السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | خالد بن سعود الحليبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة - أركان الإيمان |
أيها المؤمنون المحبون لرسول الله -صَلى الله عليه وسلم- ولمن أحبه: دعوني أحلق بكم إلى هناك، مع أعظم من أحب النبي -صَلى الله عليه وسلم- وصدّقه، صاحب النبي الأعظم؛ مثال العفو والتسامح، أبو بكر الصديق، رفيق النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قبل البعثة وبعدها، سبق إلى الإيمان به، وصدّقه حين كذبه الناس، ودافع عنه يوم ليس للإسلام نصير ولا دولة ولا جيش.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل عبده ورسوله محمدًا -صَلى الله عليه وسلم- بالهدى والنور المبين، وجعله إمامًا وقائدًا للغر المحجلين، واختار له خير الأصحاب والأحباب والأنصار من المجاهدين المؤمنين، والأبرار الصالحين، فكانوا خير أمة أخرجت للناس أجمعين.
والصلاة والسلام علي نبي الهدى والرحمة، والمربي الكامل، والرسول الأمين الذي ربى وزكى أطهر أمة، وخير رجال عرفهم التاريخ فكانوا مثلاً للناس أجمعين، وقدوة لكل من أراد الله والدار الآخرة ممن يأتي بعدهم من المسلمين والمؤمنين.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المؤمنون المحبون لرسول الله -صَلى الله عليه وسلم- ولمن أحبه: دعوني أحلق بكم إلى هناك، مع أعظم من أحب النبي -صَلى الله عليه وسلم-وصدّقه، صاحب النبي الأعظم؛ مثال العفو والتسامح، أبو بكر الصديق، رفيق النبي -صلى الله عليه وآله وسلمَ- قبل البعثة وبعدها، سبق إلى الإيمان به، وصدّقه حين كذبه الناس، ودافع عنه يوم ليس للإسلام نصير ولا دولة ولا جيش؛ عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-؟ قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي -صَلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ) [غافر: 28] [رواه الإمام البخاري].
وثبّت دعائم دينه بعد أن ودعه في يوم وفاته صلى الله عليه وسلمَ حين زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، واهتز كبار القوم، وهو يقول: "طبتَ حيًّا وميتًا يا رسول الله".
وكان معه في أخطر سفر في التاريخ: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40]، يقول أبو بكر: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلمَ-، وأنا في الغار، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا؟ فقال: "ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما" [أخرجه البخاري].
فأية خصوصية أعظم من أن يُقرن أحد برسول الأمة وصفيّ الرحمن؛ ليكون الله ثالثهما؟
لم يدعه في كل مواطن النفير والقتال، حتى حمل الراية معه يوم تبوك، وهي من آخر غزوات النبي -صلى الله عليه وآله وسلمَ-.
وصلى بالناس إمامًا مكانه عندما اشتد وجعه في مرض موته.
وأجمع المسلمون على خلافته وسموه خليفة رسول الله، واستمرت خلافته بعد الرسول -صَلى الله عليه وسلم-سنتين وثلاثة أشهر تقريبًا -رضي َالله عنه وأرضاه-.
كان رجلاً سهلاً محبوبًا مؤلفًا لقومه، تاجرًا ذا خُلق ومعروف، وكانت خلافته من أعظم بركات الله على الأمة، فقد اجتمعت الأمة عليه، وقضى على فتنة الردة، وادعاء النبوة، ووجه قوى المسلمين جميعًا نحو فارس والروم، فكان الفتح والنصر المبين.
أبو بكر أحب الناس لرسول الله -صَلى الله عليه وسلم-، سأل عمرو بن العاص -رَضي الله عنه- النبيَّ -صَلى الله عليه وسلم-حين بعثه على جيش ذات السلاسل، فقال: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، فقلت: من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر بن الخطاب" فعد رجالاً [أخرجه البخاري].
فلا غرابة بعد ذلك أن يقول: "إن أَمَنَّ الناس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام، لا يَبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" [رواه البخاري].
