البحث

عبارات مقترحة:

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

كلمات وعظات في موسم الاختبارات

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. صعوبات أيام الاختبارات .
  2. قيم سلبية تظهر في موسم الاختبارات .
  3. أكثر الطلاب فرحا وأكثرهم غمًّا .
  4. عبرة من الامتحانات الدنيوية. .

اقتباس

في الاختِبَارَاتِ تَظهَرُ قِيَمٌ سَلبِيَّةٌ، تَفضَحُ مُستَوَى التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ في كَثِيرٍ مِنَ المَدَارِسِ، وَذَلِكَ مَا تَشهَدُهُ الشَّوَارِعُ بَعدَ نِهَايَةِ كُلِّ يَومِ اختِبَارٍ، مِن تَمزِيقِ الكُتُبِ أَو إِلقَائِهَا لِتَدُوسَهَا أَقدَامُ النَّاسِ وَعَجَلاتُ السَّيَارَاتِ، أَو لِتُطِيرَ أَورَاقَهَا الرِّيَاحُ فَتَختَلِطَ بِالزِّبَالاتِ، فَأَيُّ تَربِيَةٍ نَالَهَا طُلاَّبٌ لا يُقَدِّرُونَ أَوعِيَةَ العِلمِ وَلا يَعرِفُونَ قِيمَةَ الكِتَابِ؟! بَل كَيفَ تَطِيبُ نُفُوسٌ مُتَعَلِّمَةٌ حَقًّا، بِإِلقَاءِ كُتُبٍ تَحمِلُ اسمَ اللهِ وَاسمَ رَسُولِهِ، وَلا يَكَادُ شَيءٌ مِنهَا يَخلُو مِن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللهِ أَو حَدِيثٍ نَبَوِيٍّ شَرِيفٍ؟! وَأَمَّا الطَّامَّةُ الكُبرَى وَالمَصِيبَةُ العُظمَى فَأَن يَكُونَ ذَلِكَ عِندَ أَبوَابِ المَدَارِسِ، وَعَلَى مَرأًى مِن رِجَالِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ فِيهَا، ثم لا يُحَرِّكُونَ سَاكِنًا، وَلا يُقَدِّمُونَ حَلاًّ، وَلا يُجَهِّزُونَ لَهُ عِلاجًا وِقَائِيًّا...

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ، فَيَـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة: 21]، (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 283].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في أَيَّامِ الاختِبَارَاتِ المَدرَسِيَّةِ وَالجَامِعِيَّةِ، تَتَوَارَدُ عَلَى الآبَاءِ وَالمُرَبِّينَ خَوَاطِرُ كَثِيرَةٌ، وَتَبرُزُ في المُجتَمَعِ قَضَايَا مُثِيرَةٌ، وَتَظهَرُ بَينَ الطُّلاَّبِ مُشكِلاتٌ خَطِيرَةٌ، خَوَاطِرُ لا يَحسُنُ كَبتُهَا، وَقَضَايَا تَستَدعِي الوُقُوفَ عِندَهَا، وَمُشكِلاتٌ يَجِبُ عِلاجُ مَا يُمكِنُ عِلاجُهُ مِنهَا.

في الاختِبَارَاتِ تَتَغَيَّرُ نُفُوسٌ وَتَرجِفُ قُلُوبٌ، وَتُحشَدُ جُهُودٌ وَتُستَنفَرُ بُيُوتٌ، بَل وَيَظهَرُ أَقوَامٌ يَتَصَيَّدُونَ فَرَائِسَ وَيَقتَنِصُونَ فُرَصًا.

الطُّلاَّبُ وَالطَّالِبَاتُ في كَربٍ وَغَمٍّ، وَالوَالِدَانِ في انشِغَالٍ وَهَمٍّ، وَثَمَّةَ مُعَلِّمُونَ يُوَاصِلُونَ تَعَبَ السَّاعَاتِ، وَيَستَبِقُونَ الدَّقَائِقَ وَاللَّحَظَاتِ؛ لأَنَّ الاختِبَارَاتِ في نَظَرِهِم فُرصَةٌ لا تُعَوَّضُ لِلرِبحِ بِبَيعِ العِلمِ، وَفي جِهَةٍ أُخرَى يَبرُزُ مُجرِمُونَ يُرَوِّجُونَ المُخَدِّرَاتِ، وَمُتَرَبِّصُونَ يَنتَهِزُونَ غِرَّاتِ الفِتيَانِ وَالفَتَيَاتِ.

