البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

هدي النبي -صلى الله عليه وسلمَ- في تربية الزوجة

العربية

المؤلف سلمان بن يحيى المالكي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. حث الإسلام على رعاية الأهل .
  2. آثار تفريط الزوجين في تربية الأسرة .
  3. بعض جوانب تربية النبي -صلى الله عليه وسلمَ- لزوجاته وهديه في ذلك .

اقتباس

إن الأسرةَ المسلمةَ ترتكز في بدايتها على شخصين كريمين: الزوجُ والزوجة، ونظراً في التفريطِ الواضحِ في تربيةِ الزوجاتِ من قِبَل أزواجهن وكثرةِ إهمالهن والتفريطِ في شؤونهن الدينيةِ والتقصيرِ في تعليمهن؛ شاعت الفواحشُ في كثير من الزوجات، وانتشرت المنكراتُ في...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: لقد أمرنا الله -تعالى- برعاية الأهل والقيام عليهم، وأخبرنا أن القيامَ عليهم وأمرُهم بالمعروف ونهيُهم عن المنكر هو وقايةٌ لهم من عذاب الله، فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

وتقع المسؤوليةُ على كل ذي مسؤوليةٍ أيا كان من زوج أو أب أو أخ أو راعٍ يقومُ على رعايةِ أهله؛ فعن أنس بن مالك -رَضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه، أحفِظ ذلك أم ضيع، حتى يسألَ الرجلْ على أهل بيته" (رواه النسائي)، فأهلُ بيتك -أيها المسلمُ- هي مسؤوليةٌ ستسأل عنها يوم القيامةِ وتحاسبُ على التقصير فيها؛ لأنها أمانةٌ من ضمن الأماناتِ التي حُمِّلتهَا ونأت عن حملها السماواتِ والأرضِ والجبال.

عباد الله: إن الأسرةَ المسلمةَ ترتكز في بدايتها على شخصين كريمين: الزوجُ والزوجة، ونظراً في التفريطِ الواضحِ في تربيةِ الزوجاتِ من قِبَل أزواجهن وكثرةِ إهمالهن والتفريطِ في شؤونهن الدينيةِ والتقصيرِ في تعليمهن، شاعت الفواحشُ في كثير من الزوجات، وانتشرت المنكراتُ في حياتهن، وكثُرة الخيانات مع أزواجهن، وعمّ الجهل في أوساطهن، وما ذاك إلا بسبب تفريطِ الرجالِ في تعليمهنِ أمورَ دينهن.

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يعلم زوجاتهِ أمورَ العقيدة، ويخبرهن بتوحيد الله وعظمته سبحانه، كان عليه الصلاة والسلام فيما يقول لعائشةَ -رَضي الله عنها-: "مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ"، فتقول له عائشة: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) [الانشقاق: 8] أي كيف تقولُ يا رسولَ الله من حوسب يوم القيامةِ عُذِّب؟ والله يقول عن صاحب اليمين الذي يُؤتَى كتابه بيمينه: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً)، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلمَ- موضحاً ومعلماً وشارحاً لها أمرا من أمور العقيدة: "لَيْسَ ذَاكِ الْحِسَابُ، إِنَّمَا ذَاكِ الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ".

وكان مما يعلمه عليه الصلاة والسلام لزوجاته: الأذكارْ والاستعاذةَ من الشرور كأذكار الصباح والمساء، وكيف تستعيذُ بالله من الشرور، عن عائشة -رَضي الله عنها- قالت: "أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- بيدي ثم أشار إلى القمر، فقال: "يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي بالله مِنْ شَرِّ هذا، فإنَّ هذا هوَ الغاسقُ إذا وَقَبَ" (رواه أحمد).

لقد فسر لها تلك الآية من سورة الفلق: (وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) [الفلق: 3]، وأوضح لها المراد لما أخذ بيدها وأشار إلى هذا القمر، وأنه آية الليل في السماء، وأمرها أن تستعيذ بالله من شره؛ فإن الشرور تحدث في الليل كما تحدث في النهار.

وكان يربي صلى الله عليه وسلمَ نسائه على الخوف من الله -تعالى-؛ فإذا ظهر سحاب في السماء أو أقبلت ريح من هنا وهاهنا دخل وخرج وتغير لونه وانزعج، تقول عائشة -رَضي الله عنها-: "وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْماً أَوْ رِيحاً، عُرِفَ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ، فتقول له: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟" فبماذا كان رده صلى الله عليه وسلمَ؟ لقد انتهز هذا السؤال ليخوفها بالله، ويبين لها كيف يكون المؤمنُ في عدم أمنه من مكر الله، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا"هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا" (رواه مسلم).