خصوصية تنقطع دونها الرقاب تشوفًا وتشوقًا، هنيئا لك أبا بكر هذه المنزلة العليا، ألم تصحب حبيبنا حيًّا، حتى نلت شرف صحبته ميتًا، فما زار أحد المصطفى إلا زارك، وترضَّى عنك ودعا لك!
ولهذا القرب الشديد اللصيق أصبح الصديق من أعظم الناس فهمًا لمراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد جلس على المنبر، فقال: "إن عبدًا خيَّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده"، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-عن عبدٍ خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-هو المخيَّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به".
ولم تأت هذه الخصوصية النادرة إلا لندرة شخصية أبي بكر -رَضي الله عنه-، الذي اختاره الله ليكون صفيّ رسوله وصهره ورفيقه وخليفته من بعده، استمع إلى بعض المؤهلات لهذه المنزلة الرفيعة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلمَ-: "من أنفق زوجين في سبيل الله نُودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة; قال أبو بكر: هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم" [رواه البخاري].
وتوالت الشهادات تترى بالمستوى الذي يليق بالصفوة، حتى الجمادات تستجيب للأصفياء؛ فقد روى البخاري بسنده عن أنس بن مالك -رضي َالله عنه- أن النبي -صَلى الله عليه وسلم-صعد أُحُدًا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال: "اثبت أُحُد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" [رواه الإمام البخاري] فالصديق أبو بكر، والشهيدان عمر وعثمان -رضي الله عنهما-، وهذا من علامات نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلمَ-، فقد عاش أبو بكر ومات صديقًا، واستشهد عمر واستشهد عثمان -رَضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم-.
(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29].
اللهم إنا أحببنا نبيك وآله وصحبه فأحينا على سنتهم، واحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله تترى حتى يرضى ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، وتأسوا بسنته وبسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده، عضوا عليها بالنواجذ.
أيها الإخوة الكرام: وتتوالى الشهادات العظمى للصديق -رَضي الله عنه-، فهذا الإمام علي بن أبي طالب -رضي َالله عنه- فيما روى البخاري -رحمه الله- بسنده إلى محمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب -رضي َالله عنه-، قال: قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-؟ قال: "أبو بكر"، قال: قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر"، قال: ثم خشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان، فقلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين" [رواه البخاري وغيره].
وكانت دلائل تفضيله -رضي َالله عنه- ظاهرة في مثل حديث عائشة -رَضي الله عنها- أن رسول الله -صَلى الله عليه وسلم- قال في مرضه: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمُر عمر فليصل، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس"، فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس"، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا.
وفي رواية: أن عائشة قالت: "لقد راجعت رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبدًا، وإني كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-عن أبي بكر".
رضي الله عنك يا أبا بكر وأرضاك، وما انتهى حديثنا عنك، بل لا تزال النفوس في شوق إلى التعرف على أسباب هذه الأفضلية، وهذه المكانة الرفيعة، لا طمعًا في بلوغها، فلم تكن إلا لك، كيف وقد غضب الرسول -صَلى الله عليه وسلم-حين تقدم عمر في الصلاة وكان أبو بكر غائبًا، حتى قال: "فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون"، فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.
وفي رواية قال: "لما أن سمع النبي -صَلى الله عليه وسلم-صوت عمر"، قال ابن زمعة: "خرج النبي -صَلى الله عليه وسلم-حتى أطلع رأسه من حجرته، ثم قال: "لا، لا، لا، ليصل بالناس ابن أبي قحافة"، يقول ذلك مغضبًا" [أخرجه أبو داود وهو حديث حسن].
نعم، ولكن لنتأسى ببعض تلك الصفات الربانية العظيمة.
اللهم انصر الإسلام وأهله، واخذل الكفر وأهله، واحم المسجد الأقصى الشريف من أيدي أعدائه، وكن عونًا لأهله على طرد البغاة المعتدين من أكنافه.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.
اللهم آمنا في أوطاننا، واحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وبارك لنا في دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، وارزقه البطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه، واجعله حربًا على أعدائك، سلمًا لأوليائك، ووفقه إلى ما تحبه وترضاه، إنك جواد كريم.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم على الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الآل والصحب أجمعين.