وَإِنَّ في خُرُوجِ الطُّلاَّبِ وَالطَّالِبَاتِ مِن مَدَارِسِهِم وَجَامِعَاتِهِم مُبَكِّرِينَ في أَيَّامِ الامتِحَانَاتِ، لَمَطمَعًا لِلمُتَرَبِّصِينَ وَالكَائِدِينَ، فَرَحِمَ اللهُ أَبًا حَفِظَ أَبنَاءَهُ وَرَعَى بَنَاتِهِ، فَعَرَفَ وَقتَ خُرُوجِهِم مِنَ الاختِبَارِ بِدِقَّةٍ، فَكَانَ حَاضِرًا بِبَدنِهِ أَوِ بِاتِّصَالِهِ، لِيَضمَنَ وُصُولَ رَعِيَّتِهِ لِبُيُوتِهِم، وَيَقطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الأَيدِي العَابِثَةِ لِئَلاَّ تَتَلَقَّفَهُم، فَتَعبَثَ بِعُقُولِهِم، أَو تُفسِدَ أَفكَارَهُم، أَو تَهتِكَ أَعرَاضَهُم، أَو تُوقِعَهُم في مَصَائِبَ وَمُشكِلاتٍ، أَو تَجُرَّهُم لِلوُقُوعِ في حُفَرٍ وَمُستَنقَعَاتٍ.

وَهَدَى اللهُ آبَاءً مُضَيِّعِينَ، يُسَلِّمُونَ أَبنَاءَهُمُ السَّيَّارَاتِ، وَيُغدِقُونَ عَلَيهِم النُّقُودَ، ثم لا يَهتَمُّونَ بِهِم بَعدُ وَلا يَسأَلُونَ عَنهُم، فَتَرَاهُم في كُلِّ شَارِعٍ يَهِيمُونَ، وَعَلَى المَطَاعِمِ يَتَوَافَدُونُ، وَفي الأَسوَاقِ يُؤذُونَ وَيُؤذَونَ، وَكَم عَلَى رِجَالِ الأَمنِ وَحُمَاةِ الفَضِيلَةِ مِن رِجَالِ الهَيئَةِ، مِن مَسؤُولِيَّةٍ في المُرَاقَبَةِ وَالمُتَابَعَةِ، وَكَم هُوَ الحِملُ عَلَيهِم ثَقِيلٌ وَالأَمَانَةُ في أَعنَاقِهِم عَظِيمَةٍ !

وَكَم لِمُخلِصِهِم مِن جُهدٍ في تَتَبُّعِ المُجرِمِينَ وَقَطعِ شُرُورِ المُتَرَبِّصِينَ، وَحِفظِ أَبنَاءِ المُسلِمِينَ وَحِمَايَةِ بَنَاتِهِم، فَمَا أَعظَمَ أَجرَهُم كُلَّمَا احتَسَبُوا في ذَلِكَ وَاجتَهَدُوا، وَمَا أَحوَجَهُم إِلى أَن يَتَذَكَّرُوا أَنَّهُم عَلَى ثَغرٍ عَظِيمٍ، فَيَصبِرُوا في سَدِّهِ وَيُصَابِرُوا، وَيَتَّقُوُا اللهَ لِئَلاَّ يُنتَهَكَ الحِمَى مِن قِبَلِهِم فَيَأثَمُوا.

وَفي الاختِبَارَاتِ يَكُونُ المُعَلِّمُونَ في مَوقِفِ القُضَاةِ، يَحكَمُونَ بِالعَدلِ وَالقِسطِ، وَيُؤتُونَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَهَذَا يَتَطَلَّبُ مِنهُم حِرصًا في أَثنَاءِ المُرَاقَبَةِ، وَدِقَّةً في التَّصحِيحِ وَالمُرَاجَعَةِ، وَرِفقًا بِطُلاَّبِهِم وَرَحمَةً لَهُم، وَإِرَادَةً لِلخَيرِ بِهِم، وَلَيسَ مَعنَى الرِّفقِ وَالرَّحمَةِ مَا يَظُنُّهُ بَعضُ المُعَلِّمِينَ أَوِ الطُّلاَّبِ مِن كُونِهِ تَسهِيلاً لِلأَسئِلَةِ حَتى يَحُلَّهَا المُجتَهِدُ وَالكَسُولُ، فَإِنَّ ذَلِكَ في الحَقِيقَةِ نَوعٌ مِنَ الغِشِّ لِلطُّلاَّبِ، حَيثُ يَشعُرُونَ بِأَنَّهُم قَد تَجَاوَزُوا العَقَبَةَ في مَادَّةٍ مَا.

