البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

اعرف نفسك هل أنت ظالم أم مظلوم؟

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. إقدام الإنسان على الظلم .
  2. عدم اعتراف الظالم بظلمه .
  3. خطر الظلم والتحذير منه .
  4. نصائح وتحذيرات للظالمين .

اقتباس

المشكلة التي نعاني منها في مجتمعنا: أنَّ الظالم لا يُقرُّ بظلمه, فلو قلتَ للحاكمِ: أنت ظالم! نفى هذا عن نفسه، وبرَّرَ جميع أفعاله! وإن قلتَ للمحكومِ: أنت ظالم! نفى هذا عن نفسه، وبرَّرَ جميع أفعاله! فمن هو الظالم, ومن هو المظلوم, إذا كان ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: إنَّه لمن العَجيب أن ترى العبدَ المخلوقَ الضعيفَ الفقيرَ إلى الله -تعالى- يتجرَّأ على الظلم, وخاصَّةً إذا كان يدَّعي الإيمان, وكيف يتجرَّأ هذا العبد على الظلم, وربُّه الذي خلقه, والذي لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون, قد حرَّم الظلم على نفسه بقوله تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا" [رواه الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-].

إنَّه لمن العجيب أن ترى من آمن بقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات: 24].

وبقوله تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ *  عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون) [الحجر: 92 - 93].

وبقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ" [رواه الترمذي عن أبي برزة -رضي الله عنه-، وقال: "حديث حسن صحيح" يجترئ على الظلم!

ومن صور الظلم: الأَثَرَة, بحيث يُقدِّم العبدُ نفسَه على الآخرين, ويَجترئ على هضم حقوقهم, ولو أدَّى الأمر إلى إزهاقِ أرواحهم, وإتلافِ أموالهم, وهتكِ أعراضهم, وهضمِ حقوقهم, والإساءةِ لمقدَّساتهم.

يا عباد الله: المشكلة التي نعاني منها في مجتمعنا: أنَّ الظالم لا يُقرُّ بظلمه, فلو قلتَ للحاكمِ: أنت ظالم! نفى هذا عن نفسه، وبرَّرَ جميع أفعاله!

وإن قلتَ للمحكومِ: أنت ظالم! نفى هذا عن نفسه، وبرَّرَ جميع أفعاله!

فمن هو الظالم, ومن هو المظلوم, إذا كان الكلُّ ينفي عن نفسه الظلمَ ويُبرِّئُ نفسه؟!

أيها الإخوة الكرام: ما دام الكلُّ ينفي عن نفسه الظلم ويُبرِّئُ نفسه من ذلك, فإني أقول للحاكم والمحكوم: إذا أردت أن تعرف نفسك ظالماً أم مظلوماً, فاسمع حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, واحكم على نفسك مَنْ أنت، أخرج الإمام البخاري عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: "أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله, مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: "العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ الله, وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".

أيَّها الحاكم والمحكوم: تصوَّر نفسك أنَّك مُتَّ, فهل موتك راحةٌ لك؟ فإن كان موتك راحةً لك فأنت المظلوم, وبموتك استرحتَ من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمةِ الله -تعالى-, حيث يُقال لك عند سكرات الموت: "انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِن النَّارِ أَبْدَلَكَ الله بِهِ مَقْعَدًا مِن الجَنَّةِ" [رواه البخاري عن أنس -رضي الله عنه-].

أم موتك راحةٌ منك, حيث يستريح منكَ العبادُ, والبلادُ, والشجرُ, والدوابُّ؟ فإذا كان موتك راحةً منك فأنت الظالم, وبظلمك يتضرَّر العباد والبلاد حتى الدواب، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كَادَ الجَعْلُ أَنْ يُعَذَّبَ فِي جُحْرِهِ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ لَمَّا قَرَأَ: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) [فاطر: 45]" [رواه البيهقي في شعب الإيمان].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: "إِنَّ الظَّالِمَ لا يَضُرُّ إِلا نَفْسَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى وَاللهِ، حَتَّى الحُبَارَى لَتَمُوتُ فِي وَكْرِهَا هُزَالاً لظُلْمِ الظَّالِمِ" [رواه البيهقي في شعب الإيمان].

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كاد الضبُّ أن يموت في جحره هولاً من ظلم ابن آدم".

يا أيُّها الظالم: بموتك يرتاح الوجود منك, ترتاح منك الأرضُ التي تُقِلُّك, ويرتاح منك مكانُ صعود عملك في السماء, وتتلقاك ملائكة العذاب, ويُقال لك عند سكرات الموت: "انْظُر إِلَى مَقْعَدِكَ مِن الجَنَّةِ أَبْدَلَكَ الله بِهِ مَقْعَدًا مِن النَّارِ".

أيُّها الحاكم والمحكوم: واللهِ أنت تعرف نفسك هل أنت ظالم أم مظلوم من خلال هذا الحديث الشريف: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" ألا تعرف مَوتَك هل هو راحةٌ لكَ أم راحةٌ منكَ؟

معشر المسلمين: واجبنا نحو الظالم: أن نذكِّره بآياتٍ من كتاب الله -تعالى-, ما دام أنَّه مؤمنٌ بالله -تعالى-, فاسمع -أيُّها الظالم-:

أولاً: أنت في ضلال, ولن يُثبِّتك الله -تعالى- في الحياة الدنيا ولا في الآخرة إذا أصررت على ظلمك, واسمع قول الله -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار) [إبراهيم: 27 - 28].

