المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | أحمد بن عبدالله بن أحمد الحزيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
ليسَ المهمُّ أنْ نذكرَ بعضَ وظائفَ هذهِ الأيامِ بقدرِ مَا يهمنَا أنْ نعيَ أهميةَ هذهِ الأيامِ، ونقدرهَا، ونعرفَ مكانتهَا، فإذَا عرفَ العبدُ مكانتهَا وفضلهَا العظيمَ عندَ اللهِ كانَ حماسهُ وشوقهُ ولهفهُ لها كبيرًا، مَا يجعلهُ يخططُ بشكلٍ جيدٍ لإدراكهَا واستغلالهَا، وبالتالِي لَا تخرجُ هذهِ الأيامُ القليلةُ إلَّا وقدْ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ العليمِ الحكيمِ؛ شرعَ لعبادهِ منَ العباداتِ مَا به سعادتهمْ فِي الدنيَا، وفوزهمْ فِي الآخرةِ، نحمدهُ علَى عظيمِ مَنهِ وإحسانهِ، ونشكرهُ علَى تتابعِ نعمهِ وجزيلِ عطائهِ.
وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ؛ وسعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا ففتحَ أبوابَ الرحمةِ لخلقهِ وعلمهمْ مَا ينفعهمْ: (فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 239]، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ؛ صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابهِ وأزواجهِ وأتباعهِ إلَى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ:
فأوصِي نفسِي وإياكمْ -عبادَ اللهِ- بتقوَى اللهِ -تعالَى-؛ فإنَّ النجاةَ والفلاحَ فِي التقوَى: (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].
انظر -يَا عبدَ اللهِ- كيفَ يستقبلُ الدارسونَ مواسمَ الامتحاناتِ والنجاحَ، وماذَا يعدونَ لهَا منْ جدٍّ واجتهادٍ؟ وراقبْ كيفَ يستقبلُ التجارُ مواسمَ البضائعِ فِي الصيفِ والشتاءِ، والإجازاتِ والأعيادِ، يحرصونَ علَى عدمِ فواتِ أيِّ شيءٍ! تأملْ كيفَ يستقبلُ رجالُ الأعمالِ فرصَ المناقصاتِ، وإرساءِ العقودِ، وكيفَ يصلونَ الليلَ بالنهارِ فِي دراساتٍ دقيقةٍ، واستشاراتٍ عديدةٍ!
هذهِ نماذجُ منْ مواسمِ سوقٍ وربحِ الدنيَا، فمَا رأيكَ فِي التجارةِ معَ اللهِ -تعالَى-، ويَا ترَى مَا الاستعدادُ لمواسمِ الرحمنِ، وفرصِ المغفرةِ والرحمةِ والعتقِ منَ النَّارِ؟ وكيفَ سيكونُ التعاملُ معَ أيامِ اللهِ المباركاتِ؟
عبادَ اللهِ: بعدَ أنْ ودَّعنا شهرَ رمضانَ وبلياليهِ المباركةِ العظامِ، والفرحِ بعيدِ الفطرِ، وصومِ ستةٍ منْ شوالٍ، ودخولِ الأشهرِ الحرمِ، هَا هيَ تحلُّ بساحتنَا أيامٌ هيَ أفضلُ أيامِ الدنيَا علَى الإطلاقِ؛ كمَا عندَ البزارِ وصححهُ الألبانيُّ، عنْ جابرٍ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: "أفضلُ أيامِ الدُّنيا أيامُ العشرِ"؛ وذلكَ لما اجتمعتْ فِي هذهِ العشرِ المباركةِ منْ أيامٍ غرٍّ، لوْ تفردَ أحدهَا كانَ عظيمًا، فمَا بالكَ وهذهِ العشرِ كلهَا أيامٌ مباركةٌ، وأعمالٌ عظيمةٌ، وشعائرُ كبيرةٌ؟
لقدْ كانَ متقررًا فِي شريعتنَا -أيها الإخوة- أنَّ الجهادَ هوَ ذروةُ سنامِ الإسلامِ، وأنهُ مَا تقربَ عبدٌ إلَى اللهِ -تعالَى- بعدَ تلفظهِ بالشهادتينِ بأفضلَ منْ أنْ يتقربَ إلَى اللهِ -تعالَى- بإراقةِ دمهِ فِي سبيلِ اللهِ، لكنَّ العملَ فِي هذهِ العشرِ -أيهَا المسلمونَ- يفوقهُ ويفضلهُ؛ ففِي صحيحِ البخاريِّ عنِ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهمَا- عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: "مَا منْ أيامٍ العملُ الصالحُ فيهَا أحبُّ إلَى اللهِ منْ هذهِ العشرِ"، يعنِي العشرُ الأولُ منْ شهرِ ذِي الحجةِ، قالُوا: ولَا الجهادُ فِي سبيلِ اللهِ؟ قالَ: "ولَا الجهادُ فِي سبيلِ اللهِ، إلَّا رجلٌ خرجَ بمالهِ ونفسهِ ولمْ يرجعْ منْ ذلكَ بشيءٍ".