فَإِذَا جَاءَتِ المَحَكَّاتُ الحَقِيقِيَّةُ في الحَيَاةِ العَامَّةِ، أَو فِيمَا يَتَطَلَّبُهُ العَمَلُ الوَظِيفِيُّ فِيمَا بَعدُ، اكتَشَفُوا وَاكتَشَفَ المُجتَمَعُ مِن وَرَائِهِم أَنَّهُم كَانُوا في ضَلالٍ وَعَمَاءٍ، وَالسَّبَبُ مُعَلِّمٌ لم يَشرَحْ دَرسَهُ كَمَا يَجِبُ، فَاضطُرَّ لِتَسهِيلِ الأَسئِلَةِ لِئَلاَّ يُفتَضَحَ أَمرُهُ، أَو ظَنَّ أَنَّهُ بِتَيسِيرِهِ الزَّائِدِ عَن حَدِّهِ سَيَنَالُ إِعجَابًا أَو يَستَجلِبُ مَدحًا، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ قَد غَشَّ جِيلاً كَامِلاً، بَل خَانَ مُجتَمَعًا وَوَطَنًا، إِذْ خَرَّجَ إِلَيهِم أُنَاسًا فَاشِلِينَ، غَيرَ مُعَدِّينَ لِحَملِ أَمَانَةٍ وَلا تَحَمُّلِ مَسؤُولِيَّةٍ، وَلا قَادِرِينَ عَلَى نَفعِ بَلَدٍ أَو خِدمَةِ مُجتَمَعٍ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا" (رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ).

 وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ" (رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).

وَفي الاختِبَارَاتِ تَظهَرُ قِيَمٌ سَلبِيَّةٌ، تَفضَحُ مُستَوَى التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ في كَثِيرٍ مِنَ المَدَارِسِ، وَذَلِكَ مَا تَشهَدُهُ الشَّوَارِعُ بَعدَ نِهَايَةِ كُلِّ يَومِ اختِبَارٍ، مِن تَمزِيقِ الكُتُبِ أَو إِلقَائِهَا لِتَدُوسَهَا أَقدَامُ النَّاسِ وَعَجَلاتُ السَّيَارَاتِ، أَو لِتُطِيرَ أَورَاقَهَا الرِّيَاحُ فَتَختَلِطَ بِالزِّبَالاتِ، فَأَيُّ تَربِيَةٍ نَالَهَا طُلاَّبٌ لا يُقَدِّرُونَ أَوعِيَةَ العِلمِ وَلا يَعرِفُونَ قِيمَةَ الكِتَابِ؟! بَل كَيفَ تَطِيبُ نُفُوسٌ مُتَعَلِّمَةٌ حَقًّا، بِإِلقَاءِ كُتُبٍ تَحمِلُ اسمَ اللهِ وَاسمَ رَسُولِهِ، وَلا يَكَادُ شَيءٌ مِنهَا يَخلُو مِن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللهِ أَو حَدِيثٍ نَبَوِيٍّ شَرِيفٍ؟!

 وَأَمَّا الطَّامَّةُ الكُبرَى وَالمَصِيبَةُ العُظمَى فَأَن يَكُونَ ذَلِكَ عِندَ أَبوَابِ المَدَارِسِ، وَعَلَى مَرأًى مِن رِجَالِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ فِيهَا، ثم لا يُحَرِّكُونَ سَاكِنًا، وَلا يُقَدِّمُونَ حَلاًّ، وَلا يُجَهِّزُونَ لَهُ عِلاجًا وِقَائِيًّا، مَعَ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ في كُلِّ اختِبَارٍ وَمَعَ نِهَايَةِ كُلِّ فَصلٍ أَو عَامٍ، إِنَّ ذَلِكَ لَنَوعٌ مِنَ الاختِبَارِ الحَقِيقِيِّ، الَّذِي يَتَبَيَّنُ فِيهِ أَثَرُ التَّعلِيمِ في النُّفُوسِ، وَمَدَى قُدرَتِهِ عَلَى غَرسِ المَبَادِئِ وَبِنَاءِ القِيَمِ وَتَهذِيبِ السُّلُوكِ، وَتَخرِيجِ طُلاَّبٍ نَاجِحِينَ في حَيَاتِهِمُ العِلمِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ. وَكَم يُحسِنُ بَعضُ القُدُوَاتِ مِن مُدِيرِي المَدَارِسِ وَنَابِهِي المُعَلِّمِينَ، إِذْ يُجَهِّزُونَ أَمَاكِنَ وَأَوعِيَةً لِحِفظِ الكُتُبِ، وَتَبجِيلِ مَا فِيهَا مِنِ اسمِ اللهِ وَاسمِ رَسُولِهِ وَآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَعِلمٍ، فَجَزَاهُمُ اللهُ خَيرًا وَأَجزَلَ ثَوَابَهُم.