وهكذا يكون تخويف الزوجة بالله، وتوضيحُ عذابِ الله لها، وأن المسلمَ لا يأمن مكر الله -جل وعلا­-.

وحتى لا تستعجلَ الزوجةُ في الإجابة عن شيء أو تتسرعْ في الحكم على شيء كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلمَ- في تربيته لزوجاته تحذيرهِن من القول على الله بغير علم، وهنا يعلِّم الزوج زوجته مفهوماً مهماً من المفاهيم الإسلاميةِ وقاعدةً من القواعد العظيمة في الدين، وهي: عدمُ جوازِ القولِ على الله بغير علم، أو الحكمِ على الأشياء بغير دليل شرعي؛ فعن عائشة -رَضي الله عنها- قالت: "دُعِيَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- إِلَى جَنَازَةِ صَبِي مِنَ الأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ؟ قَالَ: أَوَ غَيْرَ ذلِكَ؟ "يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلاً، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلاً، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ" (رواه مسلم) قال الإمام النووي: "أجمع علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة"، والجواب عن هذا الحديث أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة".

ونظراً لكثرة آفات اللسان عند النساء؛ فإن على الزوجِ المسلمِ أن يراعي ذلك في زوجته، فإن الله -تعالى- قد ذكرهن داخلاتٍ في القوم وذكرهن منفصلاتٍ عنهم، فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ) [الحجرات: 11]، فهؤلاء النساءِ داخلاتٍ في القوم، ثم كرر التنبيه سبحانه وخصهن بالنهي أيضاً، ولذلك ترى الغيبةَ والنميمةَ في أوساط النساء كثيرة، فماذا فعلْتَ أيها الزوجُ في موعظةِ ومقاومةِ هذه الأخلاق الرديئة؛ إن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- لم يكن يرضى من زوجاته شيئاً ولو كان قليلاً يسيراً، جاء في الحديث الصحيح عن عائشة -رَضي الله عنها- قالت: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْني قَصِيرَةً (ولم يكن الباعثُ لكلامها الازدراءُ والسخرية وإنما كان الغيرة) فقَالَ لها موجها ومؤدبا ومحذرا: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَت بِهَا الْبَحْرُ لَمَزَجَتْهُ" (لمزجته وطغت عليه من شدة وعظم هذه الكلمة) قالت: "وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَاناً (أي أنها مثلت له حركة أو قولاً) فقالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّي حَكَيْتُ إِنْسَاناً وَإِنَّ لِي كَذَا وكَذَا" (أي ما يسرني أن أتحدث بعيبه) (رواه أبو داود)، وروى النسائي بإسناد صحيح في كتاب: عشرة النساء، عن أنس -رَضي الله عنه- قال: "بلغ صفية أن حفصة قالت: ابنةُ يهودي (أي أن حفصة قالت لصفية هي ابنةُ يهودي) فبكت صفية، فدخل عليها النبيّ -صلى الله عليه وسلمَ- وهي تبكي، فقال: "ما يُبكيك؟" قالت: قالت لي حفصة: أني ابنة يهودي، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إنك لابنة نبي، وإن عمك نبي، وإنك لتحت نبي" (أي إنك من سلالة موسى وهارون، فجدك موسى نبي، وأخوه هارونَ عمك نبي، وإنك لتحت نبي -صلى الله عليه وسلمَ-) فبم تفخر عليك، ثم قال: "اتقي الله يا حفصة" (رواه النسائي).

