنَة فِضّة، وملاطُها المِسك ـ وهو ما يكون بين اللَّبِن ـ، وحصباؤُها اللّؤلؤ والياقوت، وترابُها الزّعفران، ومَن يدخُلها ينعَم ولا يبأس، ويخلُد ولا يموت، ولا تبلَى ثيابُه، ولا يفنى شبابُه".

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ للمؤمنِ في الجنّةِ لخيمةً مِن لؤلؤةٍ واحِدة مجوّفة، طُولُها في السّماءِ سِتّون ميلاً، للمؤمِن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمِن، فلا يَرى بعضُهم بعضًا" رواه البخاري ومسلم.

وأمّا شرابُهم فكما قال الربُّ جل وعلا: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) [محمد:15].
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم في أزواجِ أهلِ الجنّة: "يضَع أحدُهم يدَه بَين كتفَيها، ثم ينظُر إلى يده من صدرِها من وراءِ ثِيابها وجِلدِها ولحمِها، وإنّه لينظُر إلى مُخِّ ساقِها كمَا ينظُر أحدكم إلى السِّلك في قصَبةِ الياقوت، كبِدُه مرآةٌ لها، وكبدُها مِرآة له" رواه أبو يعلى والبيهقي.

وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه يرفعه: "إنّ أسفلَ أهل الجنّةِ أجمعين مَن يكون على رأسِه عشرةُ آلاف خادِم، معَ كلِّ خادمٍ صحفتان: واحدةٌ من ذهَب وواحدةٌ من فضّة، في كلّ صَحفةٍ لونٌ ليس في الأخرى مثلُها، يأكل من آخرِه كما يأكل من أوَّله، يجِد لآخرِه من اللذَّة والطّعم ما لا يجِد لأوّلِه، ثم يَكونُ فوقَ ذلك رشحُ مِسكٍ وجُشاء مِسك، لا يبولون، ولا يتغَوّطون، ولا يمتخِطون" رواه الطبراني وابن أبي الدنيا.

وقد وصَف الله تعالى ما في الجنّةِ من النعيمِ المقيم في كتابِه بما لم يُوصَف في كتابٍ منزَّل، ووصف ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بما لم يصِفه نبيّ؛ لنعمَلَ بأعمالِ أهلِ الجنّة ولنسارعَ إلى الخيرات ونطلبَ جنةَ ربِّنا جُهدَنا ونَسأل ذلك من ربِّنا ونتعرَّض لرحمته، فإنّه لن يدخلَ الجنّة أحدٌ إلا برحمة الله.

وأعظمُ مِن نعيم الجنة رضوانُ ربِّ العالمين والنّظرُ إلى وجهِهِ الكريم، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:72].

وأمّا النّار وما أدرَاك ما النّار فهي مثوَى الأشرارِ ومكانُ الخُبث والذِلّة والخزيِ والصّغار، بعيدةُ القَعر، لو أنّ الحَجرَ يُلقى من شَفيرها ما أدرَك لها قَعرًا سبعين خريفًا. رواه مسلم.

شديدةُ الحرّ،"نارُ الدّنيا جزءٌ واحِد مِن سبعين جزءًا مِن نارِ جَهنّم" رواه البخاري.
طعامُ أهلِها الزّقّوم من شجرةٍ تخرُج في جهنّم، وتتغذّى بجهنّم، والضّريعُ لا يُسمِن ولا يُغني من جوع، خبيثُ الطّعم، مُرُّ المذاق، شديدُ الحرارَة، ينشَبُ في الحَلق، فلا يستسيغه إلى جوفِه إلاّ بالماءِ البالِغ الحرارة، فإذا وصل إلى الجوف قطَّع الأمعاء.

ومِن شَرابهم المُهلُ والغسّاق وهو الصّديد من القيحِ والدّم، ولباسُهم القطِران والحديد، ولهم ثيابٌ من نارٍ والعياذ بالله، قال الله تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج:19-22] عَن عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه قال: "إنّ في النارِ حيّاتٍ كأمثالِ أعناقِ البُخت تنهَش الرّجل، فيجِد حَرَّ سُمِّها سبعينَ خريفًا"رواه أحمد.

قال الله تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105]

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، ونفَعنا بهديِ سيّد المرسلين وبقوله القويم.

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

  الخطبة الثانية:

الحمدُ لله ذي العزّة والإكرام، والجلالِ والعظمة والعزّة التي لا تُرام، أحمد ربي وأشكره على عظيم الإنعام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملك القدّوس السلام، وأشهد أن نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للأنام، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه الكرام.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى تقوَى من يخشاه سرًّا وجهرًا، فما أفلح أحدٌ إلا بتقوَى ربّه، وما خاب أحدٌ إلا باتِّباع الشهوات وتضييع الطاعات.

أيها المسلمون، لقد دعاكم مولاكم إلى جنّاتِ النعيم بتقديم الأعمالِ الصالحات ومجانبة السيّئات فقال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133، 134] وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كلّكُم يدخُل الجنة إلا مَن أبى"، قالوا: ومن يأبى يا رسولَ الله؟! قال: "من أطاعني دخلَ الجنة، ومن عصاني فقد أبى".

فلا يركننَّ أحدٌ إلى الدّنيا ونعيمِها، ولا تنسِه الدارَ الآخرة، فما هذه الدنيا إلاّ أضغاثُ أحلام وظِلُّ شجرةٍ ومتاعُ غرور، ما أسرعَ أيامَها في الانقضاء، وفي الحديثِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يؤتَى بأشدِّ الناس في الدنيا بؤسًا ويغمَس في الجنّة فيقال له: يا ابنَ آدم، هل رأيتَ بؤسًا قطّ؟ فيقول: لا والله، ما رأيتُ بؤسًا قطّ، ويؤتى بأشدّ الناس تنعُّمًا في الدنيا ثم يُغمَس في النار، ويقال له: يا ابنَ آدم، هل رأيتَ نعيمًا في الدنيا قطّ؟ فيقول: لا والله، ما رأيتُ نعيمًا قط"، لأنّ الجنّةَ تنسيهِ كلَّ بُؤس، ولأنّ النار تنسي كلَّ نعيم، قال الله تبارَك وتعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء:205-207]

وإنّما تطلَبُ الجنةُ برضوانِ الله تبارك وتعالى وعبادتِه بما شرَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا".
فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...