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - مُعَلِّمِينَ وَآبَاءً وَمُرَبِّينَ، وَلْنَحرِصْ عَلَى أَلاَّ تَكُونَ أَيَّامُ الاختِبَارَاتِ مَرتعًا لِتَعلِيمِ أَبنَائِنَا كُلَّ قَبِيحٍ مِنَ القَولِ أَوِ العَمَلِ، أَو فُرصَةً لِتَغَلغُلِ المُفسِدِينَ في صُفُوفِهِم، أَو بِدَايَةً لانحِرَافٍ قَد يَطُولُ أَمَدُهُ، فَقَد تَبَيَّنَ لِلمُهتَمِّينَ مِنَ التَّربَوِيِّينَ، أَنَّ أَيَّامَ الاختِبَارَاتِ بما فِيهَا مِن نَوعِ انفِلاتٍ، مَرتَعٌ لِحَوَادِثَ شَنِيعَةٍ، وَمَيدَانٌ لِحُصُولِ مَوَاقِفَ غَيرِ تَربَوِيَّةٍ، وَفُرصَةٌ لِفَسَادٍ عَرِيضٍ وَإِفسَادٍ كَبِيرٍ.

 أَعُوُذ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ. وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ) [الأنفال: 27- 29].

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا. وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2- 3].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَفي الاختِبَارَاتِ نَرَى أَكثَرَ النَّاسِ فَرَحًا، طَالِبٌ عَرَفَ هَدَفَهُ مِن أَوَّلِ عَامِهِ، وَحَدَّدَ غَايَتَهُ مُنذُ بِدَايَةِ سَنَتِهِ، فَحَفِظَ وَقتَهُ وَأَقبَلَ عَلَى دَرسِهِ، وَأَجَلَّ مَدرَسَتَهُ وَبَجَّلَ مُعَلِّمِيهِ، فَهَذَا تَكُونُ لَهُ الاختِبَارَاتُ كَمَوسِمِ الحَصَادِ لِمَن بَذَرَ وَسَقَى وَحَفِظَ زَرعَهُ.

 وَأَمَّا أَشَدُّ النَّاسِ غَمًّا وَأَطوَلُهُم حُزنًا، فَطَالِبٌ لم يَدرِ فِيمَ كَانَ يَغدُو وَإِلامَ يَرُوحُ، قَطَّعَ وَقتَهُ في نَومٍ وَبَطَالَةٍ، وَأَضَاعَ الفُرَصَ وَلم يَغتَنِمْهَا، وَلم يُقَدِّرْ مَدرَسَةً وَلا أَجَلَّ عِلمًا وَلا مُعَلِّمًا، فَهَذَا تَكُونُ لَهُ الاختِبَارَاتُ مَنَاحَةً يَتَذَكَّرُ فِيهَا تَقصِيرَهُ، وَلَكِنَّهُ لا يَملِكُ تَعوِيضَ مَا فَاتَ، وَلا إِرجَاعَ سَالِفِ الأَوقَاتِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرَى زُمَلاءَهُ وَقَد تَجَاوَزُوهُ وَسَبَقُوهُ، فَيَندَمُ وَلاتَ حِينَ مَندَمٍ.

 وَإِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لَنَا وَأَيُّ عِبرَةٍ، فَنَحنُ جَمِيعًا سَوفَ تَنتَهِي أَعمَارُنَا كَمَا يَنتَهِي فَصلٌ دِرَاسِيٌّ أَو عَامٌ تَحصِيلِيٌّ، وَوَرَاءَنَا اختِبَارَاتٌ وَأَسئِلَةٌ وَامتِحَانَاتٌ، قال - سبحانه -: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرسِلَ إِلَيهِم وَلَنَسْأَلَنَّ المُرسَلِينَ. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيهِم بِعِلمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ. وَالوَزنُ يَومَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ. وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بما كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظلِمُونَ) [الأعراف: 6- 9].

 وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: (فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعمَلُونَ) [الحجر: 92- 93]، وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَلَو شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسأَلُنَّ عَمَّا كُنتُم تَعمَلُونَ) [النحل: 93]، وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسأَلُونَ).

 وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ؟ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ؟" (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا صَوَابًا، فَإِنَّ عَلَينَا مِنَ اللهِ كِرَامًا كَاتِبِينَ، وَمِن وَرَائِنَا كِتَابًا لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحصَاهَا (إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤتِ مِن لَدُنْهُ أَجرًا عَظِيمًا) [النساء: 40]، (وَمَا تَكُونُ في شَأنٍ وَمَا تَتلُو مِنهُ مِن قُرآنٍ وَلا تَعمَلُونَ مِن عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيكُم شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثقَالِ ذَرَّةٍ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ وَلا أَصغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكبَرَ إِلاَّ في كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس: 61]، (فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ. وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7- 8].