هذا هو النبي -صلى الله عليه وسلمَ- في تعليمه لزوجاته، وكيف يكون الموقف ممن زلَّ لسانها في حق أختها، ولو كان الدافع قوياً، ومما ينبغي على الزوجِ المسلم في تربية لزوجته: مقاومةَ ما يحصل لديها من المنكرات، مما تتخذه من اللباس أو الزينة، ونحوِ ذلك، فقد روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن عائشة -رَضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: أنها اشترت نمرقة (أي ستارة) فيها تصاوير (من ذوات الأرواح) فلما رآها النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قام على الباب فلم يدخل، فعرفت عائشة في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ قال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتتوسدها، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" ثم قال: "إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة"، وهكذا أنكر النبي -صلى الله عليه وسلمَ- على عائشة بالفعل والقول، وليس بالضرب كما يفعل بعض الأزواج أو بتقبيح الوجه أو بالكلام الفاحش البذيء، وقارنوا -يا عباد الله- بين هذه التصرفات النبوية الشريفة اللبيبة، وبين ما يفعله بعض الناس اليوم، عندما يذهبون بزوجاتهم إلى السوق فيتركونهن في السوق ويعطونهن الأموال بناءً على طلبهن ورغبتهن، ثم تشتري المرأةُ ما تشتري من غير رقيب ولا حسيب من الأمور التي فيها منكراتٌ ومحرمات، من الألبسةِ التي فيها التصاويرِ أو صلبان، أو الآنية المطلية بالذهب والفضة، أو التماثيلِ من ذوات الأرواح لتوضع في البيوت للزينة، أو غيرِ ذلك من الأمور المحرمة، التي قد تُزين بها المرأةُ بيتها، والزوج ساكتٌ، بل إنه لا ينتبه فضلاً عن أن ينظر ويدقق، وليس هناك متابعةٌ ولا محاسبة، بل لم تعد القضيةُ قضيةَ تصاويرٍ منقوشةٍ أو مرسومة، لقد تعدت المسألةُ إلى أمور محرمةٍ تدخُلِ البيوت، أمورٍ فيها إهدارٌ للعرض الذي صانه الله، والشرفِ والكرامة التي جاءت بهما الشريعة، أمورٌ فيها إفساد للأولاد والبيت عموماً، أشياءٌ من اللهو المحرم الذي يبعث عليه الشيطان، كل ذلك يدخل بيت الزوج عن طريق الزوجة أو غيرها، ولا يحرك ساكناً، ولا يمنع منكراً، فما هذه العيشة؟! وأي حياةٍ هذه؟! وعلى أيِّ شيء تقوم الأسرة ؟ (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) [التوبة: 109].

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- يربي زوجاته على العبادة، كان يوقظهن صلى الله عليه وسلمَ ويقول: "أيقظوا صواحب الحجرات، أيقظوهن، ربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة"، هكذا كان ينذر عليه الصلاة والسلام ويخوف.

كان بيته شعلةً من النشاط الدائم في طاعة الله، ذكرٌ بالنهار، وقيامٌ بالليل، والآيات تتنزل على بيته وحجراته: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) [الأحزاب: 34].

وكانت المتابعة على العبادة، سواءٌ كانت بدنية أو مالية، فيقول عليه الصلاة والسلام: "يا عائشة! لا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك" (أي لا تبخلي بالصدقة وتمنعيها).

إذاً، كانت المتابعة حتى في قضايا المستحبات، وليس فقط في قضايا الواجبات أو النهيِ عن المحرمات فقط.

وكان صلى الله عليه وسلمَ يراعي أمور اللسان وفلتاته، حتى قضايا الفحش في الأعداء، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة -رَضي الله عنها- قالت: إنَّ اليهودَ أتوُا النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- فقالوا: السامُ عليك، قال: "وعليكم"، فقلت: السامُ عليكم ولعنَكمُ اللَّهُ وغَضِبَ عليكم، فقال رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلمَ-: "مَهلاً يا عائشة، عليكِ بالرفق، وإياكِ والعُنف أَوِ الفُحش"، قالت: أوَ لم تَسمعْ ما قالوا؟ قال: "أَوَ لم تَسمعي ما قلتُ؟ ردَدْتُ عليهم، فيُستجابُ لي فيهم، ولا يُستَجاب لهم فيَّ " (رواه البخاري) فحتى في الأعداء لا يكون الإنسان فاحشاً ولا متفحشاً إلا فيما دعت إليه المصلحة الشرعية الواضحة، كما حصل في بعض المواقف، أما أن يُطلق الإنسان لسانه في كل شيء فهذا مذموم، فالتُنَبَّه الزوجة حتى لا تكون متفحشةً في القول فتكونَ مذمومة أو مكروهة مبغوضة من خلق الله منبوذة.

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يعتني في ظل ما يعتني به الغيرة، والغيرة أمر طبعي عند النساء، وهي: الحمية والأنفة، وقد كانت تربيته صلى الله عليه وسلمَ لزوجاته في قضيةِ الغيرة تربيةً عظيمة تدل على حكمته صلى الله عليه وسلمَ، وعلاجِه للأمور بالرفق والتأني؛ فعن أنس -رَضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلمَ- عند إحدى أمهات المؤمنين، فأرسلت إليه أخرى بصحفة فيها طعام، وكان صلى الله عليه وسلمَ عند عائشة، فضربت عائشةُ يدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- فسقطت الصحفة فانكسرت، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلمَ- الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى، فجعل يجمع فيها الطعام الذي انسكب على الأرض، ويقول عليه الصلاة والسلام لمن معه: "غارت أمكم، غارت أمكم، كلوا" فهذا تعليقه صلى الله عليه وسلمَ "غارت أمكم" إنه غاية العدل والهدوء والاتزان منه صلى الله عليه وسلمَ في علاج هذا الأمر.