وسُئل شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ -رحمهُ اللهُ- عنْ عشرِ ذِي الحجةِ والعشرِ الأواخرِ منْ رمضانَ: أيُهُمَا أفضلُ؟ فأجابَ: "أيامُ عشرِ ذِي الحجةِ أفضلُ منْ أيامِ العشرِ فِي رمضانَ، وليالِي العشرِ الأواخرِ منْ رمضانَ أفضلُ منْ ليالِي عشرِ ذِي الحجةِ".
أيها المؤمنون: والسؤالُ الملحُّ الآنَ: لماذَا يشعرُ الجميعُ بروحانيةٍ أيامَ رمضانَ ولياليهِ، فيصومونَ للهِ فِي نهارهِ ويتلونَ كتابهُ ويجودونَ فيهِ بمَا يستطيعونَ، فِي حينِ أنَّ الكثيرينَ لَا يفعلونَ ذلكَ فِي أيامِ عشرِ ذِي الحجةِ معَ أنَّ العملَ فيهَا أحبُّ إلَى اللهِ منْ كلِّ عملٍ فِي أيِّ أيامِ السنةِ؟
إننَا نعتقدُ أنَّ الجهلَ بفضلِ هذهِ الأيامِ أحدُ الأسبابِ التِي جعلتِ الكثيرينَ منَّا لَا يعلمونَ أنَّ هذهِ الأيامَ بهذَا القدرِ الكبيرِ منَ الأجرِ.
وربمَا كانَ ضعفُ إيمانِ الشخصِ، وذنوبهُ المتراكمةُ تحرمهُ منِ استغلالِ الخيراتِ فِي أوقاتهَا.
إذًا، فالوعيُ بقدرِ هذهِ الأيامِ وعلوِّ مكانتهَا وفضلهَا المدهشِ هذهِ هيَ الحلقةُ المفقودةُ فِي حياةِ الكثيرِ منَ الناسِ، وإلَّا فهلْ يعقلُ أنْ يكونَ العملُ فِي هذهِ الأيامِ اليسيرةِ بهذه الأجورٍ العظيمةٍ، ثمَّ لَا نجدُ الإقبالَ الذِي يستحقُّ؟
لهذَا كان حرصُ السلفِ الصالحِ علَى اغتنامهَا والعملِ فيهَا كبيراً، فقدْ كانَ سعيدُ بنُ جبيرٍ -رحمهُ اللهُ- وهوَ الذِي روَى حديثَ ابنِ عباسٍ السابقَ - إذَا دخلتِ العشرُ اجتهدَ اجتهادًا حتَّى مَا يكادُ يُقدرُ عليهِ، وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سرجكم ليال العشر" كناية عن القراءة والقيام.
ليسَ المهمُّ -أيها الكرام- أنْ نذكرَ بعضَ وظائفَ هذهِ الأيامِ بقدرِ مَا يهمنَا أنْ نعيَ أهميةَ هذهِ الأيامِ، ونقدرهَا، ونعرفَ مكانتهَا، فإذَا عرفَ العبدُ مكانتهَا وفضلهَا العظيمَ عندَ اللهِ كانَ حماسهُ وشوقهُ ولهفهُ لها كبيرًا، مَا يجعلهُ يخططُ بشكلٍ جيدٍ لإدراكهَا واستغلالهَا، وبالتالِي لَا تخرجُ هذهِ الأيامُ القليلةُ إلَّا وقدْ أدركَ منهَا خيراً عظيماً، ومعَ ذلكَ نذكرُ بعضاً منْ هذهِ الأعمالِ وباقتضابٍ شديدٍ.
عبادَ اللهِ: الأعمالُ الصالحةُ فِي هذهِ الأيامِ كمَا يقولُ العلماءُ: "غيرُ محصورةٍ ولَا مخصوصةٍ بعبادةٍ معينةٍ أوْ قربةٍ خاصةٍ، فكلُّ القرباتِ التِي يُتقربُ بهَا إلَى اللهِ تشرعُ فِي هذهِ الأيامِ، فيستحبُّ فيهَا الصلاةُ والصيامُ والحجُّ والعمرةُ والأضحيةُ والذكرُ وتلاوةُ القرآنِ والصدقاتِ، إلَى غيرِ ذلكَ منْ أعمالٍ صالحةٍ؛ كمَا لفظ الحديثِ: "العملُ الصالحُ".
