الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبد الملك بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
فهذه دعوة الرسل، وزبدة الرسالة، وبه تعرف عظمة شأن التوحيد، ومعرفتك عظمته بأن تصرف همتك إليه، وإلى معرفته والعمل به غاية جهدك، وإلى معرفة ما يضاده وما سواه من أنواع العلوم الفرعية بعد ذلك، فيهتم الإِنسان غاية الاهتمام بمعرفة أصل الدين إجمالاً قبل الواجب من الفروع، الصلاة والزكاة وغير ذلك؛ فلا تصح الصلاة ولا الزكاة قبل الأصل، فلا بد من معرفة أصل الدين إجمالاً
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا ومنيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- اتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
أيها المسلمون: بعث الله نبينا محمدًا بالمحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فبلغ -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده؛ ولعظم أمر الشرك وخطورته حَمَى -صلى الله عليه وسلم- حِمَى التوحيد وسد طرق الشرك حتى يُعبد الله وحده دون ما سواه.
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس على أمته، يحب هدايتهم وطاعتهم لربهم ونجاتهم من أسباب الهلاك والردى، ولا أدل على ذلك من تصويره لمثله ومثل أمته، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها" رواه مسلم.
أيها المسلمون: قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25] وغير ذلك من الآيات الدالة على عظم التوحيد.
وكلا الآيتين فيها العموم الواضح: أن أول شيء بدأت به الرسل قومهم هو التوحيد، وأيضًا في إفراد الرسل جاءت الآيات، كما قال عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وغيرهم، أن أول شيء بدءوا به قومهم: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [المؤمنون: 32]
فهذه دعوة الرسل، وزبدة الرسالة، وبه تعرف عظمة شأن التوحيد، ومعرفتك عظمته بأن تصرف همتك إليه، وإلى معرفته والعمل به غاية جهدك، وإلى معرفة ما يضاده وما سواه من أنواع العلوم الفرعية بعد ذلك، فيهتم الإِنسان غاية الاهتمام بمعرفة أصل الدين إجمالاً قبل الواجب من الفروع، الصلاة والزكاة وغير ذلك؛ فلا تصح الصلاة ولا الزكاة قبل الأصل، فلا بد من معرفة أصل الدين إجمالاً، ثم معرفة فروعه تفصيلاً، وفي حديث معاذ لمَّا بعثه إلى اليمن، قال له: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة".
وهذا يفيد أنهم إذا لم يعلموا التوحيد ولم يعملوا به، فلا يدعوهم للصلاة إن لم يطيعوه في الدخول في الإِسلام، فإن الصلاة لا تنفع ولا غيرها بدون التوحيد، فإن لا يستقيم بناء على غير أساس، ولا فرع على غير أصل، والأصل والأساس هو التوحيد.
والصلاة وإن كانت هي عمود الإِسلام فمـع ذلك لم تفرض إلا بعد أن اسـتقر التوحيد في النـفوس بنحو عشرسنين، ومما يبين أن التوحيد هو الأصل كونه يوجد من يدخل الجنة، ولو لم يصل ركعة واحدة، وذلك إذا اعتقد التوحيد وعمل به ومات متمسكًا به، كأن يقتل قبل أن يُصلي أو يموت، والصلاة لا تنفع وحدها، ولو صلى وزكى وصام، إذا لم يعتقد التوحيد.
وبذلك يعرف عظم شأن التوحيد، وما هلك من هلك إلا بترك العلم بالتوحيد والعمل به، وما دخل الشيطان على من دخل، ولا مزق عقول من مزق، ولا وقع ما وقع إلا من آفة قولهم: يكفي النطق بالشهادة، ومجرد المعرفة، حتى إن من علمائهم من لا يعرف التوحيد أصلاً، وذلك لكونهم ابتلوا بالشرك، وعبادة الأوثان، وكثرة الشبهات الباطلة، فبذلك خفي التوحيد على كثير ممن يدعي العلم؛ لعدم المعرفة به، وإلا فمعرفة التوحيد والشرك من أهون ما يكون وأسهله إجمالاً، كما في زمن الصحابة.
فإنهم كانوا يعرفون التوحيد والشرك، فمن قال: لا إله إلا الله، يترك الشرك، ويعلم أنه باطل مناف لكلمة الإِخلاص؛ ولهذا لما دعاهم النبي إلى التوحيد وقال: "قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، قالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) [ص: 5] وأما حين كثرت الشبهات صعب معرفة التوحيد، والتخلص من ضده، وكثر النفاق، وصار الكثير يقولها ويعبد مع الله غيره، فالله المستعان.
عباد الله: عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله -تبارك وتعالى-"قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: "قولوا بقولكم؛ أو بعض قولكم، ولا يستجدينكم الشيطان" رواه أبو داود يسند جيد.
أراد وفد بني عامر إظهار حبهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- وبيان مكانته، فقالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا فقال: "السيد الله -تبارك وتعالى-" إذ السيادة الكاملة لله - سبحانه-، والخلق كلهم عبيد له، وقد نهاهم عن هذا القول؛ تأدبًا مع الله -سبحانه- وحماية للتوحيد ثم أثنوا عليه بقولهم أفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً فنهى -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ "قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجدينكم الشيطان" وكل ذلك مخافة أن يجرَّهم الشيطان إلى الغلو المفضي إلى الشرك، وأمرهم أن يقتصروا على الألفاظ التي لا غلو فيها ولا محذور كأن يدعوه بمحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سماه ربه -عز وجل-.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن أناسًا قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: "يا أيها الناس! قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان؛ أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أُحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلتي الله -عز وجل-" رواه النسائي بسند جيد.
أنكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أناس ثناءهم عليه بقولهم: "يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا"؛ لئلا يكون ذلك وسيلة إلى الغلو فيه والإِطراء، وفيه التحذير من كيد الشيطان وأنه قد يأتي من طريق الزيادة على الحد المشروع، وأن الغلو في مدح النبي منهي عنه لأنه من الشيطان كما في بعض قصائد المدائح النبوية من الغلو الذي يوصل إلى درجة الشرك.
وأرشدهم إلى أن يصفوه بصفتين: عبد الله ورسوله، وألا يرفعوه فوق المنزلة التي أنزلها الله إياها، حماية للتوحيد، وسدًا لباب الغلو المفضي إلى الشرك.
وأفاد الحديث تواضع الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وهو أشرف الخلق وأفضلهم على الإِطلاق.
عباد الله: الأصل أنه لا يجوز أن يقال للمسلم يا سيد لحديث: "السيد الله -تبارك وتعالى-"، ولكن إذا كان له مكانه في العلم والفضل فلا مانع، وكذا يباح أن يقول المملوك لمالكه: سيدي.
أما الكافر والمنافق؛ فيحرم على المؤمن إطلاق السيد عليهما، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك سيدكم؛ فقد أسخطتم ربكم -عز وجل-" رواه أحمد.
فالواجب على العبد أن يكون مجتنبًا الأقوال المفضية إلى الغلو في المخلوق؛ سدًا لباب الشرك وحماية للتوحيد.
وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن المدح وشدد القول فيه، وقال: "ويحك قطعت عنق صاحبك"، وقال: "إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب"، فمواجهة الممدوح بمدحه ولو بما فيه من عمل الشيطان، لما قد تفضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه، وذلك ينافي كمال التوحيد، ويوقع في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما أكمل الله له مقام العبودية، صار يكره أن يُمدح صيانة لهذا المقام، وإرشادًا للأمة إلى ترك ذلك نصحًا لهم، وحماية لمقام التوحيد من أن يدخله ما يفسده، أو يضعفه من الشرك ووسائله.
أيها المسلمون: الكبر أنواع ثلاثة:
الأول: الكبر على الله تعالى، وهو أفحش أنواع الكبر؛ لأن الإِنسان الضعيف المخلوق من ماء مهين، الذي يصرعه أضعف الحيوانات إذا سلطه الله عليه، لا يليق به ولا يحل له أن يتكبر على من خلقه وأوجده، ومنه يستمده بقاءه، ويحتاج إليه في كل لحظة، وفي كل حركة وسكون.
ومن جهل قدر ربه فهو من بهيمة الأنعام أو أضل، كما أخبر الله عمن استكبروا عليه وعلى رسله، وكيف يجهل الإِنسان قدر إلهه القادر القاهر، الذي أبدع العالم على أحسن إحكام، وأدق تكوين، وله -سبحانه- في كل جزء من خلقه شاهد واضح الدلالة، وحجة ظاهرة البيان، تدل على أنه هو ذلك الصانع الذي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11]
الثاني: من النوع الكبر: الكبر على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يمتنع من الانقياد له، تكبرًا وجهلاً وعنادًا، كما حكى الله عن كفار مكة، حيث قالوا: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف: 31] وقال -تعالى- مبينًا حال المستكبرين عن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً) [الفرقان: 41]
الثالث: التكبر على العباد؛ بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى على الانقياد له أو يترفع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا من شر الرذائل وأسوأ الصفات؛ لأن فيه منازعة لله في صفة لا تليق إلا بجلاله، فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره، فما أعظم استحقاقه للمقت، وأقرب استعجاله الخزي؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته".
ولعظم عقوبة التكبر والخيلاء حتى في أمر يراه بعض الناس يسيرًا؛ ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" رواه البخاري.
وفي الحديث الآخر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" رواه مسلم.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "التكبر شر من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله - تعالى-، والمشرك يعبد الله وغيره". فالعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 28]
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها لديه الزلفى، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، النبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والوفاء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد:
فقد بعث الله -سبحانه وتعالى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وأكمل لنا به الدين، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3]
وأمرنا بطاعته، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) [النساء: 59]، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7]
والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة، ويباعد من النار إلا بينه للأمة حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، -فصلوات ربي وسلامه عليه-.
مقتضى الإِيمان بشهادة أن محمدًا رسول الله: طاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر وتصديقه فيما أخبر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ومنزلته عظيمة فهو رسول رب العالمين؛ لكن ليس له شيء من خصائص الربوبية، فلا يُدعى، ولا يتوسل به بعد موته.
فاحذروا -عباد الله- محدثات الأمور، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه.
وأوضح -صلى الله عليه وسلم- أن كل ما يحدثه الناس بعده، وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال، فكله بدعة مردودة على من أحدثها، ولو حسن قصده، وقد عرف أصحابها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر ومن تبعهم بإحسان، فانكروا البدع وحذروا منها ومن ذلك بدع الاحتفال بالموالد النبوية، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغيرها من البدع.
فاستمسكوا بسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات في الدين، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
هذا، وصلوا.