لقد كان صلى الله عليه وسلمَ يراعي زوجاته، ويدقق في الملاحظة والعبارة والكلمات، كان يراعي مشاعر الزوجة ويعرف هل الزوجةُ راضيةٌ عليه أم ساخطة، هل هي متضايقة أو مسرورة، لم يكن عليه الصلاة والسلام من نوع الرجال الذي لا يبالي بزوجته، أرضيت أم سخطت؟ أفرحت أم اغتمت؟ كلا! بل إنه صلى الله عليه وسلمَ كان يتابع كل هذا في بيته ومع زوجاته، ها هو يقول لعائشة -رَضي الله عنها-: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنتِ غضْبَى قُلتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ" (رواه البخاري).

وكان عليه الصلاة والسلام له مواقف طريفةٌ مع زوجاته في هذه المراعاة؛ كما حدَّث النعمان بن بشير قال: "استأذن أبو بكر على النبيّ -صلى الله عليه وسلمَ-، فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله لقد علمت أن علياً أحب إليك من أبي، فأهوى إليها أبو بكر ليلطمها، وقال: يا ابنة فلانة! أراك ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-؟! فأمسكه رسول الله، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: يا عائشة! كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك، وقد اصطلح رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- وعائشة فقال: "أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في الحرب"، فقال رسول الله: "قد فعلنا" (رواه النسائي).

وقد كان من مراعاته لزوجاته عليه الصلاة والسلام: إباحةُ اللهو البريء والمتعةِ المباحة للزوجة، فكان يلاعبهن ويسامرهن ويلاطفهن، وكان يُسرِّب إلى عائشة جواري صغيراتِ السنِ في مثلِ سنها، فيلعبن معها باللعب، وكان عليه الصلاة والسلام يتحاشا تنفير هؤلاء الضيوف من عند زوجته، وسابق زوجته صلى الله عليه وسلمَ، هكذا كانت ملاطفته عليه الصلاة والسلام لزوجته، وهي جزء من تربيته عليه الصلاة والسلام، فكان يراعي كل ذلك.

اللهم اجعلنا من القائمين بحقوق أهلينا، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله خلق فسوى، وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان وسار على سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن هذا التقصير الذي يوجد من قبلنا في حقوق أهلينا أمر مؤسف، يعود ضرره ووباله علينا، فكم من إنسان أرْدَتْه زوجته المهالك؟! وكم من إنسان جرته زوجته إلى الفتن والمحرمات؟! فينجرُّ إلى المهلكة ويكون عبداً لزوجته، فلا يكون الزوج قاسياً فظاً غليظاً، ضرابا لنسائه مقبحا الوجه كاسرا العظم، ولكن لتكن التربيةُ تربيةَ النبي -صلى الله عليه وسلمَ- فهذه السنة، وهذه معالمه ظاهرةً بينة، فعليك الإتباع، والأخذ بهذه السنن، والقيام على الأهل، والاحتساب عليهم في إنكار المنكرات، وأمرهم بالمعروف والعبادة والتقوى والطاعة، والحج والعمرة والصدقة، ومتابعتهم في الصلاة.

اللهم إنا نسألك أن توفقنا للقيام بحقوق أهالينا وإحسان تربيتهم.

اللهم قنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل بيوت الطهر والعفاف، وأن تطهر بيوتنا من المنكرات والسيئات.

اللهم اجعلنا ممن يقيم حدودك في بيوتهم، اللهم اجعلنا ممن أقاموا شريعتك في مساكنهم، اللهم طهر بيوتنا ومجتمعاتنا من النفاق والرياء والكذب والفحش يا رب العالمين، واجعلنا من عبادك الأخيار، اللهم ارحمنا برحمتك إنك أنت أرحم الرحمين، واغفر لنا يا غفار إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، وارفع عنهم الظلم والاعتداء يا رب العالمين.

اللهم انشر السنة والتوحيد في أرجاء الأرض إنك أنت أكرم الأكرمين، وأقر أعيننا بنصرة دينك يا رب العالمين.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.