معاشرَ المسلمينَ: حَريٌّ بنَا أنْ نستقبلَ مواسمَ الخيرِ عامةً بالتوبةِ الصادقةِ النصوحِ، وبالإقلاعِ عنِ الذنوبِ والمعاصِي، فإنَّ الذنوبَ هيَ التِي تحرمُ الإنسانَ فضلَ ربهِ، وتحجبُ قلبهُ عنْ مولاهُ، ومنْ عزمَ علَى شيءٍ أعانهُ اللهُ، ومنْ صدقَ اللهَ صدقهُ اللهُ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
أيهَا الإخوةُ: عندمَا ندعو للتوبةِ ليسَ هذَا خطابًا تقليديًّا ملَّ البعضُ منْ تردادهِ.
أخِي الكريمَ: تأملْ معِي عندمَا تتوبُ إلَى اللهِ وتطبقُ شروطَ التوبةِ، ويتقبلهَا اللهُ منكَ، أتدري ماذا يعني ذلك؟ يعنِي أنَّ اللهَ أعتقكَ منَ النارِ وأدخلكَ الجنةَ، يعني أنَّ ذنوبكَ الخوالِي مهمَا عظمتْ وكثرتْ، فإنهَا صارتْ حسناتٍ، ورجعتْ صحيفةُ أعمالكَ بيضاءَ نقيةً، هلْ هذَا أمرٌ هينٌ؟ لَا واللهِ.
إذاً، انتهزْ فرصةَ هذهِ الأيامِ بتجديدِ التوبةِ معَ اللهِ فلهَا فِي هذهِ الأيامِ شأنٌ عظيمٌ، فأجرهَا مضاعفٌ، وإذَا اجتمعَ لكَ توبةٌ نصوحٌ. معَ أعمالٍ فاضلةٍ فِي أزمنةٍ فاضلةٍ، فهذَا عنوانُ الفلاحِ: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [القصص: 67].
منْ أعمالِ هذهِ الأيامِ: أداءُ الحجِّ والعمرةِ؛ وليتذكرِ المسلمُ أنَّ الحجَّ المبرورَ ليسَ لهُ جزاءٌ إلَّا الجنةُ، وأنَّ جائزةَ أهلِ عرفاتٍ أنْ يقالَ لهمْ: "انصرفُوا مغفورًا لكمْ".
ومنهَا: صيامُ تسعةِ أيامٍ منْ هذهِ العشرِ أوْ مَا تيسرَ منها، فقدْ كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - يصومُ تسعَ ذِي الحِجةِ؛ فعنْ أبِي داودَ بإسنادٍ صححهُ الألبانيُّ، عنْ هنيدةَ بنِ خالدٍ عنْ امرأتهِ عنْ بعضِ أزواجِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالتْ: "كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- يصومُ تسعَ ذِي الحٍجةِ، ويومَ عاشوراءَ، وثلاثةَ أيامٍ منْ كلِّ شهرٍ، أولَ اثنينِ منَ الشهرِ وخميسينَ"، ولهذا استحب صومها كثير من العلماء، قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: أنه مستحب استحباباً شديداً.
ومنَ الأعمالِ الصالحةِ: التكبيرُ والتحميدُ والتهليلُ والتسبيحُ أيامَ العشرِ، والجهرُ بذلكَ فِي المساجدِ والمنازلِ والطرقاتِ، وكلِّ موضعٍ يجوزُ فيهِ ذكرُ اللهِ، إظهارًا للعبادةِ، وإعلانًا وتعظيمًا للهِ -تعالَى-، يجهرُ بهِ الرجالُ ويخفيهِ النساءُ، قالَ تعالَى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 28].
والتكبيرُ المطلقُ الذِي هوَ فِي جميعِ الأوقاتِ يبدأُ منْ أولِ دخولِ شهرِ ذِي الحجةِ إلَى آخرِ أيامِ التشريقِ.
وأمَّا التكبيرُ المقيدُ، وهوَ الذِي يكونُ بعدَ الصلواتِ المفروضةِ، يبدأُ لغيرِ الحاجِّ منْ صلاةِ صبحِ يومِ عرفةَ إلَى صلاةِ العصرِ آخرِ أيامِ التشريقِ.
وصيغُ التكبيرِ: "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ كبيرًا"، "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لَا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ"، "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لَا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ".