أيُّها الظالم: لقد خَرَّبْتَ العباد والبلاد أنت ومن معك, فاعلم بأنَّ الجزاء من جنس العمل, فدارُ البوار تنتظرك, قال تعالى: (وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28].

ثانياً: أنت على موعدٍ مع الله -تعالى- بإهلاككَ واستئصالك ما دمتَ مُصِرَّاً على الظلم, قال تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) [الأنعام: 44 - 45].

وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم: 13 - 14].

يا عباد الله: لا شكَّ بأنَّ الأنبياء هم دُعاة الفضلِ والعدلِ وتحريمِ الظلم, وأتباعهم كذلك, وغيرُهم هم الظَّلَمَةُ, الذين يتوعَّدون أهلَ الفضل والعدل.

فيا أيُّها الظالم: سيأخذك الله بغتةً, ويقطع دابرَكَ, ويُهلكك, ويُسكِنُ الأرضَ من بعدك المظلومَ ما دام يخاف مقامَ الله -تعالى- ووعيدَهُ.

ثالثاً: أنت على موعدٍ مع الله -تعالى- أن يُدخلك جهنم, ولن تُفَتَّحَ لك أبواب السماء, ولن تدخل الجنة إذا متَّ مُصرَّاً على ظلمك, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين) [الأعراف: 40 - 41].

رابعاً: أنت على موعد مع ملائكة العذاب عند سكرات الموت, قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ) [الأنعام: 93 - 94].

يا عباد الله: نحن جميعاً لا نرى الملائكة في الحياة الدنيا, ولكن سوف نراهم قريباً جميعاً, ولكن هناك من يرى ملائكة الرحمة, وهناك من يرى ملائكة العذاب, ولا شكَّ بأنَّ المؤمنَ المظلومَ سيرى ملائكةَ الرحمةِ, قال تعالى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء: 103].

أما العبد الظالم فسيرى ملائكةَ العذابِ, قال تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا) [الفرقان: 22].

أيُّها العبد الظالم: تذكر أنَّك راجعٌ إلى الله -تعالى- كما خلقك أوَّل مرة, تذكر بأنَّك عندما خرجت من بطن أمِّكَ كنت فقيراً ضعيفاً جاهلاً لا حول لك ولا قوة, فسوف ترجعُ إلى ربك وحدك, وتتركُ ما أسبغ الله عليك من النعم وراءك, وتُحاسب عليها.

خامساً: أنت على موعدٍ مع الله -تعالى- بأن يَصُبَّ عليك اللعنة, وهي الطردُ من رحمة الله -تعالى-, وذلك عندما يناديك المظلوم وهو في الجنة, وأنت في النار, قال تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 44].

سادساً: أنت على موعدٍ مع الله -تعالى- حيث تندمُ بين يديه ولن ينفعك الندم, قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 27 - 29].

سابعاً: لا تنس بأنَّ عينك تنام وعين المظلوم لا تنام ويدعو عليك, وربُّنا -عز وجل- أقسم بذاته بأنَّه ناصرٌ للمظلوم في الوقت الذي يشاؤه مولانا -عز وجل-؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ, وَالإِمَامُ العَادِلُ, وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ, يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الغَمَامِ, وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ, وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".

يُذكر أنه لما حُبِسَ خالد بن برمك وولده قال: "يا أَبَتِ بعد العزِّ صرنا في القيد والحبس؟ فقال: يا بني دعوة المظلوم سَرَتْ بليلٍ غفلنا عنها, ولم يغفل الله عنها!".

يا عباد الله: ليسمع من كان ظالماً -من حاكمٍ ومحكومٍ- والظالم يعرف نفسه, ليسمع قول الله -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ) [إبراهيم: 42 - 44].

ليَسْمع الظالم هذا ولعلَّه أن يتوبَ إلى الله -تعالى- قبل أن يخرج من دار التكليف إلى دار الجزاء؛ لأنَّه بوسعه أن يعلن توبته لله -تعالى-, والله يقبل التوبة عن عباده, قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان: 68 - 70]. هذه التوبة في دار العمل.

أما إذا أصرَّ واستكبر استكباراً فسوف يقول حيث لا ينفعه القول: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ) [إبراهيم: 44].

وسوف يقول حيث لا ينفعه القول: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) [السجدة: 12].

وسوف يقول حيث لا ينفعه القول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون) [المؤمنون: 99 - 100].

فيا أيُّها الحاكم: إذا كنت تعتقد بأنَّك مظلومٌ ولستَ بظالم, وأنت مؤمنٌ ملتزمٌ بالكتاب والسنة, فاذكر حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا" قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ, وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ" [رواه الإمام البخاري عَن عَبْدَ الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه-].

فأدِّ الذي عليك نحو محكومك, وسَلِ الله حقَّكَ, واصبر حتى تلقى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على الحوض.

وإِنْ كنت -أيُّها المحكوم- تعتقد بأنَّك مظلومٌ ولستَ بظالم, وأنت مؤمنٌ ملتزمٌ بالكتاب والسنة, فاذكر الحديث الشريف, وأدِّ الحقَّ الذي عليك, وسَلِ الله حقك, واصبر حتى تلقى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على الحوض.

وأمَّا أنت -أيُّها الظالم- تُبْ إلى الله -تعالى- من ظلمك, وإلَّا فحسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العليِّ العظيم, نعم المولى ونعم النصير, ونسأل الله -تعالى- أن يُرِيَنَا فيكَ عجائبَ قدرته، آمين.

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.