قالَ فِي سبلِ السلامِ: "وفِي الشرعِ صفاتٌ كثيرةٌ للتكبيرِ واستحساناتٌ عنْ عدةٍ منَ الأئمةِ، وهوَ يدلُّ علَى التوسعةِ فِي الأمرِ، وإطلاقُ الآيةِ يقتضِي ذلكَ".
عباد الله: التكبيرُ هوَ شعارُ أهلِ الإيمانِ فِي هذهِ الأيامِ العشرِ، فشاركْ بإحياءِ هذهِ السنةِ ولَا يمنعكَ الخجلُ -أيهَا المسلمُ- منَ الجهرِ ورفعِ الصوتِ بهَا، فقدْ كانَ ابنُ عمرَ وأبُو هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهمَا- كانَا يخرجانِ إلَى الأسواقِ لَا لحاجةِ الشراءِ وإنمَا لإحياءِ هذهِ السنةِ، وهيَ التكبيرُ، ويكبرُ الناسُ بتكبيرهمَا.
وفي هذه الأيام يحسن التقربُ إلَى اللهِ -تعالَى- بذبحِ الأضاحِي، وهيَ منْ أعظمِ الأعمالِ لمنْ قدر عليهَا ولا يخفاكم أنَّ منْ أرادَ الأضحيةَ وهلْ عليهِ هلالُ ذِي الحِجةِ ف "لَا يأخذنَّ منْ شعرهِ ولَا منْ أظفارهِ شيئًا حتَّى يضحِّي"، وهذَا الحكمُ خاصٌّ بالمضحِّي فقطْ، أمَّا المضحَّى عنهمْ فلَا يلزمهمُ الإمساكُ.
ومن أعمال العشر: الصدقةُ والإحسانُ إلَى الخلقِ؛ تصدقْ عبد الله فِي كلِّ يومٍ منْ هذهِ الأيامِ ولوْ بالقليلِ اليسيرِ.
ومن أعمال العشر: الحرصُ علَى أداءِ الصلاةِ جماعةً، وذلكَ بألَّا تفوتكَ إدراكُ تكبيرةِ الإحرامِ، وأداءُ السننِ الرواتبِ والنوافلِ المطلقةِ، والتبكيرُ للصلاةِ والانتظارُ بعدهَا وعلَى ألَّا تفوِّتَ قيامَ الليلِ.
والحرصَ أيضًا علَى تلاوةِ القرآنِ، وحاولْ أنْ تختمهُ ولوْ مرةً واحدةً فِي هذهِ العشرِ، واحرصْ علَى البرِّ وصلةِ الأرحامِ.
هذهِ جملةٌ منَ خصائصِ وفضائلِ هذَا الموسمِ العظيمِ الفاضلِ؛ الذي نسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- بأسمائهِ الحسنَى، وصفاتهِ العلَى، أنْ يجعلَها لنَا جميعًا مغنمًا، وإلى الخيرِ مرتقَى وسلمًا، إنهُ تباركَ وتعالَى سميعُ الدعاءِ، وهوَ أهلُ الرجاءِ، وهوَ حسبنَا ونعمَ الوكيلُ.
باركَ اللهُ لِي...
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ عظيمِ الإحسانِ، واسعِ الفضلِ والجودِ والامتنانِ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ، صلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ.
أيهَا الكرامُ: أيامُ عشرِ ذِي الحجةِ، تقعُ فِي الشهرِ الأخيرِ منَ العامِ، وعمَّا قليلٍ ستطوَى صحائفهُ، وتغلقُ خزائنهُ، فاختمْ عامكَ -أيهَا المسلمُ- بخيرٍ؛ فإنَّ العبرةَ بالخواتيمِ.
حَقُّ هذهِ الأيامِ علينَا جميعًا: أنْ نتفرغَ للعبادةِ فيهَا، وأنْ نكثرَ منَ الطاعاتِ قدرَ مَا نستطيعُ، ونبتعدُ عنْ كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ منْ غيرِ إخلالٍ بواجبٍ وظيفيٍّ أوِ اجتماعيٍّ.
أينَ أنتَ منْ هذَا العرضِ الربانيِّ الضخمِ، والعطاءِ الإلَهيِّ الجزلِ؟ أينَ مَن يبحثُ عنِ الفرصِ الاستثماريةِ المضمونةِ الربحِ؟ بلْ وبنسبةٍ عاليةٍ جدًّا، إنَّهَا فرصةٌ تلوحُ الآنَ فِي الأفقِ لأجرٍ كبيرٍ وعظيمٍ وعظيمٍ، فهلَّا اهتبلت الفرصةُ؟
وفقكَ اللهُ لذلكَ وأكثرَ ويسرَ وأعانَ.
هذَا وصلُّوا...